هاجر كريكع لـ"العرب": فيلم "موفيطا" تجربة إنسانية صادقة
عرض فيلم "موفيطا" للمخرج المغربي الغزواني معدان ضمن المسابقة الرسمية في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الخامسة والعشرين، وكان لـ"العرب" لقاء مع الممثلة هاجر كريكع التي تشارك في العمل حيث قدمت لنا لمحة عن موضوع العمل وتجربة المخرج الشاب في تقديم سينما جادة تناقش الواقع المغربي.
صرّحت هاجر كريكع في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته الـ25 أن فيلم “موفيطا” للمخرج الشاب الغزواني معدان يمثل تجربة مختلفة ومؤثرة في مسارها الفني. وقالت إن “هذا العمل يحمل وجعًا إنسانيًا صادقًا، لأنه يسلّط الضوء على فئة من المجتمع تعيش التهميش بصمت، ويكشف قسوة الفقر والحرمان في ثمانينات المغرب. ما شدّني في الفيلم هو صدقه، وجرأته في طرح موضوع بسيط في ظاهره لكنه عميق في رمزيته.”
وأضافت أن الفيلم، الذي تبلغ مدته 118 دقيقة، ينتمي إلى الدراما الاجتماعية الواقعية الممتزجة بسخرية سوداء، ويقدّم حكاية أسرة فقيرة تتخبط بين الفقر والمرض والعجز عن توفير أبسط شروط العيش الكريم، حتى يصبح المرحاض نفسه رمزًا لإنسانية مهدورة في واقع قاسٍ.
وتابعت الممثلة أن المخرج الغزواني معدان اختار أن يعبّر من خلال فيلمه عن حالة عامة تعيشها الكثير من الأسر المغربية، حين يتحوّل الطقس الاجتماعي السيء إلى عنوان للحياة اليومية، لذلك فالفيلم لا يروي قصة عائلة واحدة، بل يحكي عن واقع جماعي يعيشه الناس في صمت.
واعتبرت هاجر كريكع أن مشاركتها في العمل جاءت بدافع الإيمان بالسينما التي تساءل الواقع وتلامس الإنسان في ضعفه وكرامته المهدورة. وأضافت أن ما يميز هذا الفيلم أنه لا يسعى إلى ترفيه الجمهور بقدر ما يجعله يفكر ويشعر ويتألم، وفي الوقت نفسه يبتسم أمام مفارقات الحياة القاسية، لقد كان العمل تجربة إنسانية قبل أن يكون تجربة فنية.
وشهدت مدينة طنجة انطلاق عروض المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم، الذي سيستمر إلى غاية السبت المقبل. وكان من أبرز العروض في اليوم الافتتاحي عرض فيلم “موفيطا” (طقس سيء) للمخرج الغزواني معدان، الذي يعد أول تجربة روائية طويلة له بعد نجاحه في الفيلم القصير “غربان” الذي توّج بالجائزة الكبرى وجائزة النقد في دورة 2018 من المهرجان ذاته.
ويقدّم الفيلم حكاية عائلة فقيرة تعيش في أحد أحياء الثمانينات الهشة، عبر عيون طفل يبلغ من العمر عشر سنوات يعيش مع والده ووالدته وشقيقه الرضيع في منزل موروث عن الجد، وبينما يحاول الأب الذي يجسده الممثل عبدالنبي بنيوي مجابهة ضغوط الحياة اليومية وتدبير لقمة العيش، تتفاقم معاناته حين يطالبه شقيقه بنصيبه من الإرث، ليتم اقتسام المنزل بينهما بطريقة تجعل الأسرة محرومة من المرحاض الوحيد الذي أصبح في جهة العم، وهذا الحدث البسيط ظاهرياً يتحول إلى مأساة رمزية، إذ يجد أفراد العائلة أنفسهم في مواجهة انتهاك إنسانيتهم الأساسية، إذ يتحول قضاء الحاجة اليومية إلى معركة يومية ضد العوز والإذلال.
يتعامل الغزواني معدان مع الفقر كحالة وجودية وإنسانية متجذرة، يوظف من خلالها المرحاض كرمز لفقدان الكرامة، حينما يصبح غياب هذا الفضاء الصغير علامة على الانكسار والحرمان الطويل، ويبرز تكوين اللقطات مأزق الإنسان المغربي في فترات اقتصادية قاسية، حين يتحول الواقع الاجتماعي نفسه إلى طقس سيء، أي إلى حالة عامة من الاختناق الوجودي، تتجاوز المطر والبرد لتطال القلوب والعقول.
