مواقع التواصل عين الأمن المصري في ضبط أعمال العنف والبلطجة
أدى تفاعل الناشطين على المنصات الاجتماعية في مطاردة الخارجين على القانون وتصوير أعمال البلطجية إلى تَغيُّر نظرة الحكومة لهذه المنصات والتعامل معها كعين لها في الشارع المصري للرقابة على السلوكيات والتصرفات المسيئة.
القاهرة - لم يعد يمر يوم في مصر دون أن تُعلن وزارة الداخلية عن ضبط أشخاص التقطت لهم مقاطع فيديو أثناء قيامهم بأعمال عنف وبلطجة وترهيب وارتكاب سلوكيات مخالفة للقانون، وتقرر التعامل مع ما يُبث وينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره بلاغا رسميا يستدعي الضبط والتحقيق.
ومنذ تكليف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للأجهزة الأمنية قبل أيام بالانتشار على الطرق والمحاور المرورية لضبط المخالفين من سائقي السيارات عقب تكرار الحوادث، وتحولت مواقع التواصل إلى جهة رقابية شعبية تستهدف ضبط إيقاع الشارع، ومواجهة الخارجين على القانون ببث مقاطع فيديو موجهة للأجهزة الأمنية.
وتحوّلت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على فيسبوك مؤخرا إلى نشرة للإعلان عن ضبط من ظهروا في مقاطع فيديو صورها مواطنون، وبات الكثير ممن يتفاعلون مع تلك المقاطع على قناعة بأنه في غضون ساعات قليلة سوف تُعلن وزارة الداخلية عن ضبط المتورطين، وهو ما يتحقق بالفعل ويتم نشر الضبطية للرأي العام.
وبلغ الأمر حد قيام الأجهزة الأمنية بضبط خارجين على القانون يظهرون في مقاطع مصّورة على الشبكات الاجتماعية، بعد نشرها مباشرة، وآخرها شاب كان يستقل “توك توك” وحاول ترهيب سائق سيارة وهدده بالاعتداء عليه، فقام الأخير بتصويره ونشر فيديو الواقعة وتفاعل معها متصفحو فيسبوك وضبطت الشرطة المتهم فورا.
وتحوّل تصوير المخالفين أثناء ارتكابهم أعمال بلطجة من مجرد أخذ الحق بقوة القانون، إلى هواية بحيث يتم تخليص المجتمع من تلك الفئة، حيث تجاوزت البلطجة السلوك الفردي، وهو ما ترفضه الدولة، وصارت أجهزتها تتعامل بجدية كبيرة وهي مدفوعة بتحركات إيجابية تقوم بها الشرطة والمؤسسة القضائية.
ويستيقظ مصريون كل يوم تقريبا على حادثة مصورة ومثارة على الفضاء الإلكتروني، وما يلبث الفيديو أن يتحول إلى قضية رأي عام، ويسارع جهاز الشرطة للتفاعل مع الواقعة، مدعوما بترحيب شعبي لما يقوم به، من سرعة في ردة الفعل.
وأسهم التعاطي الإيجابي من الأجهزة الشرطية والقضائية بقوة شبكات التواصل بعد أن أقرت الحكومة بتحولها إلى مظلة لتقبل الشكاوى والاستغاثات، وجعلت منها شريكا في ضبط إيقاع العدالة، وتثبيت هيبة الدولة، وهو التوجه الذي يختلف بشكل جذري في نظرة النظام الحاكم للشبكات الاجتماعية بأنها مثيرة للمنغصات السياسية.
وقاد تفاعل جمهور منصات التواصل الاجتماعي في مطاردة الخارجين على القانون إلى تَغيُّر نظرة الحكومة كثيرا لتلك المواقع، حيث تعاملت معها من قبل كمنبر يروج الشائعات ويثير الجدل والبلبلة، ومع الوقت أدركت قيمتها عندما قررت الاستفادة منها، وجعلها رقيبا على سلوكيات وتصرفات المواطنين والمسؤولين السلبية.
وكثيرا ما تطرق الرئيس السيسي إلى ما يثار من مشكلات على شبكات التواصل والتدخل لحلها، ما منحها قوة مضاعفة ووجد كثيرون في ذلك وسيلة مثالية ومتنفسا خاصة لمن لا يستطيعون الوصول إلى كبار المسؤولين وصناع القرار لتوصيل المطالب والشكاوى والاستغاثات، في ظل ابتعاد وسائل الإعلام التقليدية عن الشارع.
وظل خلاف الحكومة المصرية مع مواقع التواصل أنها تركز فقط على السلبيات وتنفخ فيها بشكل غير مبرر حتى بدت وكأنها تعادي تلك الشبكات وقررت فرض رقابة عليها، وصلت حد سن عقوبات لمن يروجون الشائعات، وبعد أن نجحت تلك المنصات في إثارة الكثير من التصرفات التي يُعاقب عليها القانون، أدركت الحكومة أنها لم تعد مجرد فضاء إلكتروني للفضفضة.
