أبعاد ما يحدث في السويداء السورية
دعا وزير الشتات للاحتلال الإسرائيلي عميحاي شيكلي الثلاثاء الخامس عشر من يوليو الجاري، إلى تصفية الرئيس السوري أحمد الشرع واصفا إياه بـ”الإرهابي والقاتل الوحشي”.
شيكلي ليس الوحيد في حكومة بنيامين نتنياهو من يحرّض على الحكومة السورية، إذ قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في منشور له عبر منصة إكس، “المذبحة الوحشية التي ارتكبها نظام الجولاني ضدّ الدروز في جنوب سوريا تثبت أنهم لم يزالوا إسلاميين متطرفين عنيفين ووحشيين”.
لا تعليق حول تعمّد توصيف أعمال الجيش السوري بالإرهابية أو تأكيد أن أعماله وحشية، من قبل دولة مارقة تمارس أبشع أنواع القتل والتهجير القسري بحق الشعب الفلسطيني، تحديدا سكان قطاع غزة. لكن ما هو ملفت في تصاريح المسؤولين في إسرائيل هو ما أتى على لسان سموتريتش في منشوره عندما أكد أن “دولة إسرائيل لا تستطيع الانسحاب من المنطقة العازلة وجبل الشيخ (احتلتها بعد سقوط نظام الأسد) التي نحتاجها لحماية المستوطنات في مرتفعات الجولان”.
“الهم” الإسرائيلي ليس على مصير الطائفة الدرزية الكريمة، حيث الحالة الطبيعية لهذه الطائفة، كما سائر الطوائف، يجب أن تكون تحت سلطة وحماية الدولة السورية. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تصريحات صحفية الاثنين الماضي، داعيا إلى عدم تدخل أي طرف خارجي في الشأن السوري ووجوب احترام سيادة البلاد.
تتدخل إسرائيل في الشأن السوري تحت ذرائع متنوعة من تأمين حماية الأكراد إلى حماية الدروز، إلا أنّ الهدف يبقى واحدا وهجوم طائراتها على القطع والمراكز العسكرية للجيش السوري لا يمكن وضعه إلا ضمن خانة فرض واقع التمدد والتوسع لدولة إسرائيل في الجنوب السوري. ولكن بحسب المعطيات الميدانية، يطرح البعض تساؤلاته حول هذه الصراعات المتكررة إن كانت تحمل أبعادا من الصراع الإسرائيلي – التركي على أرض سوريا؟
لا يحتاج الموضوع إلى العناء الكبير من التفكير لكي يتأكّد أن ما يدور في سوريا، يتخطى الهواجس الدرزية التي تتجلى في المطالبة ببعض التعيينات أو ما شابه. التحرك هذا، أتى بعدما فشل، على ما يبدو اللقاء الذي كان مرتقبًا بين وزير خارجية البلدين في باكو عاصمة أذربيجان الاثنين الرابع عشر من يوليو الجاري برعاية أذرية واهتمام تركي.
لم تسر الأمور بحسب الرؤية الإسرائيلية للمنطقة، فموقف زعيم المختارة وليد جنبلاط من عدم الاعتراف بحماية إسرائيلية لدروز سوريا، يعتبر متقدما في قطع الطريق أمام تل أبيب للاصطياد في الماء العكرة. وإن جلّ ما تستطيع الحصول عليه إسرائيل من ضمانات هو العودة إلى اتفاق “فض الاشتباك” لعام 1974، هذا ما لفتت إليه صحيفة “الوطن” السورية من نتائج باكو، وما أكد عليه االشرع في لقاءاته التي أجراها هناك السبت الثاني عشر من يوليو.
هذا وكان قصر زوغولبا بالعاصمة باكو، شهد على أول زيارة رسمية للشرع إلى أذربيجان، في ظلّ مساعي الرئيس الأذري إلهام علييف لوضع حدّ للخلاف السوري – الإسرائيلي. ليس خفيا تلك العلاقة التي تربط تركيا بأذربيجان، حيث برزت بشكل واضح في الحرب التي خاضتها الأخيرة مع أرمينيا في شأن إقليم قرة باغ المتنازع عليه. كذلك تجمع باكو علاقة متينة مع الجانب الإسرائيلي تتجلى في التعاون الاقتصادي والأمني ما يعزز الروابط بينهما.
