ما بعد قمة الدوحة ليس كما قبلها، فهل يتعظ نتنياهو؟

الدرس الأهم من قمة الدوحة أن الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تتحرك بلا رادع قد ولى. العالم تغير، والعرب، ولو مؤقتا، اجتمعوا على كلمة سواء.
الخميس 2025/09/18
قمة تعيد ترتيب الأوراق

لم تكن قمة الدوحة العربية – الإسلامية الطارئة مجرّد اجتماع بروتوكولي ينتهي ببيان تقليدي سرعان ما يُطوى في أدراج العواصم. ما شهدناه في العاصمة القطرية في 15 سبتمبر كان أشبه بانتفاضة سياسية جامعة ضدّ المغامرة الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مقرّات لحركة حماس داخل دولة تستضيف جهود الوساطة.

فالبيان الختامي، الذي أدان الاعتداء الإسرائيلي ووصفه بأنّه ضربة لمكان محايد للوساطة، لم يكن مجرد إدانة لفظية. هو إعلان تضامن مطلق مع قطر، وتأكيد على المضي في جهود الوساطة، ورفض صريح لمحاولة تل أبيب تعطيل أي مسار تفاوضي عبر اغتيال ممثلي حماس.

بكلمة أخرى: الضربة التي أرادها بنيامين نتنياهو خطوة لكسر الوساطات تحوّلت إلى شرارة جمعت العرب والمسلمين، بل وحتى حلفاء إسرائيل الغربيين، على موقف واحد.
المفاجأة الأكبر لم تكن في مواقف العواصم العربية، بل في لهجة الولايات المتحدة. الرئيس دونالد ترامب وصف قطر بـ”الحليف الرائع والإستراتيجي”، محذرا إسرائيل من الاستهتار بالتحالفات.

◄ إسرائيل اليوم ليست فقط في مواجهة صواريخ من غزة، هي في مواجهة عزلة سياسية تكاد تكون وجودية. نتنياهو الذي أراد فرض "سلام بالقوة" وجد نفسه محاصرا بقوة المقاطعة

هذه اللغة غير المسبوقة تكشف عن تغيّر حقيقي في السياسة الأميركية: واشنطن، التي لطالما مالت حيث تميل تل أبيب، وجدت نفسها مضطرة إلى إعادة الاعتبار لشريك آخر لا غنى عنه في الخليج. زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو إلى الدوحة حملت الرسالة الأوضح: الولايات المتحدة بحاجة إلى قطر في لعب دور الوسيط، أكثر مما تحتاج إلى تبرير مغامرات نتنياهو.

لطالما شككنا في جدوى القمم العربية والإسلامية. لكن قمة الدوحة كسرت النمط. ليس فقط من حيث وحدة الموقف، بل من خلال ما سمّاه بعض القادة “العصف الذهني” لتوليد أفكار عملية: من دعوة أردوغان إلى معاقبة إسرائيل، إلى مقترحات تعزيز الصناعات الدفاعية، مرورا بآليات مقاطعة اقتصادية وسياسية قد ترسم مسارا جديدا في العلاقة مع إسرائيل. هذه ليست مجرد بيانات دعم، إنها بداية حقيقية لتفكير جماعي في بناء رادع عربي – إسلامي.

ما لم يحسب له نتنياهو حسابا هو أن الضربة التي صوّرها كإنجاز أمني تحولت إلى نقمة سياسية. فجأة، إسرائيل تواجه مقاطعة دولية لم تشهدها من قبل: من انتقادات أوروبية علنية، إلى قرارات عملية مثل إلغاء إسبانيا صفقة عسكرية بمئات الملايين من اليوروهات.

حتى المشروع “الإبراهيمي”، الذي بشّرت به واشنطن كإطار للتطبيع، صار مهددا بالانهيار.

الواقع أن إسرائيل اليوم ليست فقط في مواجهة صواريخ من غزة، هي في مواجهة عزلة سياسية تكاد تكون وجودية. نتنياهو الذي أراد فرض “سلام بالقوة” وجد نفسه محاصرا بقوة المقاطعة. الداخل الإسرائيلي بات يعيش قلقا وجوديا، والخارج يراه كيانا مارقا. ومع ذلك، لا يلوح في الأفق أن الحكومة الإسرائيلية تملك خطة للخروج من الحرب.

الدرس الأهم من قمة الدوحة أنّ الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تتحرك بلا رادع قد ولّى. العالم تغيّر، والعرب، ولو مؤقتا، اجتمعوا على كلمة سواء. والسؤال المطروح اليوم: هل يستخلص نتنياهو العبرة ويقبل بخيار حلّ الدولتين، أم يصرّ على الانتحار السياسي لجرّ المنطقة إلى حرب لا نهاية لها؟ ما قبل قمة الدوحة ليس كما بعدها. هذه حقيقة باتت واضحة حتى في تل أبيب.