ويعتقد خبراء أن القوة الصاعدة للشبكات الاجتماعية في مصر أمر طبيعي ومنطقي أمام تهاوي صورة الإعلام التقليدي، وعزوف أغلب الجمهور عنه مقابل التركيز على مواقع التواصل لتكون منبرا للمعلومة والشرح والتفسير وإثارة المشكلات وحلها من مؤسسات رسمية، وباتت الكثير من الصحف والقنوات تبني موضوعاتها وفق ما يثار على مواقع التواصل، وليس العكس.
المصريون يستيقظون كل يوم تقريبا على حادثة مصورة ومثارة على الفضاء الإلكتروني، وما يلبث الفيديو أن يتحول إلى قضية رأي عام
وأمام المعاملة الخاصة من الحكومة لشبكات التواصل، قرر جمهورها التمادي في إثارة السلبيات التي تستحق التدخل الفوري لعلاجها، حتى نجحت بكفاءة في انتزاع لقب حزب المعارضة، لأن ما تفعله تلك المنصات تعجز عنه أغلب الأحزاب السياسية والأغلبية البرلمانية ووسائل الإعلام التقليدية، بعد أن صارت الأكثر متابعة ومصداقية وتأثيرا في توجيه الرأي العام.
وقال الخبير في شؤون الإعلام الرقمي ومنصات التواصل خالد برماوي إن التفاعل الإيجابي الرسمي مع الشبكات الاجتماعية عزز من نفوذها، حتى أصبحت الوسيلة الأهم عند المصريين على مستوى التفاعل والمتابعة الخبرية والإبلاغ عن الشكاوى، وصارت شريكة فاعلة في ضبط المنظومة الأمنية، وهذا يُحسب للجهاز الشُرطي الذي يتعاطى بجدية واضحة.
وأضاف لـ”العرب” أن صعود نجم منصات التواصل في مصر ارتبط بنجاحها في انتزاع قرارات رسمية بمحاسبة مخطئين ومتجاوزين، وهذا لا ينتقص من الإعلام التقليدين لأن دوره أكبر من تلقي بلاغات واستغاثات بل متابعة مستجدات كل قضية بناء على التحركات الرسمية، والوضع الآن يشير إلى وجود تكامل بين مهام منصات التواصل والإعلام.
وهناك ميزة أخرى مرتبطة بأن القوة الصاعدة للشبكات الاجتماعية تدفع بعض المؤسسات الحكومية للتعامل بردة فعل سريعة مع كل ما يثيره الناس على المنصات، لإدراكها خطورة التراخي عن مجاراة ما يحدث على الفضاء الإلكتروني، وبعد أن كانت الروايات الرسمية تتأخر لأيام أصبحت لا تستغرق بضع ساعات وتظهر للناس.
وبالنظر إلى ما يحدث من تفاعل بين النيابة العامة والشرطة وجمهور شبكات التواصل، فالواضح أن العلاقة قائمة على منطق التشارك لضبط الشارع وتطبيق القانون، ويدرك كل طرف أنه سيكون من الصعب الوصول إلى وضعية مثالية في المجتمع بلا مساعدة جماعية، وهو ما لم يحدث سابقا بسبب موقف الحكومة السلبي من مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن اللافت أن الحسابات الرسمية لوزارة الداخلية والنيابة العامة تتابع تعليقات الجمهور عن كثب، لتحدد مدى رضا الشارع عن قراراتها تجاه الخارجين عن النص والمخالفين للقانون، وقد يصل الأمر حد إصدار بيان صحافي للرد على التعليقات التي يكتبها متابعو الحسابات الشرطية والقضائية لحسم الجدل حول قضية بعينها.
وبلغ التناغم بين أطراف تلك المنظومة أن النائب العام لديه إدارة مختصة بمتابعة كل ما يثار على منصات التواصل والتفاعل مع الجمهور وتعريفهم بأحدث البيانات والقرارات والمعلومات حول القضايا التي يتم تسليط الضوء عليها من جانب نشطاء، لاسيما ما يتعلق بوقائع عنف وبلطجة وخروج على القانون وترهيب مواطنين.
وبعيدا عن مبررات الحكومة ومؤسساتها في التعاطي مع مواقع التواصل كمنابر رقابية، فالواقع أثبت في مناسبات عدة أن جمهور الشبكات الاجتماعية لا يدخل معركة إلا وهو على قناعة بالخروج منتصرا، ما ضاعف من أزمة الإعلام التقليدي الذي لا يُسمح له بالحرية الكاملة في تناول قضايا شائكة قبل أن تثار على منصات التواصل.