هدى أمون لـ"العرب": إعجاب القراء أعظم جائزة ينالها الكاتب

على العرب الاهتمام بروائييهم في حياتهم لا بعد مماتهم.
الخميس 2025/07/31
وردة بالحياة خير من تلال ورد بعد الرحيل

في عالم تموج فيه الحكايات وتتقاطع فيه الذاكرة بالوجدان، تبرز أقلام تنسج من الكلمات حيوات كاملة، تنبض بالحقيقة كما بالخيال، ومن بين هذه الأقلام يسطع اسم الكاتبة والروائية السورية هدى أمون. "العرب" تحاورها حول عوالم الإبداع وبداياتها، وعن المرأة والوطن في نصوصها، وعن الأدب كنافذة للحرية والانتماء، متطرقين إلى رؤيتها لمستقبل الرواية العربية في زمن التحولات.

اختارت هدى أمون أن تجعل من الكلمة سلاحا ناعما تقاوم به النسيان، وتستحضر من خلاله تفاصيل الوطن والإنسان. وهي التي بدأت في عوالم الكتابة منذ نعومة أظفارها.

تقول لـ”العرب” حول بداياتها: “في الطفولة والمدرسة كنت مراقبة هادئة ولكن أعيش غضبا داخليا حول ما يستفزني إنسانيا وفكريا، وتولدت في ذهني استفسارات عديدة، لم أزل في حالة البحث عن كنهها كطبيعة البشر وتقبل شرور النفس، كحالة النفاق حيث يتجمل الشخص أمام الناس بحسن التعامل وهو في الحقيقة متوحش بهيئة إنسان.”

وتضيف كنت أتساءل: “لماذا الأذية؟ كيف يستمتع البعض بالأذية؟ ألا يعلمون أن الحياة تدور وسوف تعود أذيتهم للغير عليهم؟ ولماذا تقام الحروب على بلداننا النامية؟ هل يستمتع صناع الحروب بإفقار وتجويع الشعوب ليتحكموا بالناس عبر لقمة العيش؟ ولماذا وجدت فكرة الحرب والعنف أصلا واستثمرها تجار الأذية لتحقيق أهداف جشعهم؟ لماذا يستمتع البعض باستضعاف البعض الآخر إنسانيا ويتمتع بإهانتهم وإذلالهم؟”

الكتابة رسالة

الكاتبة تؤكد أنها وجدت في الرواية المتنفس الشاسع القابل لطرح العديد من المواضيع الوجودية والفكرية والبحث والتأمل
◙ الكاتبة تؤكد أنها وجدت في الرواية المتنفس الشاسع القابل لطرح العديد من المواضيع الوجودية والفكرية والبحث والتأمل

تقول أمون: “أسئلة عديدة راودتني وحثتني على الكتابة والتنفس عبر العالم الأدبي الواسع. ولم أزل قارئة غير عادية أقرأ بشغف وتأمل يصل إلى عمق تحليل النص والكاتب. وأكثر ما كان يأسرني لساعات في القراءة هو شغفي بالقصص والروايات. كنت في أيام المدرسة والجامعة أستمتع في البحوث التي تتعلق بالأدب وعلم النفس والخيال، ومنذ عام 2000 بدأت بنشر بعض كتاباتي في الصحف المحلية السورية والعربية ثم جمعت في عام 2007 كتاباتي في مجموعتي القصصية الأولى ‘باقة ورد في عيد الحب‘ الصادرة عن دار التوحيدي للنشر في حمص، وقد تضمنت بعض القصص والنثريات.”

أما عن دوافعها إلى اختيار الرواية كجنس أدبي تعبر من خلاله عن أفكارها وهمومها، تقول الكاتبة: “بداية أحببت الكتابة وجدت فيها متنفسا مدهشا فيها أحاور أفكاري وقناعاتي عبر السرد ومن خلال الحوار بين أبطال رواياتي وهذا عالمي الفكري الجميل.”

وتضيف: “اتجهت نحو كتابة الرواية لأنها تمنحني مساحة أكبر للإضاءة على المواضيع الهامة وإبراز ثغرات الواقع القاتمة في الأصعدة كافة. وكانت روايتي ‘ليل شكسبيري‘ العمل الروائي الأول لي بعد عدة مجموعات قصصية (‘باقة ورد في عيد الحب‘ و‘أنا وأنت والمجهول‘ و‘أحبك‘ و‘لقاء‘ و‘حلقات متلظية‘) ومشاركة بعض أعمالي في كتب تجمع كتاب الوطن العربي في سورية ومصر والعراق والأردن. ونالت روايتي الأولى استحسان القراء والنقاد العرب وقد تضمنت في رسالتها عدة مواضيع فكرية. كتبت بعدها روايتي الثانية ‘سيمفونية عباد الشمس‘ وروايتي الثالثة ‘كارمالوڤ‘ وروايتي الرابعة والخامسة والسادسة.”

