"رجل عامل".. طبعة جديدة لأفلام السوبر هيرو الأميركي

ترسيخ هوليوودي للمحارب الخارق للعادة والمدافع عن الحلم.
الأربعاء 2025/07/09
جيسون ستاثام سوبر هيرو مقنع

هل من السهل أن يتخلى "السوبر هيرو" عن ممارسة قدراته القتالية؟ تحدّ كبير يسلط الضوء عليه فيلم "رجل عامل" الذي يروي قصة جندي متقاعد قرر أن يعيش حياة هادئة، لكن عندما تُختطف ابنة صديقه يعود ليظهر المقاتل الشرس داخله، طارحا علينا تساؤلات عن الفساد والأبوة، وما يمكن أن يفعله الفرد لحماية من يحب.

يظل الحفاظ على صورة “السوبر هيرو” الأميركي في مخيلة مشاهدي السينما عبر أنحاء العالم مهمة شبه مقدسة لصناعة السينما في هوليوود منذ عقود طويلة، حيث ترسخ الهيمنة الأميركية كقوة عظمى منفردة في العالم.

السوبر هيرو الذي تصدره هوليوود هو حارس الحلم الأميركي من أشرار العالم، ومحارب من نخبة القوات الخاصة وصاحب قدرات خارقة ومهارات فائقة. هو أشبه بجيش صغير يستطيع مواجهة العشرات من الأعداء وإبادتهم، والاستعداد للتصدي لعشرات آخرين وتصفيتهم بمفرده أيضا.

برع صناع السينما الأميركية في انتقاء النجوم المنوط بهم لعب دور السوبر هيرو، وقدموا نجوما أصبحت أسماؤهم ضمانات لحصد أعلى الإيرادات في العالم، أبرزهم سلفيستر ستالون السوبر هيرو الأميركي (رامبو) في سلسلة أفلام الدم الأول First Blood خلال ثمانينات القرن الماضي، وأرنولد شوارزنيجر وبزغ نجمه السينمائي عبر تجسيده دور مقاتل العمليات الخاصة في فيلم “كوماندو” commando عام 1985 بعد نجاحه في الجزء الأول من سلسلة “المدمر” Terminator، كذلك هاريسون فورد ووليام نيسون وجان كلود فان دام، وهم جميعا نجوم أفلام حركة إضافة إلى انضمام دينزل واشنطن حاصد جوائز الأوسكار إلى قائمة مجسدي السوبر هيرو الأميركي مؤخرا عبر سلسلة أفلام “المعادل” The Equalizer بأجزائها الثلاثة التي حققت إيرادات كاسحة، وبدأت أولاها عام 2014 وامتدت عشر سنوات.

صدام مع المافيا

تشابه مع الجزء الأول من سلسلة أفلام "المعادل" لأنها تركز على السوبر هيرو الذي تقاعد في هدوء
تشابه مع الجزء الأول من سلسلة أفلام "المعادل" لأنها تركز على السوبر هيرو الذي تقاعد في هدوء

في فيلمه “رجل عامل” A Working man الذي عرض مؤخرا بدور السينما على مستوى العالم محققا إيرادات بلغت 99 مليون دولار، أضاف نجم أفلام الحركة جيسون ستاثام فيلما جديدا إلى قائمة سرديات السوبر هيرو الأميركية الطويلة، عبر تجسيده شخصية ليفون كيد، الجندي السابق في قوات مشاة البحرية، ويعمل مشرفًا على أعمال البناء في شركة بشيكاغو، وتربطه صداقة وطيدة بعائلة غارسيا جو وزوجته كارلا وابنتهما جيني، والعائلة صاحبة الشركة، وفي الوقت نفسه يُكافح ليفون للحصول على حضانة ابنته ميري من جدها لأمها، بعد انتحار زوجته.

يحيا ليفون حياة رجل عامل كادح يرفض استغلال مهاراته القتالية الفائقة في خدمة بارونات الأعمال، مؤمنا بكون قدراته الخارقة هي لخدمة وطنه فقط في مواجهة أعدائه.

يتبدل موقفه من حالة الحياة المدنية الهادئة إلى العودة بقوة لعالمه الأصلي كمحارب عند تعرض جيني ابنة صديقه غارسيا الذي يجسده الفنان الأميركي مايكل بينا للاختفاء واستنجاد والداها به للوصول إليها. يلبي ليفون طلب صديقه ويبدأ رحلة البحث عن ابنته التي لعبت دورها الممثلة آريانا ريفاس، ويجد نفسه وجها لوجه أمام المافيا الروسية، ويخوض حربا شرسة لاستعادة جيني، حيث يعلم أن رجال ابن زعيم المافيا اختطفوها ضمن اتجارهم بالبشر وإجبار صغار الفتيات على ممارسة البغاء.

وعبر سلاسل من المواجهات الدموية يواجه ليفون رجال المافيا ليحصدهم، مستخدما مهاراته القتالية الفريدة ليصل إلى مكان ابنة صديقه جيني بعد وصوله إلى الرؤوس الكبيرة للمافيا، ويتمكن من تصفيتهم، كاشفا فسادا ضخما يستشري في بعض قطاعات الشرطة الأميركية وعناصرها.

