الصاروخ اليمني الذي وضع إسرائيل أمام سؤال: ماذا عن اليوم التالي

نتنياهو يُراهن على الحروب كوسيلة للهروب إلى الأمام، متغاضيًا عن عجز حقيقي عن تقديم رؤية مستقبلية قابلة للحياة.
الثلاثاء 2025/09/02
أيّ مستقبل ينتظر إسرائيل بعد الحرب؟

في ظل الدخان المتصاعد من غزة، والضجيج الدبلوماسي الدولي، أتى الصاروخ اليمني الأخير كرسالة صاخبة لا يُمكن تجاهلها. ليس فقط لأنه تخطى أعقد المنظومات الدفاعية الأميركية – الإسرائيلية، بل لأنه شكّل لحظة انعطاف في المعركة، وفرض على تل أبيب سؤالًا وجوديًا مؤجلًا: وماذا بعد؟

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، خلال زيارته إلى قاعدة “كرباه” الجوية في 24 أغسطس الماضي، هدّد الحوثيين بـ”ثمن باهظ،” في تصريح استعراضي لا يخفي حجم الإرباك الذي ولّده الصاروخ الفرط صوتي الذي انطلق من عمق اليمن، وتفتت في الجو على شكل قنبلة عنقودية.

الهجوم لم يكن في توقيته أو نوعيته صدفة. فقد جاء بعد تحذير إيراني مباشر بأن طهران “مستعدة لأيّ مواجهة مقبلة،” وأن ما لم يُستخدم بعد، هو أقوى مما سبق.

القلق الحقيقي في إسرائيل لم يكن فقط في خسائر الهجوم، أو فشل القبة الحديدية، بل في ما يمثّله هذا الهجوم من تغيّر في قواعد الاشتباك.

◄ الصاروخ اليمني لم يكن مجرد قذيفة عسكرية، بل إنذار سياسي وإستراتيجي. إنه الصدمة التي أعادت طرح السؤال المؤجل داخل المؤسسة الإسرائيلية: أيّ مستقبل ينتظر إسرائيل بعد الحرب؟

الصاروخ اليمني لم يكن صاروخًا فقط، بل بيان إستراتيجي موقّع باسم محور إقليمي بالكامل.

التحليلات العسكرية في إسرائيل انشغلت فجأة بترسانة الحوثيين، ومصادر إطلاقها، ومدى تطورها. لكن التحليلات السياسية كانت أكثر قسوة: مستقبل إسرائيل بعد الحرب؟ ضبابي، منقسم، بل قاتم.

الجيش الإسرائيلي ردّ بعنف: عشرات الطائرات، أكثر من 40 صاروخًا، ضربات على العاصمة صنعاء. لكنّ الرسالة التي حملها الصاروخ اليمني كانت قد وصلت، وأحدثت الأثر: لم تعد إسرائيل تملك ترف الحديث عن “حرب محسوبة،” ولا عن “ردع فاعل،” بل تواجه محورًا يمتلك زمام المبادرة، ويعرف جيدًا متى يضغط، وأين يوجّه الضربة.

في موازاة ذلك، تعاني تل أبيب من حرب داخلية باردة: أزمة سياسية خانقة، انقسام مجتمعي غير مسبوق، وخوف وجودي يتعمق في الوعي الإسرائيلي.

الأصوات التي تتحدث عن “تمزق الدولة” و”تدمير الهيكل الثالث” لم تعد على هامش النقاش العام، بل في صلبه.

الأدهى من ذلك، أن هناك من بدأ يهاجر من إسرائيل، في ظاهرة عكسية لم تشهدها منذ تأسيسها.

أما دوليًا، فالصورة أكثر تعقيدًا. إسرائيل التي طالما راهنت على الغطاء الغربي بدأت تفقده تدريجيًا.

المجاعة في غزة، التي أُعلنت رسميًا لأول مرة في الشرق الأوسط من قِبل الأمم المتحدة ومجموعة من الخبراء الدوليين، كانت نقطة تحوّل. فالإدانة لم تعد حكرًا على خصوم إسرائيل، بل صدرت من دول حليفة، ووزراء استقالوا، وأحزاب غربية غيّرت مواقفها.

حتى فرنسا، الحليف التاريخي للولايات المتحدة، استدعت سفيرها الأميركي بسبب رسالة اعتبرتها “مهينة” على خلفية اتهامات بمعاداة السامية، في سابقة دبلوماسية.

◄ التحليلات العسكرية في إسرائيل انشغلت فجأة بترسانة الحوثيين، ومصادر إطلاقها، ومدى تطورها. لكن التحليلات السياسية كانت أكثر قسوة: مستقبل إسرائيل بعد الحرب؟ ضبابي، منقسم، بل قاتم

هذا التوتر يكشف مدى الانقسام داخل المعسكر الغربي نفسه حول طريقة التعامل مع إسرائيل، ويزيد من عزلة تل أبيب الدولية.

في الداخل الإسرائيلي، يتجاهل نتنياهو تحذيرات الجيش حول مخاطر احتلال غزة، بما فيها تهديد حياة المحتجزين واستنزاف الجيش. لكنه يُصرّ على اقتحام المدينة، ظنًا أنها “المعقل الأخير لحماس.” غير أن ما لا يدركه أو لا يريد الاعتراف به، أن الوعي المقاوم لا يمكن قتله بالقصف. بل إن سقوط حماس – إن حصل – قد يفتح الطريق أمام مقاومات جديدة، أكثر صلابة وربما أكثر تطرفًا.

وفي الشمال، تتكرر المعضلة مع لبنان. فمحاولات واشنطن عبر موفدها توماس باراك لفرض نزع سلاح حزب الله، لا تجد سوى الصمت والتصعيد. الحزب مستمر في التسلّح، ولو بوتيرة أبطأ، لكنه لا يزال يحتفظ بقدرة ردعية تُحسب له، ويشكّل معادلة قلق دائم لإسرائيل.

كل ذلك يدفعنا إلى سؤال جوهري: هل تملك إسرائيل خطة لليوم التالي؟ بعد السابع من أكتوبر 2023 لم تظهر أي معالجات إستراتيجية حقيقية للأزمات المركّبة التي تواجهها.

لا الداخل مستقر، ولا الخارج مؤيد بالكامل، ولا الميدان مطمئن. أما الدعم الأميركي، فمهتز أمام تحولات الرأي العام والإعلام، وحتى هوليوود بدأت تبتعد عن السردية الإسرائيلية التقليدية.

في ظل كل ذلك، يظهر نتنياهو وكأنه يُراهن على الحروب كوسيلة للهروب إلى الأمام، متغاضيا عن واقع سياسي مأزوم، وعجز حقيقي عن تقديم رؤية مستقبلية قابلة للحياة. لكنّ السؤال يبقى: إلى متى يمكنه مواصلة الهروب؟ وهل ستحميه الحرب من الانهيار السياسي، أم تعجّل بسقوطه؟

الصاروخ اليمني لم يكن مجرد قذيفة عسكرية، بل إنذار سياسي وإستراتيجي. إنه الصدمة التي أعادت طرح السؤال المؤجل داخل المؤسسة الإسرائيلية: أيّ مستقبل ينتظر إسرائيل بعد الحرب؟ وهل هناك فعلاً “يومٌ تالٍ” كما تأمل، أم أن الحسابات تغيّرت للأبد؟

6