نظر الكثير بإيجابية إلى دور أذربيجان في معالجة القضايا الخلافية بين البلدين، إلا أنّ الواقع خرج عن دائرة الخلافات الحدودية الضيّقة بين سوريا وإسرائيل، ليشمل حسابات الربح والخسارة بين تركيا وإسرائيل. فسوريا التي دخلت ضمن دائرة الاهتمام الأميركي والخليجي، بهدف تفعيل الحضور السوري على قاعدة عودتها إلى الحضن العربي، بعدما تغرّبت كثيرا زمن النظام السابق، لا تنسجم مع المشروع الإسرائيلي الهادف إلى إدخال سوريا في حرب أهلية لإعاقة الحضور التركي المتمثل في العلاقة السليمة مع النظام الحاكم في بيت الشعب في دمشق.

المشهدية التي شاهدها العالم والتي أكدّت على نية الأكراد بحرق أسلحتهم، تأتي في سياق رفض الاقتتال الداخلي، والعودة إلى الحرب الأهلية. تلك الحرب التي لا يتمنى حصولها إلا الإسرائيلي لتعزيز حضوره في الجنوب السوري، وربما الإيراني ومن معه، لمحاكاة العودة إلى الوراء قليلا زمن هيمنة نفوذ وتعشعش حضوره في كافة مؤسسات الدولة لتعزيز مشروعه في المنطقة.
سقطت نظرية “حماية الأقليات”، وخرج الصراع السوري من دائرة تمكين النظام في الحكم، لاسيما وأن الانفتاح العربي والدولي كاف لانطلاقة مسار إعادة سوريا إلى وضعها الطبيعي. وسقط أيضا مشروع العودة إلى “بلاد الشام”، على الأقل عملانيا، بعدما استغله حزب الله ومن معه في لبنان كحجة للتمسك بسلاحه، رغم خروج البيانات الرسمية من دمشق تؤكد عدم وجود نوايا سورية في هذا الشأن. لكنّ هذا لم يدفع بتل أبيب إلى الاستسلام، بل رفع معادلة جديدة على أرض سوريا، تتضمن “جنوب سوريا مقابل شمالها”.
وجدت إسرائيل في عملية إقدام بعض الفصائل الكردية على تسليم السلاح للشرعية في سوريا، انتصارا دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا أيضا لتركيا، لهذا خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشيدا ببدء حزب العمال الكردستاني تدمير أسلحته، مؤكّدا أنها خطوة أساسية على طريق تركيا خالية من الإرهاب. على مثال هذه الخطوة يعمل الإسرائيلي في منطقة الجنوب السوري لجعل إسرائيل خالية من “رُهاب” الجبهة الجنوبية، وما قاله نتنياهو واضح في هذا الشأن قائلا إنه لم يسمح باستنساخ “حزب الله 2” على الجبهة الجنوبية في الجولان.
إن سوريا العروبة هي المطلوب دعمها، لاسيما وهي اليوم بحاجة ليس فقط إلى أمن مستتب على كافة أراضيها، بل إلى خطط إنقاذ اقتصادية واستثمارية تستطيع تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد، وهذا الأمر مرهون بالدور الخليجي أولا. لهذا يعلم الجميع أن سوريا لا تستطيع أن تكون تحت أي وصاية، مع إبعادها عن لعبة المحاور والاصطفاف، وما عليها إلا أن تبقى في عمقها العربي الطبيعي، فهل سيرضخ الإسرائيلي للضغوط الأميركية لوقف استهداف الجيش السوري، والعودة إلى طاولة المفاوضات على قاعدة الهدنة لا التطبيع أم سيستمر الإسرائيلي في استهدافه لأخذ سوريا منفردة عن لبنان إلى طاولة المفاوضات من أجل السلام أم بين هذا وذاك سيستغل الإيراني حالة التخبط الفوضوي ويعيد ترتيب أوراقه في سوريا لاسيما وأن الحملة التضليلية على الشرع لم تزل قائمة؟