إيران وباكستان.. تحالف الضرورة في مواجهة العزلة الدولية
زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة إلى إسلام آباد ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي بعد انتهاء حربه الأخيرة مع إسرائيل، بل تعبير واضح عن تقاطع إستراتيجي فرضته ظروف الجغرافيا والعداوات والمصالح.
لم تكن باكستان مجرد أول محطة خارجية للرئيس الإيراني الجديد، بل البوابة التي تطل منها طهران على آسيا الوسطى، وتعيد عبرها تشكيل أوراقها الإقليمية بعد تراجع نفوذها في الشرق الأوسط.
وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لخّص الموقف عندما قال في 7 أغسطس الجاري إن “الصداقة بين إيران وباكستان ليست مجرد تاريخ، بل استثمار إستراتيجي في المستقبل.”
كلام لا يخلو من دلالة، خاصة في ضوء هشاشة المشهد الإقليمي وتقاطع الملفات الأمنية، بدءًا من البرنامج النووي، ومرورا بالتوازنات الطائفية، ووصولاً إلى ممرات التجارة الدولية.
ورغم الاختلاف المذهبي العميق بين البلدين، حيث تمثل باكستان دولة سنية تقليدية بينما تتبنى إيران مشروع “ولاية الفقيه”، فإن ما يجمعهما اليوم يفوق ما يفرّق بينهما. فكلاهما يواجه ضغوطًا مباشرة من المشروع الإسرائيلي – الأميركي في المنطقة، وكلاهما يتوجّس من تصاعد الدور الهندي في التحالفات الدولية، وخاصة في ظل تقارب نيودلهي المتسارع مع تل أبيب وواشنطن.
الخطاب الباكستاني تجاه تل أبيب شهد تصعيدًا لافتًا، خصوصًا مع تهديد وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف بقصف إسرائيل نوويًا في حال سقط النظام في طهران.
بين تحديات الداخل وخيارات الخارج، وبين التقاء المصالح وتناقض الرؤى، يبدو أن طهران وإسلام آباد وجدتا لحظة التقاطع، حتى لو كانت مؤقتة
تصريح يعيد إلى الأذهان نبرة نيكيتا خروتشوف خلال أزمة السويس عام 1956. ورغم التصعيد إلا أن واشنطن لم تذهب بعيدًا في التوتر مع إسلام آباد، بل استقبلت قائد الجيش الباكستاني على مائدة غداء رسمية في يونيو الماضي، في إشارة واضحة إلى توازن المصالح فوق الاعتبارات الأيديولوجية.
التحالف الإيراني – الباكستاني لا يقوم فقط على العداء المشترك، بل أيضًا على القلق من التهميش في خريطة الاقتصاد العالمي. الممر الاقتصادي الذي وقّعته الهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في 2023 بمشاركة إسرائيلية، تجاهل تمامًا كراتشي وبندر عباس لصالح مسارات بديلة تمر عبر الخليج إلى أوروبا.
هذا التهميش دفع البلدين إلى تعزيز تعاونهما ضمن مشروع “الحزام والطريق” الصيني، في محاولة لإبقاء موانئهما على خارطة التجارة الدولية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي زار طهران مؤخرًا، لم يُخفِ تفضيله لتحوّل إيران نحو آسيا الوسطى. نصيحته الواضحة للرئيس بزشكيان كانت “أدِر ظهرك للشرق الأوسط، وركّز على آسيا الوسطى.”
وهكذا، تسارع طهران إلى توثيق علاقاتها مع دول الجوار الشرقي، من كابول إلى بيشكيك، في ظلّ صمت روسي مريب تجاه العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي شعر الإيرانيون بأنه لم يُقابل بموقف داعم من الكرملين كما كانوا يأملون.
في المقابل تجد باكستان ضالتها في هذا التوجه، وهي التي ترى في إيران شريكًا محتملًا لتحجيم الدور الهندي، لاسيما بعد التوتر الأخير بين إسلام آباد ونيودلهي، والذي كاد يتحوّل إلى حرب نووية في مايو الماضي.
صحيح أن العلاقات بين إيران وباكستان لطالما شابها التوتر بسبب نشاط جماعات البلوش على طرفي الحدود، إلا أن ما يجمع اليوم أقوى مما يفرّق. الطرفان يدركان أن تسوية النزاعات الداخلية ثمن مقبول لبناء جبهة إقليمية صلبة في وجه مشاريع الهيمنة الغربية والإسرائيلية.
ما يحصل بين طهران وإسلام آباد يمكن وصفه بـ”تحالف الضرورة”، لا تحالف القناعة. لكنه تحالف يمتلك من الواقعية السياسية ما يكفي لجعله فاعلًا في المدييْن القريب والمتوسط. فإيران، الخارجة من حرب والمطوّقة بالعقوبات، بحاجة إلى منفذ نحو الشرق. وباكستان، المحاصَرة في معادلة أمنية غير متوازنة مع الهند، تبحث عن حليف إقليمي يُخفف عنها الضغط ويمنحها أوراق قوة في التفاوض الدولي.
بين تحديات الداخل وخيارات الخارج، وبين التقاء المصالح وتناقض الرؤى، يبدو أن طهران وإسلام آباد وجدتا لحظة التقاطع، حتى لو كانت مؤقتة. والرهان الآن: هل ستنجحان في تحويل تحالف الضرورة إلى شراكة إستراتيجية حقيقية، أم ستبقى كل هذه الخطوات مجرد تحرّك عابر في مشهد إقليمي مضطرب؟