الحكومة المصرية تشتري ود الشارع بتجميد زيادة أسعار الكهرباء

تجميد رفع أسعار الكهرباء هذه المرة يحمل ترضية معنوية للشارع على دعم الدولة في مواجهة مخططات تهدد استقرارها.
الأربعاء 2025/07/30
فاتورة باهظة وضاغطة

القاهرة- جمّدت الحكومة المصرية بعض القرارات المرتبطة بزيادة الأعباء على المواطنين بعدم تحريك الأسعار، في ظل تفاقم الأعباء الاقتصادية، التي صارت تشكل تحديا صعبا، وفضّلت أن تتحمل فاتورة باهظة وضاغطة على موازنة الدولة، كخيار أفضل للسلطة، تجنبا لتوظيف الزيادة من تيارات معادلة تسعى لتأليب المواطنين.

وجمّدت الحكومة زيادة منتظرة في أسعار فواتير الكهرباء للمنازل ورحّلتها إلى نهاية العام الجاري، لمواجهة تحديات خارجية متصاعدة، ترتبط بتطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحريض واسع تقوم به جماعة الإخوان ضد القاهرة.

وكشف مسؤولون حكوميون أن التجميد جاء في سياق عدم فرض أعباء مالية جديدة على مواطنين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة، وجرى الاستقرار على ترحيل الزيادة إلى شهر أكتوبر المقبل، وألمحت وسائل إعلام محلية إلى وجود تصور حكومي يرمي إلى إمكانية أن تستمر الأسعار الحالية دون زيادة، إلى بداية العام المقبل.

وترهق كلفة تأجيل زيادة أسعار الكهرباء موازنة الدولة، وتتحمل الحكومة فروق أسعار الدولار والكهرباء والغاز الطبيعي، لكن دوائر داخل السلطة ترغب في الحفاظ على حالة الاستقرار الراهنة، إلى حين عبور الصعوبات بلا تذمر شعبي.

◄ تجميد زيادة أسعار الكهرباء تم بأوامر رئاسية للحكومة لتفويت الفرصة وعدم توظيف غضب الناس في توقيت دقيق

ولم ترفع القاهرة أسعار الكهرباء منذ نحو عام، والخطة المعدّة تقوم على تجميد أيّ زيادة في أسعار الفواتير حتى انتهاء الموازنة العامة للدولة في يونيو الماضي، على أن تكون الزيادة بدءا من يوليو الجاري من خلال إعادة تقييم السعر، لأن الحكومة تواجه مأزقا يرتبط بتراجع إنتاج الغاز واستيراد كميات من الخارج بالعملة الصعبة.

وجاء تجميد زيادة أسعار الكهرباء بتكليف رئاسي للحكومة، لتفويت الفرصة على خصوم السلطة، وعدم توظيف غضب الناس في توقيت دقيق، فرفع تسعيرة فواتير الكهرباء تتبعه تلقائيا زيادة جماعية في أسعار المنتجات والسلع، وهو ما لا ترغب السلطة في حدوثه، لأنها تبحث عن تكريس الهدوء لأطول فترة ممكنة.

وكان الشارع المصري مهيأ لموجة غلاء جديدة مع بداية السنة المالية الجديدة (أول يوليو)، وهي عادة الحكومة كل عام، فعندما تقوم بزيادة الرواتب للموظفين وأصحاب المعاشات تحدث زيادة في أسعار السلع والخدمات الأساسية لتعويض المخصصات المالية التي أنفقت على المرتبات، ولم تفعل هذا الأمر لاعتبارات مجتمعية.

ويرفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تآكل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بزيادة مظلة الحماية الاجتماعية المرتبطة بالرواتب والمعاشات والمساعدات الموجهة إلى البسطاء، وصار معنيّا أكثر بتكريس الأمان الاجتماعي والاقتصادي وإن تحملت موازنة الدولة فارق الكلفة.

ونشطت الآلة الإعلامية لجماعة الإخوان مؤخرا، في محاولة لإقناع المصريين بأن الحصار المفروض على قطاع غزة سببه نظام السيسي، ووفق روايتهم المزعومة، يغلق معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، ما يعني المشاركة في معاناة سكان القطاع.