تسأل “العرب” أمون عن الموضوعات أو القضايا التي تحرص دائما على تضمينها في أعمالها، فتجيبنا بأن هنالك قضايا عديدة موجعة في عالمنا العربي أو الشرقي ويبقى أهمها القضايا الاجتماعية وحق الإنسان في العيش الكريم. مضيفة: “أسعى إلى تضمين رواياتي عموما لبعض المواضيع الحياتية الاجتماعية والفكرية الإنسانية والنفسية والوجودية. وجدت في الرواية المتنفس الشاسع القابل لطرح العديد من المواضيع الوجودية والفكرية والبحث والتأمل.”

أما عن شخصيات رواياتها وهل هي مستوحاة من الواقع، أم أنها وليدة الخيال بالكامل، تقول هدى أمون: “الواقع هو المنهل الرئيسي لعالم رواياتي، إن الإخلاص للحقيقة في خلق أبطال الرواية والخوض في معاناتهم الواقعية المرسومة بدقة ورقة يقرب العمل الروائي من حياة الناس ويشد المتلقي للرواية أكثر. وحتى الشخصيات الخيالية أستمد روحها من الواقع حتى لو صغتها بسبك خيالي.”

وتتابع حول شخصياتها النسائية أنها “في ‘ليل شكسبيري‘ منحت المرأة قوة جعلتها لا تستسلم للنوائب فلم تستسلم للفقر أو لكل ما يمتحن ضعفها. تشغلني قضية المرأة ويضنيني التفاعل السلبي للمجتمع معها، فلم تحصل المرأة على حقوقها الإنسانية بعد برغم المظاهر الاستعراضية الزائفة العديدة المنتشرة عن نيل المرأة لحقوقها.”

◙ الواقع العربي بسلبياته السياسية واضطراباته يؤثر على الأدب عموما كما يؤثر على مختلف المجالات الإبداعية والثقافية

تحضر المرأة في كتابات أمون وهي ترى أن المرأة في الرواية تعبر عن واقع المجتمع ومدى تفاعلها مع محيط قيودها. وحين تحظى المرأة بحقوقها الإنسانية سيتطور المجتمع لما يخدم الإنسانية وسنحظى بالمجتمع السوي نفسيا وفكريا، لأن المرأة هي التي تبني الإنسان فعليا وإذا عاشت في بيئة تقدرها سينعكس ذلك خيرا على الجميع، وإذا أهانها محيطها وهمشها وأذلها سينعكس ذلك سلبا على الجميع، فهي نواة المجتمع الأساسية واهتمام الرواية بقضية المرأة هو اهتمام بالحياة التي تليق بالإنسان.”

الأدب يسعى إلى خلق الصورة السوية التي ترقى بالواقع الإنساني للمجتمع ولا سيما واقع المرأة.. وإبراز الصورة المعاكسة التي تشرح المعاناة التي تعيشها شخصيات الرواية.. وغالبا يكون القراء من هواة المعرفة والتطور وأهل الثقافة والفكر وهم البناة الأكثر تفاعلا مع شرائح المجتمع ونواة تحديث الفكر السائد لنمط الحياة والتعامل به بين الناس.. ويعيش القارئ الحدث الروائي عبر اللغة الواضحة والسرد المرهف المدروس والحوار الروائي الواعي الذي يصل إلى أذهان الناس ويلامس مشاعرهم بالإضافة لتجليات الأحداث الواقعية أو الفكرية ومنطقيتها وصولا إلى النهاية المؤثرة.. وقد تتشكل لدى القارئ رؤية معينة ربما تساعد في ردم بعض الثغرات الواقعية في الحياة.. فكل رواية هي تجربة حياة كاملة ومن يقرأ كثيرا يعيش أكثر من حياة.

