الدروس الخصوصية في تونس: آلية لتحسين معارف الطلاب أم وسيلة للكسب المادّي

تزايد الدعوات المنادية بضرورة إصلاح قطاع التعليم الحيوي في تونس.
الخميس 2025/10/16
المدرسة لم تعد كافية لتحصيل المعارف

تونس - طرحت ظاهرة الدروس الخصوصية مرة أخرى وبعد مضي شهر على انطلاق السنة الدراسية الجديدة في تونس، تساؤلات لدى المتابعين بشأن أهميتها ونجاعتها من حيث التحصيل العلمي والأكاديمي للطلاب من جهة، ومدى تحوّلها إلى آلية تحمل في ظاهرها بعدا تعليميا وفي باطنها طريقة لتحقيق الكسب المادي.

ويقول خبراء وأكاديميون إن واقع المدرسة العمومية اليوم، وفي ظلّ التطورات التقنية والاجتماعية وأيضا الثقافية، أصبح غير قادر على مجاراة العصر الحالي للطلاّب، وأصبح الاقتصار على تقديم دروس في القسم غير كاف للاستفادة والتحصيل المعرفي للطلاب.

ولئن انتصر البعض إلى إعلاء قيمة الجانب التعليمي والمعرفي للدروس الخصوصية، بهدف تحسين مستويات الطلاب، فإن البعض الآخر ارتأى أن تواضع رواتب المدرّسين مقابل غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية وتزايد الطلبات والنفقات، أسباب من شأنها أن تدفع بعض المدرّسين إلى الالتجاء إلى الدروس الخصوصية لمجاراة نسق العيش أسريا واجتماعيا.

لبنى الغيلوفي : من الصعب إيصال المعلومة لـ34 طالبا في قسم واحد
لبنى الغيلوفي: من الصعب إيصال المعلومة لـ34 طالبا في قسم واحد

وبات المدرسون، وغير المدرسين، ينشرون إعلانات في الأماكن العامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما تنامت أعداد من يقدمون الدروس على حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الافتراضية التي أصبحت تمثل مدارس افتراضية تتفوق على المدارس الحكومية بمعيار النتائج في المناظرات الوطنية.

وقالت لبنى الغيلوفي، وهي أستاذة لغة عربية بإحدى المؤسسات التربوية بمحافظة قابس (جنوب)، ” الهدف الأول يتمثل في التحصيل العلمي، وأسعى كأمّ قبل أن أكون مربية إلى تدريس أبنائي دروسا خصوصية، لأن الظروف في المدرسة العمومية أصبحت صعبة اليوم.”

وأوضحت في تصريح لـ”العرب “أدرّس قسما فيه 34 طالبا، ومن الصعب إيصال المعلومة كما ينبغي مهما كانت قدراتي الذاتية، والأمر يختلف تماما عن قسم به 18 أو 20 طالبا.”

وتابعت الغيلوفي “العملية من ناحية التحصيل العلمي جيّدة لكن للأسف هنالك من اعتمدها كوسيلة للاستثراء،” لافتة “لم أدرس ولو ساعة واحدة من الدروس الخصوصية.”

وأشارت إلى أن “الظروف السيئة للمربي في تونس مع راتب لا يفي بالحاجة بالمقارنة مع مستلزمات الحياة اليومية والنفقات، لم يعد يكفي للعيش الكريم، فيلتجئ البعض إلى تقديم دروس خصوصية خارج أوقات العمل،” مؤكدة أن “طالب سنة أولى أو ثانية ابتدائيا، لا أعتقد أنه في حاجة إلى دروس خصوصية، وعموما الطالب المنتبه في القسم والمنضبط يتمكن من تحصيل المعلومة.”

واستطردت بالقول “هناك العديد من الأولياء يسعون لتدريس أبنائهم دروسا خصوصية اعتقادا منهم أن هذا يضمن نجاحهم، خصوصا عندما يدرسون عند معلميهم، وهو ما يصبح بمثابة حق مكتسب.”

محمد الناكوع: الدروس الخصوصية في السنتين الأولى والثانية مظلمة في حق الطفل
محمد الناكوع: الدروس الخصوصية في السنتين الأولى والثانية مظلمة في حق الطفل

ويتراوح متوسط أسعار الدروس الخاصة بكل مادة من 100 دينار (حوالي 30 دولارا) إلى 200 دينار شهريا، ما يشكل عبئا على العائلات التي لديها العديد من الأطفال.

وبات التلميذ الحلقة الأضعف، بين وليّ يحرص على تعليم يضمن لطفله المستقبل الأمثل، وأستاذ يريد تحسين وضعه المالي للمحافظة على مكانته في الطبقة الوسطى، ووزارة لم تعتمد حلّا جذريّا يقطع مع هذه الظاهرة نهائيا، فضلا عن أن مستوى التعليم يشهد تراجعا من سنة إلى أخرى.

وأفاد الدكتور في علم الاجتماع محمد الناكوع “لا بدّ أن نعي جيّد أن هناك إشكالية على مستوى ما تقدمه المدرسة العمومية من تحصيل معرفي وأكاديمي.”

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “الدروس الخصوصية في السنتين الأولى والثانية هي مظلمة في حق الطفل، والولي يتجنّى على ابنه، وإذا لم يتعلم أبجديات القراءة والكتابة في السنة الأولى، فماذا تصنع المدرسة”؟ لافتا إلى أنه “ألقيت المهام على السنة التحضيرية (سنة تسبق السنة أولى ابتدائيا في التعليم)، لكن متى سيلعب الطفل إذا كان مجبرا على التعليم في السنة الأولى.”

وأكد الناكوع أن “الطفل يتعلّم إذا اكتمل نضجه، والدروس الخصوصية يطلبها البعض للتميّز والبعض يطلبها لتلبية حاجة المدرسة ومجاراة نسقها.”

ووفق أرقام رسمية يغادر ما بين 60 و100 ألف تلميذ سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون نهائيا عن التعليم في مراحل مبكرة.

وتتزايد الدعوات المنادية بضرورة إصلاح قطاع التعليم الحيوي في تونس، وسط تأكيد على كونه يتطلب شراكة واسعة بين مختلف المكونات المتداخلة، على غرار وزارة التربية والخبراء والبرلمان والنقابات، إلى جانب وضع آليات وبرامج مدروسة وواضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.