هل فعلًا المطلوب من حزب الله تسليم سلاحه
قال وزير المهجرين في حكومة نواف سلام كمال شحادة إنه “لا تراجع بشأن قرار الدولة لحصر السلاح،” معتبرًا أن “ترسانة حزب الله لم تحم لبنان، بل دمرته.”
وفي تصريح له عبر إحدى القنوات العربية مساء الأربعاء 23 يوليو الجاري قال شحادة “إن حماية لبنان تأتي عبر الدبلوماسية،” وأضاف “حزب الله تعنّت بشأن سلاحه، وهذا لم يأخذنا إلى نتيجة، ومع ذلك لا يزال هناك مجال للدبلوماسية.”
ما قاله شحادة يشكّل اليوم الحالة “الجدلية” في الأوساط السياسية والشعبية على الساحة اللبنانية، الأمر الذي رفع من منسوب الحديث عن حرب أهلية وشيكة. هذا ما دفع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، انطلاقًا من حرصه على هذا البلد، كما عبّر، لاستبدال، مورغان أورتاغوس الموفدة الأميركية إلى لبنان، ذات الدبلوماسية الخشنة ومواقفها الحادة تجاه حزب الله، إلى تعيين سفيره لدى تركيا توماس باراك، صاحب الوجه البشوش واللبناني الأصيل، والدبلوماسية الناعمة، علّ في ذلك يعزز اللغة الدبلوماسية على لغة الحرب، لكن السؤال هل المطلوب أميركيًا سحب السلاح وحصره بيد الدولة؟
رغم حرص إسرائيل على تأمين أمنها القومي لكن ربما أمنها يعزز ببقاء السلاح لإقامة الدويلات الطائفية من درزية وكردية إلى شيعية وغيرها
في شكل زيارات الموفد الأميركي نعم، ولكن في مضمون ما يحدث من تطورات إقليمية والحديث عن رسم الشرق الأوسط الجديد ضمن المشروع الأميركي يبدو أن الدعوة مشكوك في أمرها. فرغم حرص إسرائيل على تأمين أمنها القومي كما قال وزير دفاعها يسرائيل كاتس بعد تدخل جيشه في سوريا، لكن ربما أمنها القومي يعزز ببقاء السلاح لإقامة الدويلات الطائفية من درزية وكردية إلى شيعية وغيرها.
وفي الوقت الذي يفعّل فيه رئيس البلاد جوزيف عون حضور لبنان عربيًا ودوليًا، بعد العزلة التي رافقت العهد السابق زمن ميشال عون، لحماية لبنان وتعزيز وجوده بين أشقائه عبر تفعيل الدبلوماسية التي تحدث عنها شحادة، ترتفع أصوات قيادية في الحزب تهدد كل يد ستمتد إلى سلاح الحزب وتؤكد أن وظيفة هذا السلاح لم تنته بعد.
“التشاؤل”، هو المصطلح الذي يمكن أن نصف فيه حالة الواقع الحالي في لبنان، بعد زيارة الموفد الأميركي توماس باراك ولقائه المسؤولين. خليط من التفاؤل والتشاؤم يواكب الزيارة الثالثة للموفد الأميركي إلى بيروت، فما قاله الاثنين 21 يوليو الجاري، في السراي الحكومي دفع إلى التشاؤم. لكنّ سرعان ما تبدد جزئيًا هذا التشاؤم إلى شيء من التفاؤل من خلال الموقف المقتضب جدًا الذي أعلنه باراك بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي سرّبت المصادر عن اللقاء أنه كان إيجابيًا.
أعاد تصريح الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، المباحثات بشأن السلاح إلى نقطة الصفر، لا بل وضع الحزب تسليم سلاحه في دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها دبلوماسيًا، حيث تمكّن من ربط المراحل الزمنية لتسليم سلاحه بمراحل انسحاب العدو الإسرائيلي من التلال الخمسة التي احتلها في الحرب الثالثة على لبنان. ولعب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط دورا في تعقيد مشهد تسليم السلاح، بتصريحاته التي يؤكد فيها هوية مزارع شبعا على أنها ليست لبنانية، في حين يعتبر الحزب أنها لبنانية الهوية، لا بل يضعها من ضمن شروط الانسحاب الإسرائيلي لتسليم السلاح.
