مشروع قانون لتقاسم الأعباء المنزلية في تونس يثير ردود فعل واسعة

تباين في الآراء بين من يرى أن القانون يهدف لتغيير الصورة النمطية للأدوار الأسرية وبين من يؤكد على تداعياته السلبية على التماسك الأسري.
الخميس 2025/08/14
مسؤوليات مشتركة

تونس - كشف النائب في مجلس نواب الشعب التونسي يوسف طرشون أنّ “البرلمان يعمل حاليًّا على مشروع قانون جديد يتعلّق بتقاسم الأعباء المنزلية بين الزوجيْن بهدف تغيير الصورة النمطية للأدوار الأسرية وتغيير عقلية الرجال من أجل تحمّل المسؤولية خاصّة في تربية الأبناء،” وهو ما قوبل بردود فعل واسعة واستغراب من تدخل القانون في العلاقات الشخصية.

وأوضح طرشون، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “صباح الورد” على إذاعة "جوهرة أف.أم”، أنّ “المرأة العاملة لديها أعباء مثلها مثل الرّجل ويجب الانطلاق في تغيير هذا الفكر السائد من خلال المنظومة التربوية ووسائل الإعلام،” مشيرًا إلى أنّ “الكتب المدرسية على سبيل المثال تجسّد هذه الفكرة من خلال وضع المرأة في المطبخ والأب لا يشارك في الأعباء المنزلية.”

وشدّد على أنّ “مشاركة الأب في تربية أبنائه ومساعدة الزوجة في الأعمال تعتبران وجها من أوجه العدالة الاجتماعية وبالتالي من المهم تغيير هذه الصورة النمطيّة.”

ورغم أن كلام النائب يعتبر مصيبا في الجانب الذي يتعلق بضرورة تغيير وجهة النظر السائدة بشأن الأعباء في العائلة التونسية التي تتحمل فيها المرأة جانبا كبيرا من المسؤولية، من خلال المدرسة وتوعية الأطفال بهذه المسؤولية وضرورة تقاسمها في الأسرة، إلا أن الحديث عن تدخل المشرع لتنظيم العلاقة الزوجية في المنزل لاقى استهجانا واسعا، فكيف يمكن للقانون ضمان امتثال الزوج؟ وهل من المنطقي تطبيق عقوبات على مخالفة القانون؟ وما هي التداعيات السلبية التي سيجرها مثل هذا التشريع على تماسك الأسرة؟

وبرزت ردود فعل واسعة على المقترح في مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها من ذكر أن الأعمال المنزلية تتضمن التنظيف والطبخ، فهل من المنطقي أن يشتكي أحد الزوجين إلى القضاء في حال لم يقم أحدهما بهذه الأعمال؟ مضيفا أن الأعباء المنزلية لا تتطلب قانونا بل تفاهما بين الزوجين وتنظيم جلسات توعية من قبل منظمات المجتمع المدني لترسيخ المساواة في الحقوق والواجبات داخل الأسرة.

واقترحت فئة أخرى أن يقوم النائب باقتراح تشريع للتقاسم الشامل للأعباء والأعمال المنزلية وخاصة الميراث، متسائلة هل سيجرؤ النائب على اقتراح المساواة في الميراث؟ ورأى آخرون أن مثل هذه الاقتراحات تساهم في تأخير سن الزواج وزيادة العنوسة وتعمل على تخريب العائلة التونسية.

يوسف طرشون: المرأة العاملة لديها أعباء مثلها مثل الرّجل
يوسف طرشون: المرأة العاملة لديها أعباء مثلها مثل الرّجل

في المقابل كان هناك طرح لقي استحسانا وترحيبا لدى الكثيرين يتعلق بعطلة الأمومة، وقال طرشون إن “قانون عطلة الأمومة والأبوة، الذي مرّت سنة على دخوله حيز التنفيذ، يعتبر مكسبا نوعيًا لتونس مقارنة بالتشريعات العربية،” مشيرًا إلى أن “هذا التقدم يندرج ضمن مسار طويل من الريادة التونسية في مجال حقوق المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956.”

