فوارق متنامية بين المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة في تونس
تونس- باتت الفوارق تتسع بين جودة الخدمات المقدمة في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة في تونس خلال السنوات الأخيرة، وسط تساؤلات المراقبين بشأن طبيعة الأسباب المؤدية إلى ذلك.
ويقول مراقبون إن المؤسسات الاستشفائية العمومية كانت تقدم خدمات محترمة للمرضى تتجسّد في العناية الجيّدة وتقديم وصفات علاجية مع مستوى تواصل محترم من قبل موظفي الصحة تجاه المرضى وذويهم.
وتراكمت نقائص المستشفيات العمومية، ومنها الجامعية، ما جعل بعض المرضى يواجَهون برفض تقديم الخدمات الصحية لهم بدعوى أن بعض الاختصاصات مفقودة في هذه المستشفيات أو أن تجهيزاتها معطلة وهو ما يجعلهم يقصدون أكثر من مستشفى لإيجاد العلاج المناسب ومنهم من يختصر الطريق ويتجه إلى القطاع الخاص إن كانت ظروفه المادية تسمح بذلك، فالعلاج في مستشفياتنا أصبح يتم بمشقة كبيرة.
◄ عدد المصحات الخاصة ارتفع بين 2014 و2021 من 90 مصحة خاصة إلى 109 مصحات
وفي تونس تكمن الفوارق الأساسية بين المصحات والمستشفيات في أن المستشفيات (خاصة العمومية منها) تركز على توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية والطارئة مجانًا أو بأسعار مدعومة، بينما المصحات الخاصة تقدم خدمات ذات جودة عالية ومستوى رفاهية أكبر، لكن مقابل تكلفة مالية مرتفعة، لأنها مؤسسات ربحية بالأساس.
وأفاد الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنّادي بأن “أجور الموظّفين والأطباء تختلف بين القطاع الصحي الخاص والقطاع الصحي العام، حيث يتراوح أجر الطبيب في المستشفيات العمومية بين 1200 دينار و 2000 دينار (680 دولارا)، في حين يتجاوز في المصحات الخاصة 5 آلاف دينار (1701 دولار) حسب العقد المبرم مع المصحّة.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الإمكانيات تختلف بين القطاعين، فضلا عن التفاوت في مستوى التجهيزات والمقرات وتسيير المؤسسات الصحية، إلى جانب الاكتظاظ في المستشفيات دون المصحات الخاصة، وهو يعود بالأساس إلى نقص عدد المستشفيات بالجهات الداخلية، وهذه مشكلة نعاني منها منذ 50 سنة.”
وتابع الجنادي “الكثافة السكانية تزداد في الجهات، والمستشفى العمومي ليس له من الإمكانيات ما يكفي لاستيعاب المرضى إلا في حالات الطوارئ تقريبا.”
ويستأثر واقع الصحّة العموميّة في تونس بمحور النقاشات عند كلّ كارثة أو فاجعة، لكنّه سرعان ما يعود إلى درج التجاهل والتهميش.
وعلى الرغم من تطوّر ميزانيّة وزارة الصحّة خلال السنوات الأخيرة بنسبة 30 في المئة، إلاّ أنّ هذا المؤشّر لا يعكس الوضع الحقيقيّ في هذا القطاع الحيويّ.
فخلال السنوات العشر الأخيرة، وعلى الرغم من زيادة عدد السكّان بمليون شخص تقريبا، لم تتطور المرافق الصحيّة العموميّة بما يتناسب مع هذا النموّ الديمغرافيّ، بحسب الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء.
محمد صالح الجنادي: هناك اختلاف في الإمكانيات وتفاوت في التجهيزات
وتضم تونس العديد من المستشفيات العمومية، منها المستشفيات الجامعية مثل مستشفى الحبيب بوقطفة في بنزرت (شمال)، والمستشفيات الجهوية والمحلية، بالإضافة إلى مستشفيات متخصصة مثل المعهد الوطني المنجي بن حميدة لأمراض الأعصاب والمستشفى العسكري.
