"رسالات" تكشف حدود الممكن في لبنان

قرار الحكومة لم ينهِ الخلاف الأعمق حول من يملك السلاح ومن يحتكر قرار الحرب والسلم في لبنان.
الاثنين 2025/10/13
الروشة تفضح عمق أزمة الحكم في لبنان

في مشهدٍ لبناني تتنازعه الأزمات السياسية والأمنية، قررت الحكومة اللبنانية تعليق العمل بالعلم والخبر العائد لجمعية “رسالات”، بعد أن أثارت الأخيرة جدلًا واسعًا بإضاءتها صخرة الروشة بصورة الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله ورئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين.

جاء القرار الحكومي كمحاولة واضحة لتفادي انفجار سياسي داخل مجلس الوزراء وبين الشارع اللبناني المنقسم، إلا أن هذه الخطوة، رغم رمزيتها، لا تعني أن الصراع حول حصرية السلاح قد انتهى، بل إنها تفتح صفحة جديدة من المواجهة بين من يريد دولة تحتكر القوة، ومن يتمسك بمعادلة “الجيش والشعب والمقاومة.”

الحكومة برئاسة نواف سلام حاولت التوفيق بين ضرورات الأمن الداخلي والحساسيات الطائفية والسياسية. فتعليق الترخيص بدا أشبه بعملية “تجميد للأزمة” لا بحثا عن حلٍّ جذري لها، إذ أن الإشكالية لم تكن مع جمعية “رسالات” بحد ذاتها، بل مع الجهة التي تقف خلفها وتمثل امتدادًا ثقافيًا وإعلاميًا لحزب الله.

وهكذا، سحبت الحكومة فتيلًا كان يمكن أن يفجّر الانقسام داخلها، لكنها لم تُنهِ الخلاف الأعمق حول من يملك السلاح ومن يحتكر قرار الحرب والسلم في لبنان.

الملف جاء في توقيت دقيق، مع تصاعد التوتر على الحدود الجنوبية واستمرار الغارات الإسرائيلية التي امتدت من الجنوب إلى البقاع والهرمل، مستهدفة مواقع يُعتقد أنها جزء من البنية العسكرية للحزب.

لبنان يطفئ فتيل "رسالات" لكنه يترك صاعق السلاح مشتعلاً، في انتظار تسويات كبرى تتجاوز حدوده الجغرافية

في هذا المناخ، بدا قرار الحكومة رسالة مزدوجة: إلى الداخل بأنها قادرة على فرض هيبة الدولة ولو جزئيًا، وإلى الخارج بأنها حريصة على التهدئة وتجنب أيّ انفجار أمني قد يفتح جبهة جديدة مع إسرائيل.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فحصرية السلاح لم تعد مسألة داخلية فحسب، بل باتت بندًا على طاولة المفاوضات الإقليمية والدولية. فالدعم الخارجي للحكومة اللبنانية، وخصوصًا في ملف إعادة الإعمار، مرتبط بقدرتها على بسط سلطة الدولة، فيما تعتبر المقاومة أن التنازل عن سلاحها في هذا الظرف الإقليمي المضطرب ضرب من المجازفة الوجودية.

في المقابل، لا يبدو أن حزب الله في وارد تقديم أيّ تنازل، وهو يرى أن المعركة الكبرى لم تُحسم بعد، وأن كل خطوة من هذا النوع يجب أن تُقرأ في ضوء الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، ومحاولات واشنطن ومعها بعض العواصم الخليجية فرض تسويات مرحلية في الإقليم.

وفي ظل هذا التشابك بين المحلي والإقليمي، يصبح لبنان ساحة انتظار مفتوحة على كل الاحتمالات.

تعليق ترخيص “رسالات” إذًا، لا يُقرأ كإجراء إداري عابر، بل كمؤشر إلى حجم التوازنات الهشة التي تحكم عمل الحكومة اللبنانية، وكمثال حيّ على معادلة “التهدئة مقابل البقاء.” الحكومة لا تريد المواجهة، لكنها أيضًا لا تستطيع التراجع عن فكرة الدولة، فيما الحزب لا يريد الانفجار، لكنه يرفض الانصياع لمنطق الدولة.

النتيجة أن الأزمة مؤجلة لا محلولة. فلبنان يطفئ فتيل “رسالات” لكنه يترك صاعق السلاح مشتعلاً، في انتظار تسويات كبرى تتجاوز حدوده الجغرافية، وقد تحدد شكل الجمهورية المقبلة وموقعها في الخارطة الجديدة للمنطقة.