وينقل المخرج أسلوبه المميّز من فيلمه القصير “غربان” إلى “موفيطا” عبر اعتماد لقطات بطيئة، وإيقاع سردي متأنٍ، يركّز على الجزئيات الصغيرة كطريقة لوصل المعنى الكبير الكامن خلف التفاصيل اليومية، بينما تستفيد المشاهد من ديكورات بسيطة ومضبوطة بعناية تعزز الشعور بالاختناق داخل فضاء العائلة، كما أبدع المخرج في استخدام الضوء والظل لإبراز التناقض بين الداخل والخارج لعائلة فقيرة، وبين الفقر الداخلي للإنسان والخراب الاجتماعي الذي يبدأ من الأسرة، وهذه المعالجة البصرية تجعل المتفرج يعيش داخل المأساة دون خطابة أو مباشرة، بل عبر تراكم المشاعر الخافتة التي تتحول تدريجيا إلى مأساة صامتة.
ويُعد أداء عبدالنبي بنيوي في دور الأب إحدى أهم نقاط القوة في العمل، كونه يقدّم صورة مركّبة للأب المقهور الذي تكسره الحياة دون أن تُطفئ فيه روح الكرامة، ويتحدث جسده بقدر ما يتحدث صوته، في تجسيد دقيق للانكسار الداخلي. كما تألقت هاجر كريكع في دور الأم، مجسّدة صورة المرأة الصامدة في وجه العوز والمرض والخذلان، فيما قدّم الممثلان محمد مروا وعبدالغني الصناك حضورا داعما متماسكا أضاف بعدا إنسانيا للدراما العائلية.
ويتجاوز فيلم “موفيطا” حدود السرد الواقعي إلى مساحة من الرمزية الاجتماعية والسياسية، إذ يطرح سؤال الكرامة في مجتمع لا يمنح للفقراء سوى بقايا الأمل، من خلال مأساة المرحاض، إذ يذكّرنا العمل بأن الفقر يُقاس بما نملكه وبما نُحرم منه من أبسط حقوقنا الإنسانية، وهذه الفكرة، رغم بساطتها الشكلية، تُقدَّم عبر بناء سينمائي متين ولغة صامتة أحياناً، ناطقة بالوجع في الكثير من الأحيان.
وجاء عرض الفيلم ضمن منافسة قوية ضمّت خمسة عشر فيلما روائيا، من بينها “أفريكا بلانكا” لعز العرب العلوي، و”في حب تودا” لنبيل عيوش، و”المرجا الزرقا” لداوود أولاد السيد، و”الوصايا” لسناء عكرود، و”أرض الملائكة” لرشيد فكاك، إلا أن “موفيطا” هو أول أفلام المخرج الشاب، وقد يتميّز عن البقية بجرأته البصرية وبمقاربته غير المباشرة للفقر، مبتعدا عن الخطاب الدعائي أو التلفزيوني، ليقدّم سينما إنسانية صافية تتحدث بلسان من يعيشون في الظل وبلغة الصورة التي هي لغة السينما أساسا.
ويوقّع الغزواني معدان اسمه ضمن الجيل الجديد من المخرجين المغاربة الذين يراهنون على السينما كأداة للتفكير لا للتسلية، وعلى الصورة كوثيقة إنسانية ضد النسيان، كون فيلم “موفيطا” هو مرثية للفقراء وصلاة للكرامة، يذكّرنا بأن الطقس السيء الحقيقي ليس المطر، وإنما الظلم الاجتماعي الذي يبلّل كرامة الإنسان قبل ثيابه.
ويعتمد الفيلم على لغة سينمائية صافية تُركز على تفاصيل الحياة اليومية للفقراء، مبتعدًا عن الخطاب الترفيهي التجاري، وهذا يجعله من الأعمال التي لها جمهور محدود جدًا، يكاد يُعدّ على رؤوس الأصابع. فالمخرج الغزواني معدان يقدّم رؤية مكثفة للواقع الاجتماعي، حينما يتحول البسيط إلى مأساة، مثلما يتحول فقدان المرحاض إلى رمز للكرامة المهدورة، وهذه اللغة الدقيقة، التي تمنح كل لقطة عمقها الدرامي الخاص، لا تخاطب الجماهير الواسعة وإنما فئة من ذوي الذوق الرفيع والمشتغلين بالسينما والمهرجانات، الذين يقدّرون قدرة الصورة على سرد الواقع بطريقة رمزية ومكثفة.
وينتمي “موفيطا” إلى نوعية أفلام المهرجانات وسينما المؤلف، التي تُبنى على الملاحظة الدقيقة والتأمل في تفاصيل الحياة اليومية، لتكشف عن التناقضات الاجتماعية والإنسانية من خلال قوة الصورة، والعمل يثبت أن السينما المغربية بخير، خاصة عندما تُستخرج الإنسانية من ركام الفقر والحرمان في مشاهد قوية. وهذه المقاربة تمنح العمل طابعًا خاصًا، يضعه ضمن قائمة الأفلام التي تُقدّر في المهرجانات، بعيدًا عن السوق التجاري، ليصبح مرثية للإنسانية الصامتة واحتفاءً بالكرامة رغم ضيق الحياة وظروفها القاسية.