حمل فيلم “رجل عامل” توقيع ديفيد آير كاتب ومخرج أفلام الحركة الذي قدم باقة من أفلام الأكشن ذات الإيرادات الكبيرة، أهمها سلسلة أفلام: “السرعة” و”الغضب” و”يوم التدريب” و”النحال” الذي لعب بطولته جيسون ستاثام، بينما اشترك معه في كتابة السيناريو سلفيستر ستالون، وحرص صناع الفيلم على اختتام أحداثه بمشهد تظهر فيه الفتاة جيني، التي أعادها ليفون السوبر هيرو إلى منزلها، وقد اجتمعت مع أبويها حول مائدة الطعام برفقة ليفون ممسكين جميعا بأيدي بعضهم البعض لتلاوة صلاة المائدة والشكر، وهو مشهد يؤصل لرسالة الفيلم بأن القوة هي الحامي الحقيقي للحلم الأميركي.

نبوءة "المدمر"

طرح الكاتب والمخرج جيمس كاميرون عام 1984 رؤية جديدة لفكرة السوبر هيرو عبر أول أجزاء سلسلة أفلام “المبيد” أو”المدمر” The Terminator التي تنبأت بسيطرة روبوتات الذكاء الاصطناعي على الكرة الأرضية واستعبادها للبشر في المستقبل عام 2029، إلا أن البطل الأميركي جون كونور يتصدى للروبوتات فائقة التطور والتدمير في حرب مصيرية لإنقاذ الجنس البشري من الفناء، فتقرر روبوتات الذكاء الاصطناعي إرسال روبوت على هيئة إنسان، لعب دوره أرنولد شوارزنيجر، من خلال السفر عبر الزمن إلى عام 1984 (وقت إنتاج الفيلم) ليحاول قتل سارة كونور، وهي أم جون، السوبر هيرو في المستقبل، قبل إنجابه.

قاد نجاح فيلم “المدمر” إلى إنتاج عمل سينمائي آخر، من بطولة شوارزنيجر، بعنوان “كوماندو”Comando ولعب فيه دور أحد عناصر الكوماندوز الأميركيين وتصدى بمفرده لعصابات من المرتزقة في إحدى دول أميركا الجنوبية وقام بتصفية جميع أفرادها.

رامبو والمعادل

حح

رغم تعدد قصص أفلام السوبر هيرو الأميركي، إلا أن سلسلة أفلام رامبو للممثل سلفيستر ستالون التي عنونت بإ”الدم الأول” تعد حجر الارتكاز لترسيخ أسطورة السوبر هيرو في أذهان الأجيال المتعاقبة من المشاهدين في العالم منذ إصدار طبعتها الأولى عام 1982، وتناول الفيلم قصة المجند جون رامبو الذي عاد إلى بلاده بعد حرب فيتنام ليجد الرفض من المجتمع فيقرر الانتقام والثأر مِن كل مَن أسهم في الهزيمة في فيتنام وقلل من كفاءة الجنود الأميركيين الذين شاركوا في الحرب.

وانطلق في الأجزاء الأربعة التالية التى صدرت في الأعوام 1985 و1988 و2008 و2019 للنيل من قوى الشر، وفق المفهوم البروباغندي اليميني الأميركي، وهي الاتحاد السوفييتي السابق وكوريا الشمالية والصين.

واللافت في فيلم “رجل عامل” هو مشاركة سيلفستر ستالون، صاحب الباع الأهم في أفلام السوبر هيرو، في كتابة السيناريو مع مخرج العمل ديفيد آير، ما عزز الأداء التمثيلي للعمل وسمح بالاستفادة من الخبرات الطويلة لستالون في هذا المجال.

اللافت في "رجل عامل" هو مشاركة سيلفستر ستالون، صاحب الباع الأهم في أفلام السوبر هيرو، في كتابة السيناريو

وتشابه طرح فيلم “رجل عامل” مع الجزء الأول المهم من سلسلة أفلام “المعادل” لدينزل واشنطن، لأنها تركز على السوبر هيرو الذي تقاعد في هدوء عبر الانخراط في أعمال شاقة، ورفض بريق أموال الرواتب المجزية لرجال المال والشركات الكبرى، وقدم واشنطن في سلسلة أفلامه دور مقاتل سابق في أحد فرق العمليات الخاصة الأميركية، ويعمل سائقا للتاكسي بعد تقاعده، ويخوض حربا مدمرة مع المافيا الروسية العاملة في الولايات المتحدة للانتقام لفتاة يافعة تم استغلالها في البغاء بعنف وقسوة شديدين، وبعد تعقبه لقياديي المافيا يصفيهم جميعا وينتقل إلى العاصمة الروسية موسكو لتصفية زعيمهم، ثم يعود السوبر هيرو ثانية إلى عمله كسائق بعد أن طهر المجتمع من سرطان المافيا عبر استئصال الجميع.

ويتفق الفيلمان في جنسية الأشرار الذين استهدفهم بطلا السوبر هيرو، واشنطن وستاثام، جميعهم ينتمون إلى المافيا الروسية، وموسكو هي عدو الأمس ممثلة في الاتحاد السوفييتي أثناء الحرب الباردة، وأشرارها هم أعداء الحاضر الممثلون في عناصر المافيا بكل مخطرها، والتي تريد تدمير ما يسمى بالحلم الأميركي.

ورغم سذاجة الطرح المتجدد لطبعات أفلام السوبر هيرو، والتي تتنافى مع أبسط قواعد المنطق في كيفية تقديم مشاهد يبيد فيها شخص بمفرده، مهما اتسمت مهاراته القتالية وقوته البدنية، عصابات وفرقا عسكرية كاملة، إلا أن هذه السرديات تلقى رواجا كبيرا وتحقق إيرادات هائلة عند عرضها، وتتوافق مع معظم أفلام الحركة لأنها جميعا تنفس عن رغبات المشاهدين المدفونة في مواجهة خيالية لأعدائهم أو من ظلموهم ويخوضها البطل الخارق نيابة عنهم عبر الشاشة الفضية.

14