الجانب المجهول في حياة مستر بين

وراء الصمت الكوميدي لمستر بين يقف إنسان جعل من ثروته وسيلة للعطاء ومن الضحك جسرا للرحمة.
الجمعة 2025/10/24
مستر بين: الضحك وفعل الخير وجهان لعملة واحدة

حين يُذكر اسم “مستر بين”، يتبادر إلى الذهن فورًا الرجل الصامت، غريب الأطوار، الذي أضحك الملايين بحركاته المبالغ فيها. لكن خلف الشخصية الكوميدية التي أصبحت أيقونة ثقافية، يقف رجل مختلف تمامًا: الممثل البريطاني روان أتكينسون، الذي لا يعرف كثيرون عن حياته جانبا يندر أن يتجلى في حياة النجوم، وهو فعل الخير.

تُقدّر ثروة أتكينسون بنحو 450 مليون دولار، وهو رقم يضعه بين أثرى الممثلين في العالم. ومع ذلك، فإن أسلوب حياته بعيد كل البعد عن البذخ. لا قصور فارهة ولا حفلات أسطورية ولا استعراض للماركات العالمية. بل على العكس، يعيش حياة متواضعة إلى حد يثير الدهشة: وجبته المفضلة هي البيتزا، ولا ينفق على نفسه أكثر من ثمانية دولارات يوميا لتناولها. خزانة ملابسه بسيطة، وغالبية ما يرتديه من متاجر عادية. هذه المفارقة بين ثروته الهائلة وبساطة حياته الشخصية تكشف عن فلسفة عميقة: أن القيمة الحقيقية لا تُقاس بالمظاهر، بل بما يقدمه الإنسان للآخرين.

وحين يتعلق الأمر بالعطاء، لا يعرف أتكينسون التردد. فقد تبرع بملايين الدولارات في مجالات متعددة، جعلت من اسمه مرادفا للكرم الخفي. أكثر من 15 مليون دولار خصصها لدعم المبادرات التعليمية، بهدف مساعدة الأطفال المحرومين. خمسة ملايين أخرى ذهبت إلى منظمات الصحة العقلية، دعما للذين يعانون من الاضطرابات النفسية، في وقت ما زال فيه الحديث عن هذه القضايا يواجه وصمة اجتماعية. أما البيئة، فقد نالت نصيبها من اهتمامه، إذ تبرع بما يزيد عن 7.5 مليون دولار لمشروعات حماية الحياة البرية.

الممثل الذي أضحك العالم بشخصية لا تتكلم كثيرا، اختار أن يتحدث بأفعاله لا بأقواله. وبينما يلهث كثير من النجوم وراء الأضواء، يقدّم أتكينسون نموذجا مختلفا: نجم عالمي يضع القيمة الإنسانية فوق المظاهر، ويجعل من ثروته وسيلة لإحداث فرق حقيقي في حياة الآخرين.

قد يكون هذا الجانب المجهول في حياة “مستر بين” هو ما يستحق أن يُروى أكثر من أي مشهد كوميدي. فبينما يضحك الناس على شاشات التلفزيون من حركاته الغريبة، هناك آلاف الأطفال الذين حصلوا على فرصة تعليم أفضل بفضل عطائه، ومرضى وجدوا دعما نفسيا في لحظات ضعفهم.

إن قصة روان أتكينسون تطرح سؤالا مهما على الأثرياء حول العالم: ماذا لو حذوا حذوه؟ ماذا لو تحولت الثروات الطائلة من وسيلة للترف إلى وسيلة للتغيير؟ ربما عندها يصبح العالم مكانا أكثر عدلا وإنسانية.

في النهاية، قد يظل “مستر بين” رمزا للضحك والبراءة في ذاكرة الأجيال، لكن الرجل خلف الشخصية يستحق أن يُذكر أيضا كرمز للعطاء والتواضع. فبينما يختفي كثير من النجوم خلف هالات مصطنعة، يظل أتكينسون مثالا على أن الشهرة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين أو حجم الثروة، بل بقدرة الإنسان على أن يترك أثرا طيبا في حياة الآخرين.

ولعل أبلغ اعتراف بمكانته جاء حين قلّدته الملكة إليزابيث وسام الإمبراطورية البريطانية عام 2013، تكريما لمسيرته الفنية التي أضحكت الملايين وأسهمت في ترسيخ الكوميديا البريطانية عالميا. تكريمٌ ملكي يذكّر بأن خلف شخصية “مستر بين” الصامتة يقف فنان وإنسان ترك أثرا يتجاوز الشاشة، وأن العطاء سواء في الفن أو في فعل الخير هو ما يمنح الشهرة معناها الحقيقي.

12