مها العتيبي لـ"العرب": أطمح أن تصل أعمالي إلى القارئ العالمي
مها العتيبي صوت نسائي مميز، يبحر في مواضيع وقضايا سعودية وعالمية، بوصلته المرأة السعودية، فهي تكتبها عبر أشعارها، تستفزها، وتحررها من القيود والتقاليد البائدة. وفي لقائها مع "العرب"، توضح الشاعرة كيف بدأت نظم الشعر؟ من أثر فيها؟ من دعمها؟ وإلى أي مدى هي سعودية الهوية والصوت والقلم؟
تُعد الشاعرة الدكتورة مها العتيبي واحدة من أبرز الأسماء في المشهد الثقافي والأدبي السعودي، حيث جمعت بين رصانة البحث الأكاديمي ووهج الإبداع الشعري والروائي. تميزت بإسهاماتها في إثراء الساحة الأدبية الخليجية، وحصدت جائزة “إبداعات المرأة الخليجية” في الشارقة تقديرا لعطائها وتميزها. عُرفت العتيبي بقدرتها على المزج بين الأصالة والحداثة في أعمالها، وقدمت روايات وأشعارا موجهة لليافعين والكبار على حد سواء، أبرزها روايتها “رحلة الفتى مالك” التي لاقت صدى واسعا بين القرّاء. بفضل حضورها الأدبي وإسهاماتها الثقافية، أصبحت نموذجا للكاتبة السعودية التي تحمل رسالة فكرية وجمالية تتجاوز الحدود المحلية إلى فضاءات عربية وعالمية أرحب.
وتقول الشاعرة لـ”العرب”، “بدأت الكتابة منذ سن مبكرة، حين تحسست جمال اللغة وانسيابية وزنها وجمال الشعر الذي شدني إلى عالمه وبدأت حينها أكتب قصائد صغيرة ولم أتجاوز الثانية عشرة. فالشعر هو الذي منحني الحرية والتعبير معًا، حتى أدركت أن الشعر في حياتي ليس مجرد هواية فقط بل أصبح أسلوب حياة، وجزءا من الشخصية والتكوين الذي شكلني وشكلته ليكون صوت الشاعرة ورأيها وعمقها، فكنت أكثر وعيًا بما يمكن أن تقدمه القصيدة من تأثير وتغيير”.
وحول تأثير البيئة السعودية والأسرة في تشكيل شخصيتها الأدبية وكيف ترى موقع الشعر في حياتها، ترى العتيبي أن “البيئة السعودية غنية بالتنوع والعمق الثقافي، فهي أرض خصبة للشعر بكل أنواعه. أما أسرتي فقد شجعتني على المضي قدما في طريق الشعر وكتابته، ودعمت ثقتي بشعري ومنجزي الإبداعي إلقاء ونشرا ومشاركات”. وتابعت تقول “أصبح الشعر اليوم بالنسبة لي هوية وذاكرة، فهو لغتي التي أتمثلها دائما ومرآة الروح وجمالية الفن، الشعر انتماء وهذا موقعه بالنسبة لي”.
أما حول أبرز القضايا التي تحرص الشاعرة على التعبير عنها بقصائدها، وهل أنها تكتب الشعر بدافع الإلهام اللحظي؟ قالت الشاعرة “أكتب عن القيم الإنسانية الكبرى مثل الحرية، الحب، الحلم، الهوية والوطن، هذه القضايا تتكرر في شعري لأنها جزء من تكويني، أو ما يشتق عنها من تحولات وقيم، والتي تتمثل في عناوين دواويني أيضا، مثل المرأة ومشاعرها كما في عنوان ديوان ‘شغف’ وديوان ‘رهيد’ وديوان ‘مقام’، وكتبت أيضا عن الحنين والعاطفة في ديوان ‘جنين بين قوسين’، والحلم الذي يأخذ بالروح وبالإنسان معا مثل ديوان ‘أشدد بكفك أحلامي فقد أصل’، وكتبت أيضا عن الهوية المتمثلة في الانتماء إلى الوطن والحب والاعتزاز بالتراث الوطني والعربي في ديوان ‘حضارة الرمال’ و’ارتعاش الصريم’ وديوان ‘لوعة الطين’ الذي كان اعتزازا بالهوية”. وأضافت “القصيدة تولد من لحظة إلهام، ثم تبدأ تندمج بروحها وأفكارها ولغتها لتصبح جزءا من مشروعي الشعري الذي ميزني”.
