مسلسل "كتالوغ".. دراما حول الجزر المنعزلة داخل الأسرة
أن تواجه المرأة مسؤولية تربية أطفالها وإعالتهم لوحدها، قد يكون أمرا مألوفا حيث تناولته الدراما مرات كثيرة، لكن كيف يواجه الأب هذه المسؤولية بعد أن كان غائبا عن حياة أطفاله؟ تلك الصورة التي تحتاج إلى طرح من زوايا عديدة، تكشف الخلافات بين الأجيال ومشاكل آباء العصر الراهن، وترفع وعي المجتمع. ذلك ما يريد إيصاله مسلسل “كتالوغ” الذي أثار اهتمام الكثير من محبي الدراما.
القاهرة - تركز الكثير من قصص السينما والدراما المصرية على معضلة الأم الأرملة أو المطلقة المعيلة، وكيفية مواجهتها صعوبات إعالة الأطفال ورعايتهم بمفردها. لكن كيف تبدو الصورة المعاكسة لهذا الوضع عندما يفاجأ الزوج بوفاة زوجته، تاركة له أطفالا صغارا بأجندتهم الواسعة المكونة من أدق تفاصيل حياتهم اليومية، والتي لا يلم الأب بمعظم تفاصيلها.
يناقش المسلسل المصري كتالوغ الذي عرض منذ أيام على منصة “نيتفليكس” هذه المشكلة، حيث يقدم أزمة زوج يفقد زوجته عقب إصابتها بمرض السرطان، تاركة له طفلين، لا يعرف الكثير عن تفاصيل حياتهما.
يقدم صناع العمل، المخرج وليد الحلفاوي والمؤلف أيمن وتار، دراما إنسانية تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الأهل في تربية أبنائهم، ويغوص المسلسل في عمق حياة الأسرة المصرية، وأدق تفاصيل العلاقات المتشابكة والمعقدة ببن أعضاء الأسرة، ومراوحة المواقف بين شد وجذب، غضب وخصام، محاولا طرح دليل (كتالوغ) يمكن الاسترشاد به من أجل عبور العائلة إلى بر الأمان، وتحقيق قدر ممكن من التفاهم بين أفرادها، كي تسير الحياة بسلام.
أعمدة فنية أساسية
بنى المخرج وليد الحلفاوي عمله الدرامي مستندا بالدرجة الأولى على أعمدة قوية من الفنانين البارعين، مثل محمد فراج وريهام عبدالغفور وخالد كمال، مستعينا بالفنان الطفل علي البيلي الذي حقق نجاحا مذهلا عقب تجسيده دور طفل ضحية التحرش والاغتصاب في مسلسل “لام شمسية” وعرض في موسم رمضان الماضي. أدى علي البيلي دوره بتمكن في مسلسل كتالوغ وكان يمكن إفساح المجال له بشكل أوسع ليطلق طاقات موهبته.
وأضافت الفنانة سماح أنور أجواء تتسم بالدفء الأسري بتجسيدها شخصية “أم هاشم” مديرة المنزل ومربية الأطفال، وشارك في العمل كل من صدقي صخر وتارا عماد ودنيا سامي.
حاول المؤلف والممثل أيمن وتار، صياغة دراما ترتكن على مأساة فقدان الأم بلمسات من حس الفكاهة التي تتميز بها كتاباته الفنية، كما ظهر في فيلم “نادي الرجال السري” وفيلم “البعض لا يذهب إلى المأذون مرتين”، خوفا من إغراق العمل في تراجيديا فقدان الأسرة للأم، وقدم لمحات طريفة وبذكاء، بما لا يخل بالسياق الدرامي للعمل، ودعم المخرج هذه اللمحات الفكاهية باستعانته بالفنان بيومي فؤاد والقيام بدور الجار الطيب للأسرة المكلومة والمصاب بفوبيا الخروج من المنزل.
عنون المسلسل باسم كتالوغ، في إشارة إلى محتوى على اليوتيوب بنفس الاسم قدمته الأم الراحلة أمينة، والتي جسدت دورها الفنانة ريهام عبدالغفور، ويدور المحتوى حول نصائح تقدمها لأفراد الأسر المصرية لتجاوز الصعوبات والمعوقات التي تواجه أفرادها في التعامل البيني داخل جدران المنازل وكيفية تحقيق التوازن بين مهام العمل الثقيلة وأعباء المنزل .
