محمد الناصر أبوزيد لـ"العرب": لو لم أعمل في الإذاعة ما كنت مارست الأدب

الأدب والإعلام صنوان لا يفترقان.
السبت 2025/08/02
ما لأجل الجوائز خلق الله الكتابة

الجمع بين عالم الصحافة والكتابة الأدبية موضوع مازال منذ عقود يؤرق الكثيرين، فرغم تشابه العالمين جزئيا فإنه من الغالب أن ينتصر أحدهما على الآخر، بينما قليلون هم من جعلوا المجالين يستفيدان من بعضهما البعض، على غرار الإذاعي الأديب المصري محمد الناصر أبوزيد، الذي كان لـ"العرب" معه هذا الحوار حول تجربته.

القاهرة - الحياة تبدأ بعد الستين. هذه مقولة شائعة، قد يظنها البعض نوعا من جبر الخواطر والتسرية، إلا أنها في حياة البعض الآخر حقيقة واقعة، لاسيما أولئك المرتبطين بالثقافة والأدب، بالحركة الدائبة والعمل، وليس مثل الإعلام عمل يتصل بالفكر والنشاط، الإبداع والحيوية.

تنطبق هذه المقولة على الإذاعي الأديب المصري محمد الناصر أبوزيد، الذي أتم فترة عمله مديرًا لإذاعة “البرنامج الثقافي” في الإذاعة المصرية، ويستعد للعودة بشكل مكثف للكتابة وإصدار الكتب، بعد نشر أعمال عدة فيما سبق حول العمل الإذاعي والإبداع الأدبي.

الإذاعة والأدب

رغم إعجابه برواية "مئة عام من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز، إلا أنه لم يستطع إكمال قراءتها، لأسباب تتعلق بضخامة العمل واحتوائه على عدد كبير من الشخصيات بأسماء غير عربية

يكشف أبوزيد في حديثه لـ”العرب” عن الارتباط الوثيق بين تجربته الأدبية ومهنته كإذاعي، كأن الأدب والإعلام صنوان لا يفترقان في حياته، بل إن الإذاعة كانت سببًا في بداية طريقه إلى الأدب ومحركًا له، وبدأ ذلك مبكرًا، في بدايات عمله الإذاعي عام 1995.

جسدت قصة “السفنجة” ونشرها في جريدة الأهرام المسائي، اللحظة الفارقة في حياة الكاتب، عندما يرى أن لديه نصًّا صالحًا، وينشره بالفعل، لذلك يعتبر أن تجربته الإذاعية وتجربته الأدبية متضافرتان بشكل يدهشه، ربما لم يحدث مع إذاعي آخر في جيله مارس الكتابة الأدبية.

صدر لمحمد الناصر أبوزيد كتاب “الراديو.. فن الممكن والمستحيل”، ورواية “محكيات المعبد”، ومجموعتان قصصيتان هما “المملوك” و”حجَّاكم الله”.

جاءت الخطوة الأولى له في درب الإذاعة محررًا في الشؤون السياسية بإذاعة “وادي النيل”، وعندما اجتاز امتحان المذيعين ومقدمي البرامج قرر العمل في المجال الإذاعي الثقافي، ووجده أقرب إلى تكوينه، فقد نشأ على مكتبة والده الأزهري الحاصل على “العالمية” من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وكان في مرحلة الدراسة قارئا نهما.

انتقل أبوزيد من إذاعة “وادي النيل”، للعمل مقدمًا للبرامج الثقافية بإذاعة “صوت العرب”، وكان أول برامجه في شهر رمضان بعنوان “على الأصل دوَّر (ابحث)”، إذ كان شغوفًا بالبحث عن أصول الأشياء، وتشغله قضية الأصالة والمعاصرة منذ بداية عمله الإذاعي.

المفارقة أنه بدأ العمل في الصحافة قبل الإذاعة، وهو يدرس الصحافة في كلية الآداب من خلال صحيفة “صوت سوهاج” وبعد تخرجه، حيث تدرب فترة في صحيفة “الأيام”، التي كانت تطبع في مؤسسة “أخبار اليوم”.

