غموض حكومي يُحيي آمال قدامى المستأجرين في مصر
القاهرة - أحيا الغموض الحكومي في مصر بشأن مصير قانون الإيجار القديم الذي وافق عليه مجلس النواب مؤخرا، آمال ملايين قدامى المستأجرين الذي يأملون أن يرفض الرئيس عبدالفتاح السيسي التوقيع على القانون وعدم دخوله حيز التنفيذ، وإعادته إلى البرلمان لإجراء تعديلات عليه تحفظ حق المستأجرين في عدم الطرد.
ومثلت تصريحات أدلى بها الرئيس السيسي قبل يومين، تفيد بأن الدولة لن تترك مستحقا لسكن يخشى على مستقبله، بادرة إيجابية لقدامى المستأجرين، وهي رسالة فهمها كثيرون على أنها موجهة إلى الشريحة الغاضبة من عناد الحكومة والبرلمان، والإصرار على أن يكون قانون الإيجار نافذا، لكن السيسي ألقى رسالته بمناسبة احتفالات ذكرى ثورة 23 يوليو.
وهناك حكم صدر من المحكمة الدستورية العليا بمصر في نوفمبر الماضي، قضى بعدم دستورية ثبات القيمة الإيجارية في قانون الإيجار القديم، وحدد موعدا لإعمال أثره المرتبط بوقف العمل بالمادة التي تقرر تثبيت الأجرة، ابتداء من اليوم التالي لفض دور انعقاد مجلس النواب (في التاسع من يوليو الحالي)، لكن رسائل السيسي لا تزال تبث الشعور بالأمل في نفوس مستأجري أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية.
ويمنح الدستور المصري للرئيس مهلة ثلاثين يوما لإبداء موقفه من القوانين التي يحيلها إليه البرلمان، بالتوقيع ودخول حيز النفاذ، أو رفضها والاعتراض على بعض موادها أو كلها، وفي هذه الحالة يعود القانون إلى مجلس النواب لإجراء تعديلات على المادة، أو المواد التي اعترض عليها الرئيس.
وما ضاعف من آمال قدامى المستأجرين أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أعلن في مؤتمر صحفي مؤخرا أن حكومته تتعهد بعدم الإضرار بأي مستأجر، وهذا توجه عام للدولة وتكليف مباشر من القيادة السياسية، وتم البدء في إعداد اللائحة التنفيذية للقانون، كإجراء إداري مرتبط بأي قانون وافق عليه البرلمان.
وأكد محمد الفيومي رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، الجمعة، أن إصدار الرئيس السيسي لقانون الإيجار القديم سيكون خلال ثلاثين يوما من تاريخ إرساله من جانب مجلس النواب، معقبا “تم إرساله للرئاسة منذ عشرة أيام فقط، وإذا اعترض الرئيس سيعود القانون إلى مجلس النواب الذي قد ينعقد بأي وقت في هذا الشأن.”
وتوقعت دوائر سياسية أن يكون للرئيس السيسي موقف محوري لحسم الجدل الدائر حول قانون الإيجار القديم، وقد لا يمرره بصورته الحالية في ظل انقسام حاد داخل المجتمع، وكثرة المطالبات الحقوقية والسياسية والشعبية برفض التصديق على القانون، وإعادته إلى البرلمان لتعديل بعض النصوص محل الجدل.
ودشن قدامى المستأجرين، ومعهم شخصيات حقوقية وسياسية وحزبية ونقابية، حملة توقيعات تطالب السيسي بعدم التصديق وتوجيه مجلس النواب إلى تعديله ولو تطلب الأمر مد دور الانعقاد إلى حين إصدار التعديل، ما وضع الرئيس في مأزق مرتبط بأنه كان ولا يزال الملاذ الأخير أمام الشارع لتصويب أخطاء الحكومة.
