فيلم "الأخدود".. حبكة فنية لتجارب القوى العظمى في الفتك بالبشر

قصة أميركية تطرح مخاوف عالمية من مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
السبت 2025/07/19
نتحد لضمان الحماية

في قلب الصراعات والحروب والأزمات قد تنكشف حقائق وتنشأ علاقات عميقة تتحدى الصعاب، ذلك ما يذكرنا به فيلم "الأخدود" للمخرج سكوت ديريكسون والذي يصور صراعات القوى العظمى زمن الحرب الباردة، انطلاقا من حكاية قناص أميركي ماهر يحاول حماية برج يقع داخل أخدود عميق.

لا يزال توظيف تيار الخيال العلمي لخدمة أفكار سياسية وأيديولوجية محددة مهارة يتقنها القليل من صناع السينما في العالم، فقصص هذا المجال تبدو أحصنة جامحة يجب أن تتوافر لدى فرسانها مهارات لترويضها وتوجيهها نحو الطريق الصحيح الذي يستهدفه صناعها، كي لا تتحول الأعمال إلى "مسوخ" فنية.

يثير فيلم "الأخدود" (The Gorge) الذي أطلقته منصة “أبل تي في بلس” مؤخرا قضايا عدة في زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق، والتي بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينات من القرن الماضي.

تدور أحداث العمل حول قناص من نخبة القوات الأميركية الخاصة، أُمر بحراسة برج أعلى أخدود عميق دون معرفة مكانه أو ما يكمن بداخله، ويستهل الفيلم بجلسة تجمع ضابطة من قيادات من الفرع السري للقوات الخاصة بالقناص ليفي كين لتعرض عليه مقابلا ماديا ضخما، حال قبوله حراسة برج يقع أعلى أخدود غائر في العمق لمدة عام كامل، ويقيم بمفرده وكل ما عليه إطلاق النيران إذا ما اقترب خطر من البرج، الذي شيد في أربعينات القرن الماضي، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. ثم يتم تخدير ليفي وتقله مروحية، ثم إيقاظه قبيل إسقاطه مظليا في موقع برج الأخدود.

مفاجأة مزدوجة

◙ صراعات القوى العظمى زمن الحرب الباردة
◙ صراعات القوى العظمى زمن الحرب الباردة

عند الوصول إلى البرج يجده مجهزا باحتياجاته للحياة ومزودا بمدافع متعددة الأنواع والأحجام، وكم هائل من الذخائر، وميكروسكوب عالي الدقة، وعند النظر فيه يكتشف برجا مماثلا على الطرف الآخر من الأخدود، وتقطنه فتاة، وبمرور الوقت وتحت تأثير شدة الملل ترغب الفتاة في التعرف إليه عبر الكتابة على يافطات، ويستجيب لذلك لتخبره أن اسمها دارسا، وتمثل روسيا، والبرج الذي تقطنه مشيد من قبل الاتحاد السوفييتي، للحماية من عدو مجهول لا تعرفه، ويكتب لها ليفي الأمر نفسه.

يفاجأ ليفي ودارسا ذات يوم بمحاولة مجموعةٌ من رجال غريبي المظهر الخروج من الوادي وتسلق الأخدود تجاه البرجين، لكن دراسا وليفي يستخدمان بنادقهما ومدافعهما الآلية وألغامهما للدفاع عن برجيهما، وعن بعضهما البعض.

المخرج اعتمد على تقنيات إخراج متطورة، وركّز على أحداث توازن بين مشاهد العنف الشديد والمشاهد الرومانسية الحسية

ومع مرور الوقت، تتوطد العلاقة بينهما عن بُعد، ويتفقان على الهبوط سويا إلى الوادي في أسفل الأخدود، عبر قدرتهما الفائقة على تسلق المرتفعات والهبوط منها. يكتشف الثنائي أن جميع الكائنات الحية النباتية والحيوانية في الوادي خضعت لطفرة جينية، بما في ذلك الرجال الذين يقطنون الوادي ويتبيّن أنهم جنود مفقودون منذ عقود.

يقاتل ليفي ودارسا الكائنات الحية المعادية، ويعثران على مصدر الطفرات وهو مختبر أبحاث للأسلحة البيولوجية من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان مهجورا بعد أن تسبب زلزال في تسرب مواد ملوثة تسببت في ظهور هذه الطفرات الجينية إلى أن اكتشفته شركة تدعى “داركليك”، وهي شركة دفاع خاصة، بدأت في استغلال هذه المنشأة البحثية المهجورة لاستخراج عينات هجينة على أمل خلق جنود خارقين.