ونشر مقالًا بعنوان “إرادة العظماء وأحلام الغلابة” عن الحرب العراقية – الإيرانية، في الأشهر الأولى من عام 1988، وبعد عدة أشهر توقفت الحرب التي استمرت ثماني سنوات، وقتل فيها أكثر من مليون إنسان من الجانبين، وكان يقول من باب الدعابة إن مقاله أنهى الحرب العبثية.

يعتبر الأديب الإذاعي أن قراره العمل في البرامج الثقافية منحه شيئًا غاية في الأهمية، هو الاحتكاك بالحركة الثقافية في مصر والعالم العربي باتساع وعمق، ما كان له أثر واضح على تطور تجربته في الكتابة الأدبية.

ويسترجع معالم الرحلة والأيام قائلًا “أظن أنني لو لم أعمل في الإذاعة، أو الإعلام، ما كنتُ مارستُ الكتابة الأدبية، إلا أن الأثر غير الإيجابي للعمل على الإعلاميين الأدباء هو استهلاك الوقت، ويحتاج الأديب أن يكون على وعي بذلك، حتى يستطيع أن ينظم وقته بين المهنة والكتابة الأدبية”.

طموح الكاتب المشاركة في تأسيس مدرسة أدبية عربية حديثة، تنبع من عمق الأزمة العربية الكارثية الحالية
طموح الكاتب المشاركة في تأسيس مدرسة أدبية عربية حديثة، تنبع من عمق الأزمة العربية الكارثية الحالية

نجح أبوزيد في ذلك إلى حد ما، كما يقول، لكن مؤخرًا مع التقدم في العمر وتراكم التكليفات الإدارية، لم ينشر كتابًا منذ عام 2013، وكان آخر ما نشره رواية “محكيات المعبد” الصادرة عن سلسلة “روايات الهلال”، واكتفى بنشر القصص والمقالات في الصحف والمجلات.

يعتز محمد الناصر أبوزيد بتجربته الأخيرة كمدير عام لإذاعة البرنامج الثقافي “البرنامج الثاني سابقا”، فقد استطاع من خلال الإمكانات المتاحة وهي قليلة أن يحدث فارقًا في المحطة عن ذي قبل، بشهادة محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية الذي كان يصفه بالمدير الناجح، وقام بالتعاون مع زملائه الإذاعيين ورئيس الشبكة الثقافية دينا عبدالمجيد بإعداد خارطة برامج إذاعية استمر العمل بها بعد إحالته إلى التقاعد.

وبعد طي صفحة الإذاعي في حياته، يستعد الآن بأكثر من نشاط، منها إصدار كتاب يجهز له حاليًّا ولم يكشف عن فحواه، كما بدأ بنشر عدد من القصص والمقالات، ويرى أنه لم يعد لديه العذر في قلة المشاركة في الفعاليات الثقافية، والعودة إلى ممارسة النشاط الثقافي.

حتى عام 2016، شغل عضوية مجلس إدارة نادي القصة المصرية لمدة 12 عامًا، وأسس أول مكتبة عامة متخصصة في السرد بمقر النادي، وأول موقع إلكتروني له، وشارك في تقديم أول مسابقة في القصة على شكل ورشة كتابة للشباب.

وتمكن عندما كان أمينًا لصندوق النادي من بيع أكثر من 12 ألف كتاب من مرتجع مطبوعاته، في تجربة فريدة، حيث وجه الدعوة لأعضاء النادي المقتدرين ماليا لشراء هذه الكتب بسعر مخفض، ثم أوكلوا إلى النادي مهمة إهدائها للمكتبات العامة والتجمعات الثقافية والأعضاء، بعد أن كانت الكتب مكدسة في مخزن بالمقر القديم لنادي القصة، وتمثل خطرًا من حيث قابليتها للحرائق أو مركزًا لتجمع الفئران والحشرات.

الكتابة فعل مقدس

بداية نسج خطوط كتاب جديد
بداية نسج خطوط كتاب جديد

أجرى محمد الناصر حوارًا طويلًا نادرًا، لم ينشر حتى الآن، مع الأديب الكبير الراحل محمد جبريل، يفكر في نشره على حلقات بأيّ من الصحف أو المجلات الثقافية، كما يفكر في طباعته في كتاب.