وتختلف المستشفيات من حيث الحجم والتخصص والموقع، حيث توجد مستشفيات في العاصمة ومدن أخرى في جميع أنحاء البلاد.
في المقابل تفتقر ولايات (محافظات) الجنوب، على غرار أغلب الجهات الداخلية، إلى منظومة صحية ترتقي إلى تطلعات المواطنين، عبر مؤسسات استشفائية وصحية تقدم خدمات معتبرة. ويتكون إقليم الجنوب التونسي من ستّ ولايات، وهي قابس وقفصة وتوزر وقبلي ومدنين وتطاوين.
وأمام تعاظم خطر ما بات يُعرف بنزيف المهارات والعقول، عمدت الحكومات في إطار خطّتها لتقليص كتلة الأجور وتخفيف العجز في ميزانيات الدولة إلى غلق باب الانتداب في الوظيفة العموميّة في مختلف القطاعات تقريبا عدا وزارتي الدفاع والداخليّة منذ سنة 2016.
قرارٌ دفع الأطباء الشبّان إلى إدارة ظهورهم للقطاع العام والبحث عن استكمال مستقبلهم المهنيّ خارج المنظومة الصحّة العموميّة، لتكون النتيجة بعد أربع سنوات تسجيل موجات هجرة سنويّة للأطباء الشبّان وطلبة كليّات الطبّ بلغت 600 شخص سنة 2018 وسط توقّعات بأن يصل الرقم إلى 2700 مع حلول سنة 2022 بحسب تأكيدات يوسف المقني، رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء في العديد من وسائل الإعلام. أمّا من لم يسعهم تجاوز الحدود، فقد استقطبتهم المصحّات الخاصّة التّي تشغّل 55 في المئة من إجماليّ الأطباء بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء سنة 2021.
في المقابل عرف القطاع الخاص انتعاشة كبرى في مواجهة السياسات العمومية في القطاع الصحي، حيث ارتفع عدد المصحات الخاصة بين 2014 و2021 من 90 مصحة خاصة إلى 109 مصحات، بينما ارتفع عدد العيادات الخاصة خلال نفس الفترة من 7283 إلى 8760 عيادة.
وتتركز 78 من المنشآت الطبية في تونس العاصمة والشريط الساحلي للبلاد. أمّا في ما تبقّى من مراكز الصحّة الأساسيّة البالغ عددها 2060 مركزا والتّي تهدف إلى توفير التغطية الصحيّة في المناطق الريفيّة، فلا تبدو الأمور أفضل حالا.
وكشف التقرير النهائي حول الحالة الراهنة لمراكز الصحّة الأساسيّة الذي أعدّته جمعيّة مراقبون سنة 2017 بالتعاون مع المعهد الوطني الديمقراطي الأميركي أنّ 41 في المئة من البنايات في حالة سيئة أو سيئة جدا وأنّ 47 في المئة من هذه المنشآت موصولة بطرقات سيئة في حين تنعدم وسائل الاتصال القارة في 39 في المئة منها، بينما تمّ تركيز 53 في المئة مركزا صحيّا في بيئة غير آمنة وملوّثة، كما أن ثلث مراكز الصحّة الأساسيّة لا تتوفّر بها ثلاّجات لحفظ الأدوية، في حين تقدّم 18 في المئة منها فقط خدماتها الطبيّة للمواطنين على مدار الأسبوع.
وسبق أن كشف تقرير لمنظمة أوكسفام أن تونس من بين البلدان الأقل إنفاقا في مجال الصحة، ما يضع السلطات التونسية أمام ضرورة تسريع إصلاح القطاع ووضع إستراتيجيات واضحة المعالم والأهداف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشيرا إلى أن تونس غير قادرة على مجابهة صدمة بحجم صدمة كورونا.