عاصفة من الأحزان
عقب رحيل الأم أمينة وخلال مواجهة عاصفة من الأحزان انتابت الابنة والابن، ولعب دورهما ريتال عبدالعزيز وعلى البيلي، بدأ الأب يوسف القاضي وجسد دوره محمد فراج بمشاهدة المحتوى الذي كانت تقدمه زوجته على يوتيوب كي يستفيد منه في مواجهة تحدياته للقيام بدور الأب والأم معا، لترشده فيديوهاتها المتعددة إلى كيفية التنبه إلى التفاصيل الإنسانية شديدة التنوع والعمق التي لم يكن يعيرها اهتماما، حيث ألقى العبء بأكمله على زوجته لإدارة هذا الملف الإنساني المعقد من العلاقات بين الأبوين والأطفال.
استعان صناع العمل بعدد من النجوم والفنانين كضيوف شرف موزعين على الحلقات الثمانية، في مقدمتهم رئيس النادي الأهلي المصري ونجم الكرة السابق محمود الخطيب كضيف شرف في أحد المشاهد التي جرى خلالها حوار مع يوسف والد الطفل منصور وجسده على البيلي، في أثناء اختباره للالتحاق بأشبال النادي الأهلي، وظهور الفنانين: أمينة خليل وعمرو يوسف ومحمد شاهين.
صور العمل في أجواء غارقة في الرفاهية، مبتعدا عن الواقع الذي تعيشه معظم الأسر المصرية، ووقع في فخ المبالغات غير المبررة، ومنها تذكر الأب أن زوجته الراحلة كانت تطلب منه دوما في شهر رمضان شراء حلوى “القطايف” بالبندق ليحاول فعل ذلك في أول رمضان بعد رحيلها، واستهلك صناع العمل الكثير من زمن الحلقة الثالثة في رحلة بحث الأب عن هذا النوع من الحلوى.
وتقود أحداث المسلسل إلى طرح سؤال، هل نعيش وفق كتالوغ جاهز للحياة؟ حيث تعيش الشخصية المحورية (شريف) وهي لشاب في منتصف الثلاثينات من العمر، يمتلك شركة تعمل في مجال الدعاية والإعلان، حياة مثالية وخيالية نظريا، حيث لديه وظيفة مرموقة، وزوجة جميلة محبة، ومنزل في تجمع سكني راق.
لكن شريف، الذي يبدو أنه يسير وفق كتالوغ مجتمعي معروف، يدخل في أزمة هوية حادة حين توفت زوجته ويصطدم بحقيقة أن كل اختياراته كانت استجابة لمتطلبات آخرين.
أبواب للنقاش
مع كل حلقة، يتحوّل شريف إلى شخص آخر، في رحلة تبدو أشبه بخلع الأقنعة يكتشف فيها مساحات كانت غائبة عنه، تتخللها صراعات مع العائلة، والمؤسسة التي يعمل بها، وأهمها صراع مستعر مع ذاته الحائرة.
قدم المخرج وليد الحلفاوي رؤية إخراجية متماسكة، تقوم على لقطات طويلة وتكوينات بصرية تشير إلى اختناق الشخصية أو انفراجها، بلغة سينمائية محسوبة. لم يسع للإبهار البصري قدر سعيه لبناء إيقاع نفسي يتماشى مع أفكار العمل.
فتح المسلسل بابا للنقاش حول غياب التواصل في الكثير من الأحوال بين الآباء والأبناء من جهة، وبين الزوجين من جهة أخرى، نتيجة استغراق أرباب الأسر في محاولة توفير حياة مناسبة لأسرهم عبر الانهماك في العمل الشاق المضني، ما يسفر عن خلق جزر منعزلة فاقدة للتواصل في الكثير من البيوت المصرية.
تقترب سردية مسلسل كتالوغ كثيرا من فيلم “كرامر ضد كرامر” الذي كتبه وأخرجه الأميركي روبرت بينتون عام 1979، وفاز بخمس جوائز أوسكار من أصل 9 ترشيحات، ولعب بطولته نجما هوليوود داستين هوفمان وميريل ستريب، وأحدث الفيلم دويا نقديا وجماهيريا عند عرضه لتناوله قضية تبادل الأدوار في تربية الأبناء، فالأم تترك المنزل طالبة الطلاق ليتفاجأ الأب تيد كرامر الذي يعمل مديرا في إحدى شركات الدعاية والإعلان بأنه وحده العائل الوحيد لطفله البالغ من العمر سبعة سنوات، ويواجه تيد والطفل بيلي صعوبة في التكيف مع وضعهما المعيشي الجديد، إذ يفتقد بيلي والدته، ويضطر تيد للقيام بالأعمال المنزلية الإضافية التي عادةً ما تقوم بها الأم جوانا، ثم يعتاد الأب والابن تدريجيًا على روتين حياتهما دون الأم.