وماذا عن صحافيينا القتلى؟

بعد تسعة عشر عامًا من مقتل الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا، يأتي فيلم (كلمات الحرب) ليؤكد أن هذه السيدة الشجاعة بطلة شعبية عالمية في مقاومة الاستبداد.
الاثنين 2025/07/07
فيلم يستحق الاحترام لموضوعه

مثل أيّ مشاهد عربي لفيلم (كلمات الحرب)، تبادر إلى ذهني سؤالٌ متعلقٌ باضمحلال الحقيقة: وماذا عن الصحافيين العرب الذين قُتلوا بسلاح الميليشيات والحكومات معًا؟ من يصنع أفلامًا عنهم؟

وأتوقع أيضًا أن أيَّ مشاهد لهذا الفيلم، للمؤلف إريك بوبين وإخراج جيمس سترونغ، في دول العالم، سيتساءل عن صحافيّي بلاده من القتلى!

لكن الإجابة على هذا السؤال المشروع تأتي قبل شارة النهاية. لم تكن الروسية آنا بوليتكوفسكايا وحدها؛ فقد قُتل أكثر من 1700 صحافي خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية بسبب تغطيتهم لقصص كانت السلطات والميليشيات مستعدة لقتلهم لإبقائها سرّية.

تظهر في نهاية الفيلم صور ضحايا اضمحلال الحقيقة، بمن فيهم المراسلون العرب، في قائمة طويلة تشفي غليل المشاهد الباحث عن حق قتلى بلاده.

هذا الفيلم المخلص لقصة الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا، التي قُتلت عام 2006 أثناء حرب الشيشان، بدأ عرضه في الأسابيع الماضية تزامنًا مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، مثقل بالعاطفة والإصرار والشجاعة، في عالم صامت بسبب الخوف، فكانت هذه الصحافية تجسيدا للحقيقة التي لا يمكن إيقافها من قبل السلطات إلا بالقتل.

يمنحنا الفيلم أيضا شيئا مختلفا عن واقع الصحافة في روسيا. فالصورة السائدة على مدار عقود كانت محصورة في أخبار صحيفة “برافدا” الدعائية التي لا تجد من يصدقها من القراء. وبينما وُجد من الصحافيين الشجعان مثل القتيلة بوليتكوفسكايا، وُجدت أيضًا صحيفة روسية تصنع خطابها بشجاعة، اسمها “نوفايا غازيتا”، وقفت في وجه التضليل المتعمد، حيث مصادر الأخبار مجزأة ومنعزلة، ولا يوجد فهم مشترك للمفاهيم الأساسية كالحقائق، والإثباتات، والتفكير النقدي.

الصراع مستمر بين السلطة والصحافة، وقصص قتل الصحافيين من العراق حتى غزة وإيران أكثر إيلامًا مما نتصور

كانت بوليتكوفسكايا (مثّلت دورها ماكسين بيك) مراسلة لـ”نوفايا غازيتا”، تنشر قصصًا عن الحرب الروسية في الشيشان. حاول الروس إيقافها بالتهديدات والإساءات والسم. حطموا جهاز تسجيلها، وتسببوا في فصل زوجها من العمل، وهو محاور تلفزيوني روسي بارز. وفي النهاية، أطلقوا عليها النار.

تلك هي خلاصة هذا الفيلم الموجع، الذي يتكرر وجعه باستمرار من العراق حتى غزة وإيران، بينما يفلت الجناة من العقاب.

نكتشف أن رئيس تحرير هذه الصحيفة، ديمتري (مثّل دوره كياران هيندز)، مخلص لجوهر الحقيقة، ويجد نفسه في هذه الصحيفة، بينما كان بمقدوره أن يعمل براتب أعلى في صحف حكومية أخرى.

يخبر ديمتري المراسلة آنا “لستُ بحاجة إلى مراسل حربي؛ فالجميع لديه واحد من هؤلاء. نحن بحاجة إلى مراسل شعبي: حساس، متعاطف، ولكنه أيضا قويّ الشخصية، مستعد لمواجهة الأقوياء بطرح أسئلة صعبة.”

كانت آنا المراسلة التي ينطبق عليها هذا الوصف، وكانت نهايتها تعبر عن استعدادها للمخاطرة بحياتها لنقل القصة على حقيقتها.

أحد المشاهد الباهرة في الفيلم هو محادثتها الحذرة مع أحد الضباط الروس المُرسَلين لتخويفها، لعبها بذكاء ماكر ولمسة من الفكاهة الممثل إيان هارت. كانت محادثة تهديد، لكنها لا تخلو من الفلسفة والنصح قبل أن يُتخذ قرار قتل آنا!

وصف منتج الفيلم، الفنان شون بن، الذي طالما عبّر عن تعاطفه مع محنة العراق وفلسطين، بأن الفيلم “شخصيّ أكثر من كونه جدليًّا.”

من الواضح أنه ليس جدليًّا. حجته الوحيدة هي قول الحقيقة. إنها دراما مبنية على قصة حقيقية تُروى تقليديًّا، لكنها ليست شخصية تمامًا؛ لأن هناك الكثير مما يشبهها في دول العالم الأخرى، وليس في روسيا وحدها.

وبالنظر إلى كل ذلك، يستحق الفيلم الاحترام لموضوعه؛ فالصراع مستمر بين السلطة والصحافة، وقصص قتل الصحافيين من العراق حتى غزة وإيران أكثر إيلامًا مما نتصور.

وبعد تسعة عشر عامًا من مقتل الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا، يأتي فيلم (كلمات الحرب) ليؤكد أن هذه السيدة الشجاعة بطلة شعبية عالمية في مقاومة الاستبداد، لاسيما في ظل تصاعد القمع في كل مكان، والتهديدات المستمرة للصحافيين.

18