صدع غائر

◙ فيلم يثير قضايا عدة زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وتدور أحداثه حول قناص أميركي
◙ فيلم يثير قضايا عدة زمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وتدور أحداثه حول قناص أميركي

عبر رمزية الأخدود العملاق الغائر صاغ الكاتب والسيناريست زاك دين الذي كتب أفلام: “حرب الغد” و”إكس السريع” و”ديدفول”، والمخرج سكوت ديريكسون، وكلها أعمال خيال علمي ومليئة بالإثارة، مع لمحات من الرعب تمحورت حول الأخدود الذي يؤشر إلى الصدع في عالمنا المعاصر بين الأنشطة السرية الخطيرة للقوى العظمى وبين الوجه المزيف المعلن لها، لإخفاء وجهها الحقيقي الذي لا يتورع عن الفتك بالبشر، في سبيل تحقيق أجندتها القبيحة.

كما استخدم كاتب الفيلم ومخرجه الأخدود كرمزية مماثلة لعمق النفس البشرية، تلك المساحات المظلمة التي يحاول كثيرون تجاهلها لكنهم يجبرون على مواجهتها.

اعتمد المخرج سكوت ديريكسون على تقنيات إخراج متطورة، وركّز على أحداث توازن بين مشاهد العنف الشديد والمشاهد الرومانسية الحسية بين بطلي العمل مايلز تايلر وأنا تيلر جوي، ما منح الفيلم نبرة مزدوجة بين الحميمية والخطر، في الوقت الذي أسند فيه دور الضابطة التي كلفت ليفي بالمهمة إلى الفنانة حاصدة الجوائز العالمية سيغورني ويفر لثقل الأداء التمثيلي للعمل.

كما استخدم سكوت لقطات بانورامية لأماكن صحراوية وجبلية معزولة، لخلق شعور بالضياع والانعزال، بينما اعتمد مدير التصوير كاليونيتوس زيباتاس على التباين الحاد بين الضوء والظلال، ما عكس نوعا من الاضطراب النفسي للشخصيات.

ووضع الموسيقى التصويرية للعمل الملحن ماك كوي تايرسن، وجاءت في الكثير من المشاهد متوترة ومشحونة بالقلق، لتعزز شعور المشاهد بالخطر الداهم. وتميزت المؤثرات البصرية بالجاذبية والواقعية بلا إفراط في الصخب، خاصة في مشاهد الانفجارات والمواجهات في الوادي الواقع أسفل الأخدود.

اهتمام من النقاد

◙ تجربة بصرية مؤثرة
◙ تجربة بصرية مؤثرة

وجد الفيلم اهتماما من الدوائر النقدية، حيث وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية الفيلم بأنه “تجربة بصرية مؤثرة،” مشيرة إلى نجاح صناع الفيلم في نسج دراما مشوقة، وأشادت بكيمياء التفاعل بين البطلين، وأشار موقع “إندوير” العالمي إلى أن الفيلم يعاني من بعض البطء في منتصفه، لكنه يعوّض ذلك بنهاية مثيرة ومفتوحة للتأويل.

وعلى الرغم من طبيعة الفيلم الخاصة وعدم اعتماده على نموذج أفلام الحركة التجارية المعتاد، حصد العمل نسب مشاهدة مرتفعة على منصة "أبل تى في بلس" (Apple TV+) خلال الأسبوع الأول من إطلاقه، وتصدر قوائم الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وتم ترشيحه لعدة جوائز سينمائية عالمية .

وقدم صناع السينما في هوليوود عددا من الأفلام التي تتناول تجارب خطيرة سرية تجريها بعض الدول الكبرى من وراء شعوبها، بوصفها من أكثر سرديات السينما إثارة وغموضًا، وتعكس مخاوف مجتمعية حول السلطة والرقابة والفساد العلمي والسياسي، وأبرزها فيلم "البستاني الدائم"(The  Constant Gardener) الذي صدر عام 2005 للفنانين رالف فينيس الذي حصل على جوائز عالمية عديدة، وراشيل وايلز، وأخرجه فرناندو ميريليس، ويدور حول مؤامرة لشركة دوائية ضخمة تُجري تجارب سرية على سكان في قارة أفريقيا من دون علمهم، وكيف تستغل الشركات والحكومات شريحة من الفقراء كفئران تجارب.

وسلط فيلم "الرجال الذين يحدقون في الماعز" (The Men Who Stare at Goats) وأنتج عام 2009 وأخرجه غرانت هيسلوف، الضوء على وحدة سرية في الجيش الأميركي، تُجري تجارب غريبة تتعلق بالتخاطر والسيطرة الذهنية في نقد لاذع لبرامج الحكومة الأميركية في التجسس والتجارب العسكرية غير التقليدية، وقد لعب بطولة الفيلم النجم جورج كلوني، والفنان غيف بريدجز.

14