تونس تكافح لإعادة ضبط بوصلة أسواق الدواجن

تداعيات تغير المناخ أرخت بظلالها على سلسلة إنتاج الدواجن في تونس، والتي تحاول البحث عن بوصلة للإفلات من أزمة قد تمتد لأشهر.
الخميس 2025/09/25
مهمة إطعام 12 مليون إنسان ليست سهلة

تونس- استأنفت وزارة التجارة التونسية تنفيذ برنامج خاص لضبط نشاط أسواق الدواجن، من خلال التوزيع المباشر للكميات بأسعار تفاضلية تستهدف المناطق الشعبية والأكثر حاجة، في إطار جهود الدولة الرامية إلى تحسين القدرة الشرائية للمستهلكين.

وتأتي الخطوة وسط ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء ومحاولات الزيادة المفتعلة فيها من قبل المضاربين، بهدف الإسهام في تعزيز العرض ومواكبة الطلب واستقرار السوق، وسط تجاوب شعبي واسع وإقبال لافت على نقاط التوزيع والمحلات التجارية.

وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية الخميس، تم استئناف البرنامج منذ نهاية الأسبوع الماضي بولايات (محافظات) إقليم تونس الكبرى التي تتضمن تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس، قبل أن يتم تعميمه بداية من هذا الأسبوع على 13 ولاية أخرى.

18طنا ستوزع هذا الأسبوع تحت رقابة تنسيقية المصالح المركزية والجهوية التابعة لوزارات التجارة والفلاحة والداخلية

وتزامن ذلك في وقت تتعالى فيه المخاوف من تفاقم موجات الغلاء مرة أخرى وارتفاع أسعار المواد الأساسية، لاسيما في ظل تسجيل زيادات عشوائية في الأسعار من قبل بعض الوسطاء والمضاربين.

وتتمثل أبرز إجراءات البرنامج الذي تشرف عليه تنسيقية المصالح المركزية والجهوية التابعة لوزارات التجارة والفلاحة والداخلية التوزيع المباشر بسعر تفضيلي لا يتجاوز 8 دنانير (2.65 دولار) للدجاجة الواحدة، التي يتجاوز معدل وزنها 1.1 كيلوغرام.

ويعتبر هذا تخفيضا ملحوظا مقارنة بالأسعار المتداولة في الأسواق والتي تجاوزت في بعض المناطق حوالي 10 دنانير (3.31 دولار) للدجاجة الواحدة.

ولاحظت “العرب” إقبالا واسعا من قبل المستهلكين، الذين عبّروا عن ارتياحهم لهذه المبادرة، خاصة في ظل التقلّب المستمر في أسعار اللحوم البيضاء، وهو ما يعكس تعطش السوق إلى مبادرات تدخلية تضمن التوازن بين العرض والطلب.

كما لوحظ تجاوب إيجابي من قبل المهنيين والمزودين المنخرطين في البرنامج، خاصة في ظل التزام الدولة بشراء الكميات بأسعار تغطي كلفة الإنتاج وتحقق هامش ربح معقول.

ويستهدف البرنامج خلال الأسبوع الجاري توزيع كمية إجمالية تفوق 18 طنا من لحوم الدواجن، مع تركيز عمليات التوزيع في المناطق الشعبية والمناطق ذات الأولوية اجتماعيا.

وسيتم ذلك بالتعاون مع السلط الجهوية والمحلية والأمنية، لضمان حسن سير العمليات ومنع أي تجاوزات أو استغلال للوضع من قبل المضاربين.

◄ منتجو القطاع يواجهون صعوبات مالية، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الائتمان والإعانات، في ظل ظروف التشديد النقدي في أسعار الفائدة والبالغ 8 في المئة
منتجو القطاع يواجهون صعوبات مالية، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الائتمان والإعانات، في ظل ظروف التشديد النقدي في أسعار الفائدة والبالغ 8 في المئة

ويُنتظر أن يشهد البرنامج الأسابيع القادمة وتيرة تصاعدية من حيث الكميات الموزعة وعدد النقاط المستهدفة، إلى جانب توسيع قائمة المزودين المنخرطين فيه، بما يضمن وفرة العرض واستقرار الأسعار.

