مصر تنتهج سياسة العقاب النفسي حيال الآباء المعتدين

نشر ثقافة الاستغاثة لدى الأطفال يخلصهم من العنف الأسري.
الثلاثاء 2025/07/29
العنف يؤذي الأطفال جسديا ونفسيا

يؤكد المتخصصون في شؤون الطفل بالقاهرة على ضرورة نشر ثقافة الاستغاثة ضد العنف عند الأطفال، بحيث يستطيع الصغير أن يطلب الحماية ضد أي عنف يتعرض له. ووصل العنف الجسدي المسلط على الأبناء في مصر إلى مرحلة خطيرة بسبب إدمان بعض الأسر على التربية التي تستند إلى الإيذاء، لذلك تعالت الأصوات المطالبة بالمحاسبة الفورية والصارمة، حتى لا تترك الاعتداءات تداعيات خطيرة على الأبناء.

القاهرة - كرّست الهيئات المعنية بشؤون الطفل والجهات القضائية في مصر سياسة العقاب النفسي والمعنوي ضد الآباء المعتدين على أبنائهم، من خلال نزع الطفل من الأسرة وإيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية لفترة من الوقت، كخطوة تستهدف إعادة تأهيل الابن نفسيا، وحرمان أسرته منه، ومعاقبة الأبوين معنويا وماديا، وفق التشريعات التي تحظر معاقبة الأطفال بدنيّا.

جاء التحرك على خلفية انتشار مقطع فيديو أثار غضبا مجتمعيا واسعا، ظهر خلاله أب وهو يعتدي على ابنه البالغ من العمر عشر سنوات بطريقة وحشية، بينما كانت الأم تقف متفرجة دون أن تتدخل لحماية صغيرها والدفاع عنه، ما استدعى قرارا عاجلا من النيابة العامة بإيداع الطفل إحدى دور الرعاية، مع اتخاذ إجراء رادع ضد الأب بحبسه لفترة زمنية محددة.

وأعلن المجلس القومي للطفولة أن هذا الإجراء جاء كسلاح ردع ضد الأسرة التي تعتدي على أبنائها بذريعة التربية، وسيتم نزع الطفل منها إلى حين تأهيله نفسيا ومعنويا، كنوع من الحرمان لفترة مع مواصلة إجراءات التقاضي لمحاسبة الأب أو الأم، أو أيّ من أقارب الطفل، حال ثبوت واقعة الاعتداء، مؤكدا أن العنف الجسدي لم يعد مقبولا كوسيلة لتربية الأبناء تحت أي ذريعة.

وحاول الأب والأم التصالح في الواقعة بتأكيدهما أمام النيابة العامة أنهما كانا يؤدبان الابن على واقعة سرقة هاتف شقيقه، لكن طلبهما قوبل بالرفض، وتمسك المجلس القومي للطفولة باتخاذ الإجراءات القانونية ضدهما من خلال مكتب شؤون الطفل التابع للنائب العام المصري، وجرى نزع الطفل من الأسرة وحبس الأب تنفيذا لقانون الطفل الذي يجرم التأديب الجسدي.

وحمل رفض التصالح في قضية مرتبطة بالعنف الأسري تجاه الأبناء رسالة ردع للأسر التي تدمن التربية القاسية بعدما انتشرت وقائع ضرب الآباء أبناءهم وتعذيبهم بذريعة تقويم سلوكياتهم، ويحدث ذلك أحيانا بطريقة وحشية، وحظي الإجراء العقابي الذي اتخذته النيابة العامة بتأييد منظمات حقوقية معنية بشؤون الطفل، وطالبت بتعميمه على مستوى الدولة، وتطبيقه على الحالات الشبيهة.

الإجراء العقابي الذي اتخذته النيابة العامة حظي بتأييد منظمات حقوقية معنية بشؤون الطفل، وطالبت بتعميمه وتطبيقه على الحالات الشبيهة

ووصل العنف الجسدي المسلط على الأبناء في مصر إلى مرحلة خطيرة بسبب إدمان بعض الأسر على التربية التي تستند إلى الإيذاء، وما يخفف من حدة تلك الوقائع أن الأغلبية المجتمعية تنتفض ضد أي مقطع فيديو يوثق اعتداء أب أو أم على الابن، وتعلو الأصوات المطالبة بالمحاسبة الفورية والصارمة، لأن هذه الاعتداءات تترك تداعيات خطيرة على الأبناء.

وترفض النيابة العامة المصرية اعتماد أسلوب العنف في تربية الأبناء لذلك لا تتسامح مع حالات اعتداء الوالدين على أطفالهم وترفض أن يتم الصلح في تلك القضايا، لما يشكله ذلك من خطورة على الأطفال، والهدف من ذلك ألا تنتشر ثقافة التربية القائمة على العنف.