وأكد الباحث في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن تأجيل الأعباء يمثل كلفة اقتصادية ضخمة، لكن فوائده السياسية أكبر، وأمام التحديات المتصاعدة من الطبيعي أن تتحمل الحكومة نيابة عن المواطنين، فهناك انتخابات برلمانية في بداية أغسطس ومن المهم دعم الاستقرار، في وقت يحرض فيه الخصوم على الدولة.

كريم العمدة: تأجيل الأعباء يمثل كلفة اقتصادية ضخمة، لكن فوائده السياسية أكبر

وأضاف لـ”العرب” أنه في وقت التحديات تبدو الحاجة ملحة إلى التوافق الشعبي، ما يساعد الحكومة على الصمود ومواجهتها، وينصبّ التركيز على أن تظل الدولة قوية وراسخة وليس بها شبهة استقطاب داخلي، وترحيل الأعباء يُحسب للحكومة ولا يجب التسويق له على أنه خوف، وحالة الالتفاف الحالية يجب أن تستمر دون قرار استفزازي.

وتدخلت دوائر رسمية لتصويب خطة الحكومة بترحيل أيّ زيادة تفرض أعباء جديدة على المواطنين، لأن الظرف الحالي لا يسمح باستفزاز الناس، حيث يشكلون حائط الصد ضد أيّ تهديد يشكل خطرا على الأمن القومي للبلاد، ومن الخطأ أن تتهور الحكومة بتحريك أسعار سلعة أساسية مثل الكهرباء في هذا التوقيت.

ودأب الرئيس المصري على صناعة أمل لدى المواطنين بشتى السبل، وإقناعهم أن معاناتهم من الظروف الاقتصادية محل تقدير، ووجه خطابات عدة للناس وأنهم وقفوا مع الدولة بشكل بطولي وقت التحديات التي تتعرض لها، لذلك يرغب في أن يكافئهم على مواقفهم، ولو أجبر الحكومة على تغيير خطتها الاقتصادية.

واستبعد مراقبون أن يكون التوجه نحو عدم تحريك أسعار الكهرباء مرتبطا بالخوف من تظاهرات تسبب توترات، لأن المصريين طوال برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلق عام 2016، تحملوا أعباء غير مسبوقة، ولم يحتجوا أو يخرجوا للشوارع.

وذهب المراقبون إلى أن تجميد رفع أسعار الكهرباء هذه المرة يحمل ترضية معنوية للشارع على دعم الدولة في مواجهة مخططات تهدد استقرارها، لاسيما ما يتعلق بالتصدي لتهجير سكان غزة إلى سيناء، ولم تكن السلطة تستطيع مواجهة تلك الضغوط دون أن ينُحي الشارع أزماته جانبا ويقف خلفها دعما لموقف قيادتها.

ومع تأزم الموقف على الحدود مع غزة لا ترغب الحكومة في خسارة تجييش الرأي العام خلفها، بعد أن أدركت قيمة تثبيت الاستقرار العام مهما كانت الكلفة المادية مرتفعة، والحاجة إلى الحفاظ على الجبهة الداخلية قوية لن تأتي مجانا أو دون خسائر، ما يستدعي تأجيل أيّ قرار يستفز الناس، وإن لم يتسبب في احتجاجات مباشرة.

ويصعب فصل موقف الحكومة عن محاولة تصدير صورة إيجابية عن قدرات الدولة وتنفيذ تعهداتها مع الناس، لأنها قطعت على نفسها وعدا بأن ما عانت منه مصر الصيف الماضي من أزمة طاحنة بانقطاع الكهرباء، لن يحدث هذا العام مهما تحملت الدولة من أعباء، ونجحت الحكومة حتى الآن في هذا الأمر.

وبدا واضحا أن الصوت العاقل داخل السلطة يتحكم في بعض تصورات الحكومة وعلاقتها بالشارع، وهو ما ظهر في اقتناع تلك الدوائر بأن الرهان المستمر على صبر الناس غير مضمون العواقب، وإن تمسكت الأغلبية بالاستقرار وصمدت خلف السلطة، ومن الخطأ المتاجرة بذلك، والاقتناع بأن الصمت دليل قبول بالأمر الواقع.

1