ويضم القطاع 1650 مربيا مختصا في إنتاج دجاج التبييض، ونحو 2600 مرب يعمل في مجال إنتاج لحوم الدجاج، وهو يوفر أكثر من 130 ألف فرصة عمل على امتداد حلقات الإنتاج، لكن البعض يعتقد أنه يضم أكثر من ذلك.

ويشكل مجال الدجاج اللاحم في تونس حلقة وصل أساسية في الصناعة الغذائية. وفي العامين الماضيين، بلغ متوسط الإنتاج السنوي حوالي 150 ألف طن، مع تسجيل زيادة في الطلب نتيجة التحول في سلوك المستهلكين بسبب الضغوط المعيشية.

ويتمتع القطاع بالقدرة على المساهمة بشكل كبير في الاقتصاد الذي يحاول الخروج من أزماته في ظل جهود مكثفة من الحكومة على كافة الواجهات، حيث يمثل نحو 15 في المئة من الإنتاج الزراعي. ومع ذلك، ثمة العديد من التحديات الرئيسية التي تعيق تطوره.

وأرخت مشاكل التكاليف الباهظة وتداعيات تغير المناخ بظلالها على سلسلة إنتاج الدواجن في تونس، والتي تحاول البحث عن بوصلة للإفلات من أزمة قد تمتد لأشهر رغم أن ثمة بوادر لتعديل السوق المحلية بكميات من المنتجات.

وتظهر التقييمات الرسمية أن التجربة السابقة لهذا البرنامج حققت نتائج مهمة، فقد ساهمت في كسر الأسعار المرتفعة خلال فترات الذروة، كما أثبتت كفاءة المقاربة التشاركية التي اعتمدتها الدولة في إدارة حلقات التوزيع.

وتراهن السلطات هذه المرة على الحفاظ على نفس النسق من الانضباط والتنسيق، وتطوير آليات الرقابة والمتابعة الميدانية، بما يضمن شفافية التوزيع وتوجيه الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين.

والبرنامج هو أحد محاور التدخل الظرفي التي تعتمدها الحكومة في مواجهة غلاء الأسعار، إلى جانب دعم الإنتاج المحلي، وتشجيع التزويد المباشر، والحد من الوسطاء، وهو ما قد يمهّد لتجارب مماثلة في قطاعات استهلاكية أخرى تعرف اضطرابات دورية في الأسعار.

◄ البرنامج الخاص لضبط نشاط أسواق الدواجن سيشمل في مرحلة ثانية 13 ولاية بعد ولايات إقليم تونس الكبرى الأربع

ويرى خبراء أن هذه الإجراءات رغم محدوديتها الزمنية، تُشكّل استجابة ملموسة ومباشرة للانشغالات اليومية لمعظم التونسيين، لكنها تظل في حاجة إلى حلول هيكلية على المدى المتوسط والبعيد.

ويشددون أيضا على أهمية ضمان استقرار الأسعار بصفة دائمة، وتحقيق الأمن الغذائي في مواجهة تحديات السوق العالمية، وضغوط التوريد وتقلبات الإنتاج المحلي.

وفعليا، يواجه منتجو القطاع صعوبات مالية، بما في ذلك محدودية الوصول إلى الائتمان والإعانات، في ظل ظروف التشديد النقدي في أسعار الفائدة والبالغ 8 في المئة، نتيجة الصدمات الخارجية وقبل أزمة الوباء.

وتظهر بعض التقديرات أن ما يقرب من 40 في المئة من المربين لا يحصلون على التمويل الكافي، مما يمنع العديد من المنتجين من الاستثمار في التقنيات الحديثة وتحسين ممارسات التربية الخاصة بهم.

كما تشكل الخدمات اللوجستية والنقل تحديا آخر، حيث تؤدي البنية التحتية غير الفعالة للنقل والتكاليف المرتفعة إلى تعقيد عملية توزيع منتجات الدواجن.

وتشكل تكاليف النقل في المتوسط قرابة 15 في المئة من إجمالي تكاليف الإنتاج، وهو ما قلل من القدرة التنافسية للمنتجات التونسية في السوق المحلية.