ما يجب قراءته من كلمة جنبلاط

البيك قدم الفرصة الأخيرة لحزب الله للانتقال من تنظيمٍ عسكري عقائدي إلى تنظيمٍ سياسي وطني لأن ما هو منتظر من الموفد الأميركي قد لا يصبّ في صالح هذا البلد.
الثلاثاء 2025/07/01
قارئ "جيّد" للتغييرات الجيوسياسية

من استمع إلى الكلمة التي ألقاها الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده في دارته في كليمونصو، الخميس 26 يونيو الماضي، يتوقع أن “البيك” يقف على حافة النهر ينتظر مرور الجثة، ولكن جثة من ينتظر؟

قال البيك الكثير في هذا المؤتمر، ومرّر الكثير من النصائح والرسائل، لاسيما في موضوعَي السلاح وتسليمه، وموضوع “هوية” مزارع شبعا. فعلى ما يبدو، الرسائل وصلت، ولكن من وصلته الرسائل لم يأخذ بالنصائح. فهل هذا مؤشر على أن الحرب الثالثة على لبنان ستعود في جزئها الثاني؟ وهل الأرضية التي طالب بها الموفد الأميركي توماس باراك في زيارته الأولى إلى لبنان لم تُهيَّأ بعد في زيارته الثانية المتوقعة مطلع شهر يوليو القادم؟

لم يُطبّق القرار 1701 الذي أوقف الحرب في 27 نوفمبر الماضي، فبنوده تُخرق يوميًا من قبل إسرائيل عبر اعتداءاتها اليومية، وما شهدته منطقة النبطية في جنوب لبنان، الواقعة جنوب نهر الليطاني، صباح الجمعة 27 يونيو من سلسلة غارات أدت إلى مقتل وجرح العشرات، دليل على ذلك. كما أن الحزب أيضًا يخرق القرار من خلال إعادة تموضعه عسكريًا شمال وجنوب نهر الليطاني، وما قاله الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الخميس أيضًا، عن أن الحزب يعيد تنظيم صفوفه يُعد دلالة على ذلك.

قدّم جنبلاط نصيحة في شأن السلاح، قائلًا إنه “يجب أن يكون حصرًا بيد الدولة،” معتبرًا أن “موضوع السلاح لا يقدّم أو يؤخّر في موضوع الانسحاب الإسرائيلي من لبنان.” ولهذا دعا حزب الله، وكافة الأحزاب اللبنانية وغير اللبنانية المقيمة على أرض لبنان، إلى التسريع في تسليم السلاح إلى المؤسسات الرسمية. وهذا ما بدأ تطبيقه من حزبه، إذ كشف البيك أنه أبلغ الرئيس جوزيف عون بوجود سلاح في موقعٍ ما في بلدة المختارة – الشوف، وطلب من الأجهزة الأمنية تولّي هذا الموضوع.

◄ الدخول في حرب جديدة (باتت قاب قوسين) مع إسرائيل لن يُقدّم جديدًا في المعادلة، بل على العكس سيُعمّق الفجوة بين الإصلاح والفوضى، ويدفع بالبلد أكثر نحو الهاوية

قارئ “جيّد” يعتبر جنبلاط حاضرًا في التغييرات الجيوسياسية التي تُرسَم في المنطقة، حيث استشعر أن حرب الاثني عشر يومًا بين إيران وإسرائيل، رغم أنها من أقصر الحروب، حملت الكثير من الرسائل التي ينبغي قراءتها، لاسيما لجهة تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وليس فقط على صعيد ضرب برنامجها النووي. هذا ما أراد البيك إيصاله إلى الحزب، على اعتبار أن السلاح في المخازن غير قابل للتجدد مستقبلًا، وأنه أصبح قديمًا نسبة إلى الأسلحة المتطوّرة والحديثة، وأن الحزب لم يعد قادرًا على إحداث تغيير في المعادلات.

لم تَعُد نافعة تلك العبارة المكتوبة على اليافطة المعلّقة على طريق المطار “اليد التي تمتدّ على سلاح الحزب ستُقطع،” حيث قطعت الحرب الدائرة مصادر التمويل عن حزب الله. فهو اليوم بات عاجزًا عن إعادة الإعمار، وإيران، التي كلّفتها حربها المليارات من الدولارات، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، باتت عاجزة عن تقديم الدعم المالي واللوجستي، كما أن “ممرّ السلاح”، تحديدًا عبر سوريا، بات شبه مقطوع.

عوامل كثيرة بَنَى عليها البيك قراره بالوقوف خلف الدولة ومؤسساتها، وإن المشهدية القادمة تتجه نحو تطبيق المشروع الإبراهيمي، حيث يبدو أن طرح البيك في ما يتعلّق بـ”هوية” مزارع شبعا، على اعتبار أنها ليست لبنانية، يهدف إلى سحب كافة الذرائع من حزب الله للإبقاء على سلاحه. وهذا دليل أيضًا على تمهيد الطريق، لا بل تعبيدها، نحو التطبيع وترسيم الحدود البرية مع سوريا بنظامها الجديد.

رسم الأميركي الخطوط العريضة للمنطقة، ووضع أسسها التي أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلالها مشروع “صفقة القرن” في ولايته الأولى. وهو المشروع القائم على التوازن بين الرؤية الأميركية للمنطقة ومحاكاة هواجس الدول الأخرى. فأن يقول ترامب “الآن تستطيع الصين استيراد النفط الإيراني،” قولٌ يُبنى عليه، وأن يدخل ترامب في بازار الصفقات مع موسكو على اعتبار “إيران مقابل أوكرانيا،” ليس بالأمر البسيط. وأن يجد ترامب في زعماء دول الخليج العربي أنهم قادرون على لعب دورٍ في رسم سياسات المنطقة، يُعدّ دلالة على أن ما كانت عليه طهران من نفوذ لعشرات السنوات بات من الماضي، وأن “الهلال الشيعي” انطفأ نوره في المنطقة.

لهذا، مهّد البيك الطريق أمام الحزب للانخراط في مشروع الدولة، ورفض كافة أشكال الدويلات، ورفض ربط المصير والمسار بمحور لم يَبقَ منه سوى نظام في طهران يسعى إلى “لملمة” سلطته المتهاوية. وإن الدخول في حرب جديدة (باتت قاب قوسين) مع إسرائيل لن يُقدّم جديدًا في المعادلة، بل على العكس سيُعمّق الفجوة بين الإصلاح والفوضى، ويدفع بالبلد أكثر نحو الهاوية.

ما قاله البيك قد قاله، وهذه الفرصة الأخيرة لحزب الله للانتقال من تنظيمٍ عسكري عقائدي إلى تنظيمٍ سياسي وطني. لأن ما هو منتظر من الموفد الأميركي قد لا يصبّ في صالح هذا البلد الذي يرزح على حافة الانهيار، في حال لم يتمّ تنفيذ الإصلاحات ولم يُنَظَّم السلاح تحت سيادة الدولة. فهل سيبقى الحزب رافضًا لقراءةٍ أكثر واقعية للتغييرات الحاصلة في المنطقة، ويُدخِل البلاد في حرب ستكون بمثابة الفصل الأخير فيها؟

9