قلق واستياء بسبب العنف في المدارس التونسية

حوادث العنف التي شهدتها المؤسسات التربوية في تونس تثير استياء كبيرا داخل المجتمع التونسي، وسط دعوات لإطلاق حملات توعوية تحد من الظاهرة.
الاثنين 2025/10/13
من يوقف نزيف العنف؟

تونس- طرح تنامي ممارسات العنف في الأوساط التربوية التونسية، تساؤلات جدية لدى المتابعين، بشأن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء انتشار تلك الظاهرة بعد مضي قرابة شهر على انطلاق الموسم الدراسي الجديد في البلاد.

وفي الوقت الذي حمّلت فيه أوساط تربوية وشعبية مسؤولية انتشار الظاهرة للأسر التونسية، ترى أطراف أخرى أن الشارع بما يحتوي من مؤثرات تكنولوجية ورقمية تتجسد خصوصا في شاشات الهواتف الجوالة، باتت تنقض كل ما تبنيه العائلة من قيم وسلوكات محمودة لدى أبنائها.

 وأثارت حوادث عنف شهدتها مؤسسات تربوية مؤخرا بين الطلاب فيما بينهم وحتى بين الطلاب والمدرسين استياء كبيرا داخل المجتمع التونسي، وسط دعوات لإطلاق حملات توعوية تحد من الظاهرة. ولاحظ المراقبون، استشراء ظاهرة العنف المادي واللفظي في صفوف الطلاب، فوصل الأمر إلى تسجيل خسائر في الأرواح بسبب تهور أطفال قصّر لم يلقوا الرعاية والتأطير اللازمين في الوسطين العائلي والمدرسي.

فريد الشويخي: هناك مدرّس يسمح لأبنائه القيام بتجاوزات ولا يسمح لغيرهم

ويقدر الخبراء عدد حالات العنف في الوسط المدرسي بثلاثة آلاف حالة سنويا.

وقالت فاطمة الحاج أحمد، وهي أستاذة لغة عربية في إحدى المؤسسات التربوية بمحافظة قابس (جنوب)، إن “العنف في الوسط المدرسي من المواضيع الراهنة خصوصا في السنوات الأخيرة، ذلك أن الطالب (التلميذ) اليوم أصبح أمام رهانات كبيرة وأهمها التطور الرقمي والتكنولوجي وكذلك الشارع.”

وأضافت في تصريح لـ”العرب”: “حسب تجربتي المهنية في التدريس منذ أكثر من عشر سنوات، لاحظت أن العنف بين التلاميذ منتشر كثيرا، وكذلك العنف بين التلميذ والأستاذ ماديا ومعنويا،” لافتة أن “أسباب ذلك متعددة وأهمها الوسائل التكنولوجية وما فيها من مشاهد وسلوكيات تدفع المراهق نحو تقليدها والتشبه بتلك الشخصيات، كما أن غالبية الأمهات اليوم أصبحن يشتغلن، وهو ما يترك وقت فراغ كبير لدى الأبناء على حساب المراقبة والمتابعة.”

وتابعت المربية: “الأستاذ اليوم أمام تحد كبير، وشخصيا أتعامل بطريقة فيها الكثير من الوعي والرصانة، وأتحول أحيانا إلى محللة نفسية واجتماعية لتحليل سلوك ما، تجنبا للصدام والمشاكل مع مرتكبيها، أحيانا نصبح أصدقاء مع أبنائنا التلاميذ، وغالبيتهم يشكون من اضطرابات سلوكية ما يخلق لديهم ردود فعل غير واعية.”

وأشارت فاطمة الحاج أحمد إلى أنه “على الأستاذ أن يتروّى، ولا مانع في آخر الحصة أن يطرح مع التلميذ مشكلته والوصول معا إلى حلّ مشترك، فوجدتها طريقة ناجحة، كما أنه لا بدّ من البحث عن حلول مشتركة بين الأسرة والمدرسة.”

ووفق أرقام شبه رسمية يمثل العنف الجسدي والنفسي نسبة 55 في المئة، ويساهم الإطار التربوي والإداري بنسبة 27 في المئة و18 في المئة في ذلك.

وساهم غياب الوعي بأهمية القانون في تفاقم ظاهرة العنف. 

وأفاد فريد الشويخي المتخصص في علم النفس التربوي، أن “هناك عدة عوامل مساهمة في إنتاج العنف بالأوساط التربوية، على غرار وسائل التواصل الاجتماعي، والمحيط الذي يعيش فيه التلميذ أو المراهق أسريا وتربويا.”

فاطمة الحاج أحمد: أحيانا أتحول إلى محللة نفسية لتحليل سلوك ما في القسم

وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “المدرّس هو ولي في نهاية المطاف، وطرق التعامل تختلف، فهناك مدرّس يسمح لأبنائه القيام بتجاوزات ولا يسمح لأبناء الناس بذلك.”