تسأل “العرب” الكاتبة السورية حول أسلوبها الأدبي، وهل تحرص على البساطة أم تعتمد اللغة الرمزية والتجريب؟ تجيبنا أمون: “الكتابة هي وسيلة وصول الرسالة الأدبية إلى المتلقي عبر اللغة، فإذا كانت تلك اللغة غير مفهومة أو رمزية لدرجة الغموض، فكيف ستصل إلى المتلقي ولاسيما إلى ذلك الحديث على عالم الكتابة والقراءة؟”

أما عن الكتاب الذين أثروا في أسلوبها الأدبي فتقول: “قرأت للعديد من الروائيين القدماء كألكسندر دوماس الكبير وتأثرت بأسلوبه السردي الذي يجذب القارئ إلى أروقة رواياته ويتميز بالعزف الماهر على مشاعر القراء، وكان ألكسندر دوماس الأب يركز على إمتاع القارئ بتقديم قصة مشوقة، أكثر من اهتمامه بالتقييمات النقدية، كان يكتب للجماهير، وليس للنخبة المثقفة. ومن أقواله: ‘الكتابة عمل شاق، ولكن يجب أن تستمتع به‘. وقرأت لدستويفسكي وتأثرت بالتركيب المعقد لشخوص رواياته، كما تأثرت بأدب إيفان تورغنيف وشكسبير باولو كويلو وغابرييل غارسيا ماركيز وأغاثا كريستي وإيميلي برونتي، ومن الأدباء العرب طه حسين وجبران خليل جبران والعديد العديد من الكاتبات والكتاب في الوطن والعالم فعالمهم الأدبي هو عالمي الجميل.”

الروائي والقارئ

◙ ذاكرة كبيرة
◙ ذاكرة كبيرة 

نسأل الكاتبة هدى أمون عن تعاملها مع النقد، وهل أثر في مسارها الأدبي سلبا أو إيجابا، تقول: “بالنسبة إلى النقد، كل أديب نضجت رؤاه وذائقته الأدبية تتعمق لديه ملكة النقد ويصبح بإمكانه تمييز العمل الأدبي الجاد من سواه. وهنالك من يبني ويثري الأدب بلغة أدبية حكيمة تضيف للكاتب وعمله وهنالك من يهدم بسبب فهمه السلبي الخاطئ للنقد البناء الذي لا يخفى على كاتب ولا يقف ضده من يسعى إلى الجودة في نتاجه الأدبي. النقد عموما في سلبيته أو إيجابيته يصب في مصلحة الكاتب وعمله الأدبي. لا خوف من لومة لائم أو ناقد في عالم الأدب لأن الاستمرار والتقدم هو الفوز الحقيقي للأديب.”

أما عن تعليقات القراء فتقول: “حظيت كتاباتي ولاسيما رواياتي باهتمام بعض الأدباء والنقاد في بلدي سوريا والعالم العربي. وهذا أسعدني وسررت أيضا بردة فعل إحدى طالبات الجامعة بعد أن قرأت روايتي وأخبرتني عن مدى تأثرها بأحداث الرواية حيث قالت ‘لقد بكيت مع أبطال الرواية في الأحداث الحزينة وضحكت معهم في لحظات مرحهم ولم أستطع ترك الرواية برغم أنني كنت قد قررت قراءة فصل واحد فقط ولكن لم أكتفِ وشدني السرد إلى متابعة الأحداث إلى نهاية الرواية‘، وتكررت ردة الفعل العفوية هذه من قبل العديد من القراء وهذا ما زاد ثقتي بأنني أمضي على الطريق الصحيح في مجالي الروائي.”

تسأل “العرب” أمون عن واقع الرواية العربية اليوم فتجيبنا: “الواقع العربي بسلبياته السياسية يؤثر على الأدب عموما كما يؤثر على مختلف المجالات الإبداعية والثقافية، وضمن الظروف السلبية نجد أن البعض يحاول إحباط المبدع الحقيقي وثني عزيمته. ووضع المرأة أشد بؤسا، إن تألقت كثرت محاولات إحباطها من قبل بعض محدودي الفكر. إن الاهتمام بالرواية العربية يحتاج إلى الاهتمام بكتاب وكاتبات الرواية ومنحهم التقدير الذي يستحقونه في حياتهم وليس بعد مماتهم. وردة بالحياة خير من تلال ورد بعد الرحيل. الغرب يمجدون مبدعيهم ونحن نحبط مبدعينا مع الأسف، ونحاول محوهم بدلا من الاهتمام بهم وترجمة أعمالهم لوصولها إلى العالمية.”

أما عن الجوائز الأدبية ومدى إيمانها بها، فتقول: “لا أحد ينكر أهمية الجوائز ومساهمتها في انتشار العمل الفائز ولكن العمل الذي يصل إلى القراء ويحظى بإعجابهم فقد نال أعظم جائزة. ولكن الوضع المادي للكاتب في هذه المرحلة الحرجة سياسيا يؤخر انتشار كتبه لذا فهو بحاجة إلى الاهتمام الحقيقي بأعماله.”

13