وحسب التشريعات المنظمة لحقوق الطفل في مصر إذا مارس الأب، أو الأم، الاعتداء الجسدي على الطفل يعاقب بالحبس مدة تصل إلى ثلاث سنوات، بعد أن وافق مجلس النواب على تعديلات تشريعية لوقف العنف الأسري المسلط على الأطفال، لما تحول الإيذاء البدني والنفسي الذي يصل حد القتل إلى ما يمكن اعتباره ظاهرة أسرية مقيتة.

ويرى متخصصون في شؤون الطفل بالقاهرة أن المعضلة لم تعد كامنة في التشريعات التي تضم نصوصا صارمة لحماية الصغار من العنف الأسري، بل تشمل آليات تطبيقها لأن هناك العديد من وقائع ضرب الصغار وتعذيبهم يتم الكشف عنها بالصدفة، مثل واقعة الطفل المعذب على يد والده مؤخرا، حيث قام أحد الجيران بتوثيقها عبر مقطع فيديو ونشره على مواقع التواصل.

وتبين من تحقيقات النيابة العامة أن الطفل ذاته تعرض من قبل للضرب الوحشي من جانب والده، أي أن هذه ليست المرة الأولى، ونشْر الفيديو الذي وثق التعذيب في المرة الأخيرة هو من كشف كل ذلك، لأن الطفل ليس لديه الوعي الكافي للإبلاغ عن أسرته، كما أن غالبية وقائع العنف ضد الصغار تحدث داخل جدران المنازل ولا يعرف بها أحد للإبلاغ عنها.

ولا تتوافر للكثير من الصغار في مصر ممن يتعرضون للعنف الأسري الحماية الكاملة ولو تعرضوا لتصرفات مشابهة، من ثم فالعقوبات القاسية لا تحل الأزمة في ظل الفهم الخاطئ لدى بعض الآباء والأمهات لطريقة التربية وتقويم السلوك والاعتماد على العنف فقط وسيلة أحادية ومبررة لترهيب الطفل ومنعه من ارتكاب تصرف خاطئ.

ومن النادر أن يُحاسب رب أسرة في مصر بسبب العنف إلا إذا تم افتضاح أمره عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن الخطر الأكبر في الشريحة التي ترفض محاسبة الأب أو الأم على ضربهما أبناءهما بذريعة أن الآباء من حقهم معاقبة الأبناء واختيار الوسيلة الأنسب في التأديب، ما يعني وجود مقاومة من فئة معتبرة لتدخل الدولة في التربية.

Thumbnail

ومع استمرار وجود ممانعات مجتمعية لمعاقبة الآباء المعتدين يظل من الصعب حماية الصغار من التعذيب بالقانون فقط، طالما هناك من يبررون ويطبقون العنف بعيدا عن أعين السلطات، مثل رجال الدين الذين يفتون بأحقية كل أب في تأديب ابنه بطريقته الخاصة، ووفق أعراف وتقاليد بعيدة عن المسميات الحديثة لما يعرف باسم “التربية الإيجابية”.

وحسب الاستشاري النفسي المتخصص في العلاقات الأسرية بالقاهرة محمد هاني، فإن عزل الطفل عن الأسرة عقاب معنوي ولن يحل الأزمة، لأن جذورها مرتبطة بعقلية بعض الأسر ممن يعتقدون أن العقاب القاسي ضد أولادهم وسيلة مثالية للتربية، والخطر يتعلق بتعامل شريحة كبيرة من الآباء مع أولادهم بمنطق الملكية الخاصة.

وأضاف لـ”العرب” أنه من المهم نشر ثقافة الاستغاثة ضد العنف عند الأطفال، وهذا دور أساسي للمؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، بحيث يستطيع الصغير أن يطلب الحماية ضد أي عنف يتعرض له، وتنشئته تربويا على أن جسده يخصه، ولا يخص غيره، كما هو الحال في التحرش والختان وغيرهما، لكن المشكلة في عدم تعريف الصغار بتلك الحقوق.

وإذا كان رفض التصالح في قضايا العنف الأسري مطلوبا كرسالة ردع، فمن المهم أن يتم نشر تلك الثقافة في المجتمع وإعلان العقوبات للجميع كي تُدرك كل أسرة أن الدولة لن تصمت على العنف ضد الصغار، ولن تقبل بفكرة الملكية الخاصة للأبناء ليفعل بهم الآباء ما يريدون، والمهم البحث عن آليات لكشف العنف الأسري بعيدا عن اكتشافه كل مرة بالمصادفة.

ومن الضروري أن تقتنع الحكومة والمؤسسات المعنية بشؤون الطفل بأن عزل الصغير في مؤسسة اجتماعية ومعاقبة الآباء بالحبس لفترة معينة لا يكفيان لحل المشكلة، لأن الأمر يرتبط بسلوكيات وقناعات متوارثة يصعب تغييرها من خلال التشريعات من دون إستراتيجية متكاملة لنشر ثقافة التربية الإيجابية، بدليل وجود قوانين صارمة لمحاربة الزواج المبكر وختان الإناث ولم يتم القضاء عليهما.

15