◄ الشعر اليوم بالنسبة لي هوية وذاكرة، فهو لغتي التي أتمثلها دائما ومرآة الروح وجمالية الفن، الشعر انتماء
سألناها كيف تعكس أعمالها قضايا المرأة في المجتمع السعودي؟ وهل للأدب القدرة على تغيير الصورة النمطية عن المرأة؟ فأجابت “المرأة حاضرة بقوة في نصوصي، ليس كرمز تقليدي بل كصوت مفكر وفاعل. أقول: مُرِّي على شغفٍ يُضيء بداخِلي شعرًا ويلثمُ في القلوبِ جَواها.. يستمطرُ الأيامَ أن قدْ بَاركي صوتَ الأنوثِة في احتفالِ صَداها.. أنا أسعى لأن أظهر المرأة بوصفها شريكا أساسيا في صناعة الوعي، الشعر بالنسبة لي مساحة للمرأة كي تعلن وجودها وتعيد صياغة خطابها الشعري”.
وتابعت “بالتأكيد، الأدب يملك قوة هائلة في تشكيل الخيال الجمعي. عندما نكتب صورًا جديدة للمرأة، فإننا نزرع في الوعي الجماعي إمكانية التغيير، ونفتح نافذة على رؤية أكثر اعتدالاً وأكثر قربًا من واقعها الاجتماعي والثقافي”.
وسألت العرب الشاعرة مها عن رأيها في حضور الكاتبات السعوديات اليوم في المشهد الأدبي العربي، وكيف تتعامل مع النقد الأدبي، سواء الإيجابي أو السلبي؟ وهل تعتبر أن النقاد أنصفوا تجربتها الشعرية؟ فقالت “أرى أن الكاتبات السعوديات اليوم يقدمن تجارب غنية ومتنوعة. هناك أصوات رسخت حضورها محليا وعربيا. الحراك الثقافي الذي نعيشه منح المرأة السعودية مساحة أكبر للتعبير، وجعل حضورها أكثر وضوحا وتأثيرا، وأتعامل مع النقد كنافذة تضيء على النص. أقدر النقد البنّاء الذي ينير الطريق، أؤمن بأن الشاعر بعد كتابة القصيدة ونشرها، لا بد أن يكون واعيا لأثر تلقيها لدى القراء والنقاد”.
وتابعت تقول “هناك عدد من الكتابات النقدية عن تجربتي الشعرية، وأشكر كل من كتب عني، ولكن منتجي الشعري على ما أعتقد يحتاج إلى المزيد من القراءات النقدية المتأنية”.
أما عن رأيها في علاقة الكاتب بجمهوره في عصر التواصل الاجتماعي، وأحلام الشاعرة مستقبلا، فقالت “العلاقة بالجمهور اليوم مباشرة وفورية، هذا جميل لأنه يختصر المسافة، لكنه أيضًا يضع الكاتب أمام مسؤولية كبيرة، وهي مدى التلقي للنص في فضاء عام مليء بالتفاعل، وأحلم بأن تصل أعمالي إلى العالمية، وأن تترجم إلى لغات عدة، وأن أساهم في إيصال الصوت الأدبي السعودي إلى أبعد مدى ممكن”.
وأوضحت الشاعرة تصورها الذاتي لمستقبل الأدب السعودي خلال العقد القادم، حيث ترى “أن الأدب السعودي يسير بخطى واثقة نحو التألق والانتشار، فقد باتت الأصوات الأدبية الشابة أكثر جرأة في طرح قضايا المجتمع، وأكثر انفتاحا على التجارب الإنسانية المشتركة. خلال السنوات العشر القادمة سيشهد الأدب السعودي تنوعاً أكبر في الأجناس الأدبية، سواء في الرواية أو الشعر أو أدب الطفل، كما سيبرز دور المرأة الكاتبة بشكل أوضح، وستزداد الترجمات للأعمال السعودية، مما يمنحها حضورا عالميا. وإنني مؤمنة بأن العقد القادم سيكون عقدا ذهبيا للأدب السعودي، حيث يجمع بين الأصالة المحلية والتجديد المعاصر”.
وعن حصولها على جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية، وما الذي ميز تجربتها الأدبية وجعلها تحظى بجائزة مميزة من بين الكثير من الأسماء المبدعة، قالت “أعتقد أن ما ميز تجربتي هو صدق الصوت واللغة الشعرية العميقة، وقدرتي على الموازنة بين التراث والحداثة، وتنوع الاتجاهات الشعرية بانسجام في ديواني الفائز بالجائزة وهو ديوان ‘أشدد بكفك أحلامي فقد أصل'”.
ختمنا حوارنا بسؤال عن رواية “رحلة الفتى مالك” الموجهة لليافعين التي حظيت باهتمام لافت، سألناها ما الفكرة الأساسية التي أرادت إيصالها من خلالها؟ وكيف وجدت تفاعل القراء مع هذا العمل؟ فقالت “الفكرة الجوهرية هي أن رحلة البحث عن الأمنيات هي في حقيقتها رحلة لاكتشاف الذات والقيم الإنسانية الكبرى. والرواية وجدت تفاعلا عند صدورها، فهذه الفئة تحتاج إلى الكتابة لها بوعي وفن أدبي إبداعي يعزز القيم ويشبع رغبة الأدب والمغامرة والاكتشاف”.