ويكشف لـ”العرب” أن الحوار تضمن آراءً لجبريل، ربما لم تنشر له من قبل، حول الأدب والصحافة والسياسة، ومنها توجيهه نقدًا قاسيًا لرباعية “داريل” عن الإسكندرية، وتأكيده أنه لم يقرأها إلا بعد أن أنجز “رباعية بحري” عن عشقه الكبير للمدينة، كما تضمن موقفه من المثقفين العرب ولماذا وجه لهم تهمة الخيانة، والعلاقة بين عناد الثيران عند نجيب محفوظ وعناد أمواج البحر عند محمد جبريل.

برغم إعجابه برواية “مئة عام من العزلة” لغابرييل غارسيا ماركيز، إلا أنه لم يستطع إكمال قراءتها، لأسباب تتعلق بضخامة العمل واحتوائه على عدد كبير من الشخصيات بأسماء غير عربية، ما جعل تركيزه يضعف تجاه السرد، ويظن أنها لو كانت لكاتب عربي، وأسماء الشخصيات عربية، لكان قرأها منذ زمن.

يقرأ الأديب المصري لكل المدارس، لكن له طريقة خاصة في الكتابة تطورت مع الزمن منذ أن نشر أول قصة في نهاية التسعينات حتى آخر قصة له منذ أشهر في مجلة “الثقافة الجديدة” بعنوان “نظرية فضل الله وَلْد عبد العَفوّ”.

الأديب المصري يقرأ لكل المدارس لكن له طريقة خاصة في الكتابة تطورت مع الزمن منذ نشره أول قصة
الأديب المصري يقرأ لكل المدارس لكن له طريقة خاصة في الكتابة تطورت مع الزمن منذ نشره أول قصة

ويقول في حديثه لـ”العرب” إن أسلوبه تطور بلا شك، وفقا لتطور الموضوعات، فقد كتب عن الريف في البداية، وكان أقرب إلى الرومانسية، والآن صار يكتب عن المدينة بعد سنوات من الكدح فيها، “الكتابة عن المدينة تقربك من الواقعية، وفكرة أن أنتمي إلى مدرسة بعينها لم تخطر على بالي مطلقا”، فهو يكتب وفقا للسؤال النقدي: أين يكون التميز إذا كنت تكتب مثل الآخرين؟

يعتبر أن المدارس الأدبية ارتبطت بظروف وأوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية عالمية لم تعد هي الأوضاع نفسها حاليًّا، لذا علينا أن نبحث عن مدرسة جديدة إن جاز التعبير.

ويوضح لـ”العرب” أنه في هذه المرحلة يطمح إلى المشاركة في تأسيس مدرسة أدبية عربية حديثة، تنبع من عمق الأزمة العربية الكارثية الحالية، بعيدًا عن أي تكتلات أيديولوجية، وبوعي وعزيمة وإنكار ذات، “نحن نحتاج إلى إنشاء مدرسة أدبية جديدة وإلى مبدعين ومفكرين كما الرهبان”.

لا تُعبر الجوائز الأدبية حاليا عن واقع خارطة الابداع العربي، في رأي محمد الناصر، فهناك مبدعون كبار لم يحظوا بجوائز، أو لم يهتموا بالتقدم إليها، ويعتبر أن الجوائز التي تمنحها الحكومات لا تزال هي الأكثر قيمة، لموضوعية التقييم، ولأن حيثيات منح الجائزة تكون أكثر اتساعًا من الجوائز الخاصة، كما يرى أن الجوائز ذات القيمة المالية المرتفعة خلقت حالة من الزخم.

ويختم حديثه لـ”العرب” قائلا “الجميع يكتب الرواية الآن حتى الشعراء، من أجل نيل جائزة مالية كبيرة، إلا أننا لم نحصل على نص روائي استثنائي يتخطى نجيب محفوظ مثلا.. ما لأجل الجوائز خلق الله الكتابة.. إنما الكتابة نشاط إنساني يرقى إلى درجة التقديس، قدرك أن تكتب، فلقد خُلقتَ لكي تكون كاتبا”.

12