من سيأتي قبلا “تسليم السلاح أم الانسحاب الإسرائيلي” هذه المعضلة التي لم يتوصل الوسيط الأميركي باراك إلى حلّها، ولن يتوصل على ما يبدو. فمشروع إسرائيل التوسعي واضح ولا نقاش فيه، وما يحصل في سوريا دليل على ذلك، من خلال تدخلها في معارك لا دخل لها فيها، سوى أنها تراها جيّدة لبناء ممر داوود، أو على الأقل لإقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري. وما قاله المندوب الإسرائيلي، داني دانون، في الأمم المتحدة، بأن إسرائيل لن تسمح للحزب بإعادة بناء هياكل الإرهاب على حدودنا، دلالة على أن المشروع الإسرائيلي مستمر في إعادة ترسيم الشرق الأوسط كما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
"التشاؤل"، هو المصطلح الذي يمكن أن نصف فيه حالة الواقع الحالي في لبنان، بعد زيارة الموفد الأميركي توم باراك ولقائه المسؤولين
تأكيد الدولة اللبنانية والمؤسسة العسكرية على أن تنفيذ بند قرار الأمم المتحدة رقم 1701 بنشر الجيش وتفكيك البنية العسكرية للحزب قد تمّ تطبيق أكثر من 90 في المئة منه، لكنه لم يقنع تل أبيب. وما الاستمرار بتنفيذ الضربات في العمق اللبناني إلا دلالة على أن النيّة تتخطى حدود القرار، لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه، أي نوع من الأسلحة مطلوب تسليمها؟
في موضوع سلاح الحزب، واضحة تصريحات كافة المسؤولين ، وحتى قاعدته الشعبية التسليم بعدم تسليم السلاح، وإن الأحداث في سوريا من الساحل إلى السويداء، رسّخت قناعة لديهم بأنّ السلاح يجب ألاّ يسلّم. لا بل بدأ بعض الإعلام القريب منهم يسرّب معلومات عن حضور داعش، وأن سوريا تجيّش على حدودها مع لبنان الآلاف من المقاتلين استعدادا لاقتحام البلد. لن ندخل في مدى صحة المعلومات، ولكنّ هذا إن دلّ على شيء فعلى أن الحزب لن يقدم على تسليم السلاح، حتى لو انسحبت إسرائيل، لأنه يربطه بحامية وجوده، ودائمًا هناك عناوين تطرح تخدم فكرة التهديد الوجودي لتبرير السلاح.
وفي قراءة مختلفة، يخرج علينا كثر من المحللين الذي يعتبرون أن مشروع نتنياهو بناء شرق أوسط جديد، يهدف إلى تقسيم الحدود الدولية القائمة وتحويلها إلى كيانات طائفية ومذهبية. فإن صحّ هذا المشروع، فلما إذًا تريد تسليم حزب الله سلاحه، في حين تدعم بالسلاح طوائف تطالب بالانفصال في سوريا؟ هذا ما يتوقف الكشف عنه عند الموفد الأميركي، إن كان فعلًا يطالب بتسليم كل السلاح، أم فقط ذلك الذي يهدد الأمن الإسرائيلي؟
انطلاقًا من هذا، رغم ذهاب الكثير في التوقعات إلى نشوب حرب جديدة بين إسرائيل وحزب الله، لكنّ الوقائع تؤكد أنها مستبعدة، وأن مشروع التقسيم الأميركي يتطلب إبقاء السلاح للحزب، خاصة بعد أن خرج علينا الوزير وئام وهاب ليعلن عن تشكيل حزب مسلح لدعم أهله في السويداء، في دلالة على عمق التقسيم الداخلي في لبنان.
إن السعي التركي والخليجي للمحافظة على وحدة سوريا هو الوقوف الحقيقي في وجه المشروع التقسيمي، لهذا يجد البعض أن قضية السلاح قد تخدم الفكر التقسيمي، وأن العودة إلى بناء لبنان القوي بعمقه العربي ودبلوماسيته الدولية هي من تحميه من الاضمحلال، وليس بسلاحه كما ذكر الوزير بل بدبلوماسيته.