تزايد عدد النساء المعيلات لأسرهن في المغرب
الرباط ـ ساهم التغير الجذري في هيكل الأسر المغربية والتحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع المغربي في تزايد عدد الأسر التي ترأسها نساء بشكل ملحوظ، حيث أبرزت الأرقام مسارا متغيرا يعكس الوضعية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعيشها المرأة المغربية في مختلف المجالات.
وضمن تقريرها المعنون بـ “المرأة المغربية في أرقام”، أوضحت المندوبية السامية للتخطيط أن تطور تركيبة هيكل الأسر المغربية، برزت من خلال ارتفاع نسبة النساء اللواتي يعشن بمفردهن إلى 28.9 في المئة عام 2024، مقابل 16.3 في المئة عام 2014، بسبب ارتفاع نسب الطلاق والترمُّل.
ويأتي هذا الارتفاع كنتيجة حتمية لسلسلة من التحولات الهيكلية للمجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة”،وفق ما أبرزه التقرير الذي بين أن “التعليم المتزايد بين النساء، وتوسع مشاركتهن في سوق العمل، فضلاً عن ارتفاع نسب الطلاق والترمُّل؛ عوامل ساهمت في تزايد مسؤولية النساء في إعالة الأسر”.
ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها نساء لا يجب أن يُقرأ فقط كظاهرة اجتماعية عابرة، بل كملف استراتيجي يستوجب تدخلًا عموميًا عاجلًا لإعادة الاعتبار لعمل النساء
ويبرز التحول الأكبر في فئة الأسر أحادية الوالدين (أب أو أم مع ابن غير متزوج أو أكثر)، حيث أصبحت النساء يشكلن 39.7 في المئة من أرباب هذه الأسر في عام 2024، مقابل 1.2 في المئة فقط للرجال، ما يعكس تصاعد دور المرأة كمصدر رئيسي للإعالة والمسؤولية الأسرية، وارتفعت نسبة الأسر التي ترأسها نساء إلى 19.2 في المئة على الصعيد الوطني عام 2024، بعدما كانت 16.3 في المئة عام 2014، أي ما يقارب خُمس مجموع الأسر المغربية.
وأكدت نورة المنعم عضو بفدرالية رابطة حقوق النساء، أن المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى تزايد ملحوظ في عدد الأسر التي تتحمل النساء مسؤولية إعالتها، وهو تطور يعكس تحولًا عميقًا في البنية الاجتماعية المغربية، إذ لم يعد دور المرأة مقتصرًا على العمل داخل البيت أو المجال العائلي، بل أصبحت في حالات متزايدة المعيل الاقتصادي الرئيسي للأسرة، سواء بسبب عوامل قسرية كارتفاع نسب الطلاق والترمل وهجرة الرجال لأسباب اقتصادية، أو نتيجة تحولات في تمثلات الأدوار الجندرية وتعزز إرادة الاستقلالية الاقتصادية لدى النساء.
وأبرزت المنعم، في تصريح لـ”العرب”، أن هذا التحول الإيجابي على مستوى الفاعلية النسائية يصطدم بمفارقة أساسية، إذ تُدرج غالبية النساء المعيلات للأسر في خانة “غير النشيطات اقتصاديًا” ضمن التصنيفات الرسمية، رغم اشتغالهن الفعلي في أنشطة منتجة، سواء في إطار العمل غير المهيكل، أو داخل التعاونيات، أو عبر الأعمال المنزلية والرعائية التي تشكل رافدًا اقتصاديًا خفيًا يساهم في استدامة النسيج الاجتماعي والاقتصادي. هذا الإقصاء الإحصائي والقانوني يترتب عنه حرمان النساء المعيلات من أبسط حقوقهن في الحماية الاجتماعية والتقاعد والتغطية الصحية، ويجعل ملايين منهن في مواجهة مسؤوليات أسرية ثقيلة دون سند مؤسساتي فعلي.
وتبدو الظاهرة أكثر حضورا في الوسط الحضري، حسب المندوبية، حيث وصلت النسبة إلى 21.6 في المئة، مقابل 14.5 في المئة في الوسط القروي، أما من حيث الوضعية الاجتماعية، فتمثل الأرامل الشريحة الأكبر من النساء المعيلات بنسبة 54.7 في المئة سنة 2024، وهي نسبة شبه مستقرة مقارنة بعام 2014.
وتعمل الدولة على إيلاء عناية خاصة للمرأة ضمن مشاريع الإدماج الاقتصادي، لاسيما في إطار البرنامج الثالث للمبادرة الوطنية في مرحلتها الثالثة، والمتعلق بتحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للنساء في وضعية هشة، منها برنامج “تحفيز-نسوة” الذي يساهم ،في تمكين المرأة من خلال التوظيف ودعم المشاريع الذاتية، في تعزيز دور المرأة المعيلة لأسرتها، من خلال التمكين الاقتصادي للنساء والمساهمة في تحسين أوضاعهن السوسيو- اقتصادية.
39.7
في المئة من أرباب هذه الأسر نساء في عام 2024، مقابل 1.2 في المئة فقط للرجال
ويُظهر تقرير المندوبية السامية للتخطيط، أن النساء المتزوجات يشكلن 36.2 في المئة من ربات الأسر في القرى، مقابل 19.2 في المئة فقط في المدن، وعلى العكس، ترتفع نسبة ربات الأسر المطلقات في المدن لتبلغ 15.1في المئة، أي نحو ثلاثة أضعاف مثيلاتهن في القرى (5.7 في المئة)، كما ارتفعت نسبة ربات الأسر العازبات من 7 في المئة عام 2014 إلى 9.5 في المئة عام 2024، في مؤشر على توسع ظاهرة الاستقلال الاجتماعي والمعيشي لدى النساء المغربيات.
وأظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان في المغرب لعام 2024 تغيرات هامة تعكس تطورات في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي، وتحديداً في الدور المتزايد للنساء في تسيير الشؤون الأسرية، وأن هذا الارتفاع في نسبة الأسر التي ترأسها النساء يعكس بشكل جلي الديناميات الأسرية التي أصبحت تشهد تغييرات كبيرة على مستوى التوزيع الاجتماعي والدور القيادي داخل الأسرة، وهو ما يعكس التطور الاجتماعي في المجتمع المغربي.
أوضحت المنعم، أن ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها نساء لا يجب أن يُقرأ فقط كظاهرة اجتماعية عابرة، بل كملف استراتيجي يستوجب تدخلًا عموميًا عاجلًا لإعادة الاعتبار لعمل النساء ولأدوارهن القيادية داخل الأسرة والمجتمع، عبر الاعتراف القانوني بوضعهن كفاعلات اقتصاديات وليس فقط كمستفيدات من المساعدات الاجتماعية.
واعتبرت المنعم أن اعتماد مقاربة حقوقية قائمة على المساواة والإنصاف يقتضي إدماج النساء المعيلات للأسر ضمن الفئات ذات الأولوية في السياسات العمومية، خاصة تلك المتعلقة بالتشغيل والحماية الاجتماعية والتمويل المقاولاتي، فبدل النظر إليهن كـ”حالات اجتماعية”، ينبغي الاعتراف بهن كركيزة إنتاج واستقرار أساسي، وضمان استفادتهن من تغطية صحية شاملة، وولوج ميسر لبرامج الدعم الاقتصادي، وإعادة مراجعة المنهجيات الإحصائية التي تحجب مساهمتهن الحقيقية، وإن تمكين النساء المعيلات للأسر ليس مطلبًا فئويًا، بل رافعة مركزية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.