وتابع فريد الشويخي: “هناك صراع في التصرفات والسلوك، بين الوسط العائلي والوسط المدرسي، بمعنى الأولياء مقابل المربين والطفل أو التلميذ يصبح يعيش في وضعيتين متناقضتين، لأن سلوك المعلّم متناقض مع سلوك الولي، وبالتالي علاقة أفقية في المنزل وعلاقة عمودية في الوسط التربوي.”

ولفت الشويخي إلى أن “تأثير الأسرة أكبر من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الولي يشحن التلميذ أحيانا ضد المعلم والطفل أيضا يمتحن مدى عطف أبويه تجاهه بافتعال العنف ضد المربي.”

وباتت شكاوى ضحايا الطلاّب، سواء تعلق الأمر بطلاب آخرين أو بمنتمين إلى الإطار التربوي، لدى السلطات الأمنية أو لدى إدارات المدارس، أمرا مألوفا بسبب تنامي العنف بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما تؤكده الأرقام المفزعة الصادرة عن جهات رسمية.

 ويشير الخبراء إلى أن تنامي حالات العنف في الوسط المدرسي يدل على أن هناك خللا ما يعيشه المجتمع التونسي أنتج هذه الظاهرة الغريبة عن عادات وتقاليد هذا المجتمع المنفتح على محيطه.

كما ربط البعض تنامي تلك الممارسات، بغياب الحوار داخل الأسرة، وسط عدم استيعاب للتحولات التي يعيشها الأبناء على مستوى القيم والمفاهيم.

وقال عامر الجريدي كاتب المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن “ظاهرة العنف مركّبة في أسبابها كما في تمظهراتها، فالعنف معنوي ومادّي، تربوي وإعلامي وسياسي وديني، لفظي وبدني وسيبراني في العصر التكنولوجي الذي يقود البشرية نحو ‘الإنسان الرّقمي’، وهو يحدث في كلّ الفضاءات الاجتماعية من الأسرة إلى الملاعب إلى الفضاءات العامّة إلى المدارس.”

وأوضح لـ”العرب”، إن “المدرسة ليست لوحدها مصدر العنف، بل سلوكات الكهول والقدْوات (من سياسيين ونجوم أفلام وإعلاميين ومُربّين بمن فيهم بعض المدرّسين، فالعنف في الأسرة تأثيره على الأطفال كما في الملاعب وفضاءات الإعلام والسّياسة، بالإضافة إلى ما أصبحت تشكو منه المدارس من ضعف تأثير البرامج المستهدفة لبناء المواطنة (أخلاق، تربية مدنية…) وتنامي ظاهرة الإضراب وتواترها.”

عامر الجريدي: الحلّ يكمن في إصلاح تعليمي متكامل تترجمه المدرسة

ولفت الجريدي إلى أن “إضراب المدرّس ممارسة عنيفة غير مباشرة تترك في نفوس المتعلّمين الشعور بالحرمان والكبت الذي يولد سلوكات عنيفة، ويبقى المدرّس المسؤول والإعلامي المسؤول والسياسي المسؤول أصل الحلول حتّى تكون الأسرة مسؤولة.”

واعتبر الجريدي أن “الحلّ للحدّ من منسوب العنف هو في المدرسة ذاتها، لكن عبر إصلاح سياسي تعليمي متكامل تترجمه المدرسة إلى عمليات تعليمية وتربوية ناجزة، كما يبقى دور المعلّم المحدّد الأوّل في عكس نزعة العنف إلى مَلكة بناء وسِلم باعتباره المنفّذ للسياسات والبرامج والمناهج التعليمية.”

ويبدو أن مؤشرات العنف المدرسي ليست بمنأى عن المنحى التصاعدي لمظاهر العنف بشكل عام في المجتمع التونسي.

وفي وقت سابق صرّح 71 في المئة من الشباب المتسربين بأنهم لم يعودوا يشعرون بالراحة في البيئة المدرسية، بينما تعرّض 80 في المئة منهم للعنف الجسدي أو اللفظي.

ويعاني الشباب من التهميش، مما يولد شعوراً قوياً بالظلم والغضب، إلى جانب التعرض للعنف الأسري والاضطرابات النمائية والسلوكية. 

 كما أكد منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنّ الشارع لا يزال يمثّل الفضاء الأبرز لتواتر حدوث حالات الاعتداء و”السطو المسلّح” والتي أدت في العديد من الحالات إلى القتل، يليه في ذلك المسكن، فالمؤسسات التربوية، ويأتي بعدها الفضاء الافتراضي ثم وسائل النقل فالسجون والإدارات. 

وتعود أسباب تواتر أحداث العنف، وفق تقرير المنتدى، إلى “انتشار نوع من مشاعر عدم الرضا ورغبة في الاعتداء والاعتداء الجنسي والانتقام والترهيب والسرقة وشمل الاعتداء الفضاء الافتراضي الرقمي والفضاء الرسمي على حد السواء.” 

10