واعتاد مصريون من السيسي التدخل في اللحظة الأخيرة لترضية الرأي العام بإجراء يعزز شعبيته، خاصة وأنه قريب مما يثار على الفضاء الإلكتروني وكثيرا ما تفاعل مع المطالبات التي توجه إليه شخصيا، ونادرا ما اتخذ موقفا مغايرا للنداءات التي تصله من شريحة معتبرة من الناس، وأصبح في نظر الكثيرين المنقذ.
ونقطة الخلاف التي استدعت من السيسي طمأنة قدامى المستأجرين، هي أن القانون يسمح بإنهاء عقد الإيجار خلال سبع سنوات، ما يعني أن صاحب العقار (المالك الأصلي) من حقه طرد المستأجر وعدم تمديد عقد الإيجار بشكل يرقى إلى الإخلاء القسري، وهي أزمة تراها قوى سياسية مقدمة لمواجهة مجتمعية خطرة.
ويشير عدم تصديق السيسي على القانون إلى وجود دوائر فاعلة داخل النظام ترغب في التعامل مع الملف بخطوات محسوبة والتعاطي مع تداعياته بحكمة والاستماع إلى كل الأطراف قبل أن يوقع الرئيس على القانون، حيث قد تحمل الخطوة ارتدادات مجتمعية سلبية، بينما تواجه الدولة تحديات تستدعي تكريس الاستقرار.
قوى مدنية معارضة تتمسك بقانون الإيجار لتحقيق مكاسب سياسية قبل الانتخابات، لذلك تضغط لمطالبة السيسي برفض المصادقة على القانون وإعادته إلى مجلس النواب
وتدرك دوائر في السلطة أن الدخول في مواجهة مع أكثر من ثلاثة ملايين أسرة ليس بالأمر السهل، فالوضع يرتبط بتهديد السلم المجتمعي، وإذا كانت هناك مهلة سبع سنوات لإخلاء الوحدات من المستأجرين فلن ينسوا للسيسي أنه لم يتدخل لإنقاذهم.
وقال رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي إن الرئيس السيسي لديه موقف واضح من حق السكن، وفي كل المناسبات التي تستدعي منه التدخل تأتي مواقفه إيجابية وقريبة من نبض الشارع، ومن الطبيعي أن تزداد الطموحات عليه في هذه الظروف، وكان مطلوبا من الحكومة تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعدم تثبيت القيمة الإيجارية للسكن.
وأضاف الشهابي في تصريح لـ”العرب” أن تكريس الاستقرار أولوية لكل الأطراف، والرئيس مطلع على المشهد، ولديه من الحكمة ما يكفي للتعامل مع أي مشكلة معقدة بهدوء، لذلك يضع التحديات الجسيمة نصب عينيه ويرفض وجود تداعيات لها حالية ومستقبلية.
وقد يكون جزء من التحرك الهادئ مرتبطا بالتوقيت السياسي نفسه، لأن انتخابات مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية للبرلمان، اقتربت (4 و5 أغسطس المقبل) والخاسر الأكبر من إقرار القانون كبار السن وأصحاب المعاشات والبسطاء، وهؤلاء رقم مهم في المعادلة الانتخابية، ومن الخطأ الدخول في صدام معهم حاليا.
وتتمسك قوى مدنية معارضة باللعب على وتر قانون الإيجار لتحقيق مكاسب سياسية قبل الانتخابات، لذلك تضغط لمطالبة السيسي برفض المصادقة على القانون وإعادته إلى مجلس النواب، ما يمثل إحراجا لأحزاب الموالاة التي وافقت على القانون بأغلبية ساحقة في البرلمان، وسيكون رفضه من الرئيس انتكاسة لها.
وبعيدا عما ستؤول إليه الأزمة، فإن السيسي في موقف صعب بسبب افتقاد الحكومة أحيانا إلى رؤية رشيدة لحل المشكلات وتقريب المسافات بينها وبين الشريحة التي ترفض تصوراتها حتى صارت ترضية الشارع مهمة جسيمة عندما تتجه الأنظار إلى الرئيس كلما أُثيرت مشكلة معقدة لاستيضاح موقفه؛ هل هو في صف الشارع أم في صف الحكومة.