وفي نهاية يونيو الماضي أقرّ البرلمان في تونس نصا جديدا يمنح الأبوين إجازة لفترة أطول بعد الولادة، في إطار خطة اجتماعية لدعم حقوق النساء، وسمح قانون عطلة الأمومة بمراجعة النص القديم الذي يعود إلى عام 1967.

ونصّ القانون على استحداث عطلة ما قبل الولادة، وزيادة فترة عطلة الولادة إلى ثلاثة أشهر، واستحداث عطلة ولادة لفائدة الأم التي وضعت طفلاً ميتا، إضافة إلى رفع مدة عطلة الأبوة إلى عشرة أيام، وتطبيق عطلة ما بعد الولادة على مؤسسات القطاع الخاص، وزيادة فترة راحة الرضاعة. وتزامن حديث طرشون مع الاحتفال بالذكرى الـ69 لصدور مجلة الأحوال الشخصية في تونس، وبهذه المناسبة دعت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى إدخال إصلاحات على القوانين، بما يعزّز المساواة الفعلية بين الجنسين وحماية مكتسبات المرأة من أي تراجع.

وطالبت الجمعية بوضع سياسات عمومية أكثر عدالة تراعي أوضاع النساء في مجالات التشغيل والحماية الاجتماعية. وأكدت على ضرورة تطوير مجلة الأحوال الشخصية بما يتماشى مع المعايير الدولية، ومواجهة مشاريع القوانين التي تقلص دور المرأة في الحياة العامة، مشددة على أهمية بلورة برامج للحد من البطالة والفقر والعنف ضد النساء، ودعم حقوق الفئات الأكثر هشاشة.

ودعت إلى إدخال إصلاحات قانونية على مجلة الأحوال الشخصية تشمل مراجعة بعض أحكامها المتعلقة بالولاية على الأسرة والمهر والميراث، بما ينسجم مع قيم المساواة والعدالة الاجتماعية. ولفتت إلى ضرورة حماية الحقوق المدنية والسياسية للنساء، وضمان حرية التعبير والمشاركة في الشأن العام.

كما شددت المنظمة على ضرورة الإسراع في وضع خطة إصلاح شاملة للقطاع الصحي العمومي، تضمن تحسين الخدمات وتوفير التجهيزات والموارد البشرية اللازمة، مؤكدة أن الحق في الصحة يعد من أولوياتها.

ويحاول البرلمان التونسي تعزيز حقوق النساء العاملات من خلال تشريعات جديدة تمنحهنّ إمكانية الارتقاء الوظيفي والاضطلاع بدورهنّ في رعاية أسرهنّ، لاسيّما اللواتي يرعين أطفالاً من ذوي الاحتياجات الخاصة. واقترح عدد من النواب مؤخرا مشروع قانون لدعم الأمهات وتيسير الحياة العائلية بعد نحو 8 سنوات من مصادقة البرلمان في تونس على قانون حماية المرأة من العنف.

ويقترح مشروع القانون الذي نشر على الموقع الرسمي لمجلس النواب توفير إمكانية حصول النساء على مساعدة اجتماعية تشمل منحة شهرية للأمومة تُحدد بحسب عدد الأطفال دون سن الـ12، بقيمة لا تقل عن 150 دينارا (52 دولارا) للطفل الأول، و100 دينار (32 دولارا) لكلّ طفل إضافي. كما يفرض مشروع القانون أن توفر الشركات الكبرى أماكن لرعاية الأطفال، أو التعاقد مع مراكز رعاية، وضمان الحق في العمل بدوام جزئي (نصف يوم أو عن بُعد) مع مراعاة متطلبات الإنتاجية من دون المسّ بحقوق المرأة المهنية أو أجورها.

ويوفر المشروع أيضاً الحماية اللازمة للنساء من الفصل أو الاستبعاد من العمل بسبب إجازة الأمومة، ووضع آلية للإبلاغ الإداري من أجل حماية الموظفات من التحرش، كما تنص بنوده على ضرورة السماح للنساء الحوامل أو المرضعات بتأجيل أو إعادة جدولة امتحاناتهنّ المهنية لضمان ظروف تقييم عادلة ومتوازنة.

15