قائمات "الدول الآمنة" لا تحل مشكلة الهجرة غير الشرعية

من خلال تسريع عمليات الترحيل إلى البلدان التي يتم تصنيفها على أنها "دول آمنة" تُصدّر أوروبا ضغوطها الداخلية وتزرع ولو من غير قصد بذور عدم الاستقرار على الضفة الأخرى من المتوسط.
الأربعاء 2025/07/23
دول آمنة أم ساحة ترحيل؟

أدرجت المفوضية الأوروبية المغرب ومصر وتونس ضمن قائمة أعدتها لما أسمتها “بالدول الآمنة” في أوائل أبريل الماضي. لم تكن بذلك القرار تعني الترويج للسياحة في تلك البلدان، ولم تكن تقصد”مكافأة” الدول المعنية لتعاونها مع أوروبا في مجال ضبط الهجرة.

كان الاتحاد الأوروبي واضحا في أهدافه. قال إن هذه “القائمة الأولى من نوعها للدول الأصلية الآمنة للمهاجرين” وُضعت لتمكين دول الاتحاد الأوروبي من معالجة طلبات اللجوء بنجاعة أكبر.

بعبارة أخرى، كان الهدف هو إنشاء نظام يوفر سرعة أكبر في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا، والتخفيف من عبء طلبات اللجوء من خلال تسهيل عمليات طرد مقدمي الطلبات من بين مواطني الدول المدرجة في القائمة.

◄ النهج الأمني لن يوفر الحل الأمثل للهجرة غير النظامية وخلافا لما يتوهمه البعض في الاتحاد الأوروبي فإن تصدير الظاهرة لن يؤدّي إلى اختفائها بل سيشكّل في أفضل الحالات حلا وقتيا لها

وخلال شهر مايو الماضي تم الإعلان عن تيسير الإجراءات التي تمكّن بلدان الاتحاد الأوروبي من ترحيل المهاجرين إلى بلدان أخرى غير بلدانهم الأصلية. وقائمة هذه “البلدان الثالثة الآمنة”، كما أسمتها المفوضية، سوف تشمل الدول التي عبر منها المهاجرون غير النظاميين قبل وصولهم إلى أوروبا.

وبذلك تجد تونس والمغرب ومصر نفسها مدرجة في قائمتين تحدد وجهات المهاجرين غير الشرعيين المراد طردهم من أوروبا: الأولى تيسّر إرجاع مواطني البلدان الثلاثة إلى أوطانهم الأصلية والثانية تجعل هذه البلدان ذاتها وجهة مشروعة يمكن أن يرحّل إليها الاتحاد الأوروبي أيّ مهاجر غير نظامي من أيّ بلاد أخرى لمجرد أنها كانت أرض عبور.

وسوف يحتاج اعتماد قائمتي “الدولة الآمنة” و”الدولة الثالثة الآمنة” إلى موافقة البرلمان الأوروبي وحكومات الاتحاد الأوروبي قبل تطبيقهما في يونيو 2026.

وستزيد هذه التسميات بعد التصديق عليها من حدة الضغط على المغرب وتونس ومصر، وربما على دول أخرى في شمال أفريقيا، من أجل استقبال مواطنيها المرحّلين بالإضافة إلى مهاجرين من دول أخرى.

إلى حد الآن لم تُصنّف الجزائر وموريتانيا ضمن “الدول الآمنة”. لكنهما سوف تتأثران بكل تأكيد بالسياسات الأوروبية التي تتمثل في النظر إلى الهجرة غير الشرعية باعتبارها أساسا تهديدا أمنيّا بدفع من تيارات أقصى اليمين، وذلك رغم انخفاض أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا أوروبا بنسبة 38 في المئة خلال سنة 2024 مقارنة بسنة 2023.

واختفت خلال الأعوام الأخيرة عبارات التعاطف مع المهاجرين والدعوات لمعالجة “الأسباب العميقة” للهجرة.

وفيما ارتفعت عمليات ترحيل المهاجرين “غير الشرعيين” بنسبة 27 في المئة خلال 2024 أصبحت نسب الترحيل من أوروبا اليوم مقياسا لنجاح الحكومات وإنجازا يتبجح به الساسة خلال الانتخابات.

◄ رغم تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني حول خطة "ماتي" لأفريقيا، لا يوجد استعداد حقيقي يُذكر في أوروبا لمواجهة الأسباب العميقة

واستهدفت قرارات الترحيل مواطني المغرب العربي، وخاصة الجزائريين، يليهم المغاربة والتونسيون، لاسيما في فرنسا.

ففي 2023، شكّل هؤلاء 34 في المئة من بين حوالي 137 ألف أجنبي صدرت بشأنهم أوامر ترحيل في فرنسا. كما ربطت باريس إصدار التأشيرات العادية باستعداد الحكومات المغاربية لقبول مواطنيها المرحّلين.

ومن المفارقات بروز اتجاه مماثل للمقاربة الأمنية الأوروبية جنوب البحر المتوسط، حيث أضحت الحكومات المغاربية تولي الاعتبار الأمني أهمية قصوى في تعاملها مع المهاجرين من جنوب الصحراء بعد تراكم أعداد هؤلاء.

وأصبحت عمليات الترحيل (سواء الطوعية أو القسرية) أكثر شيوعا، لتحل محل السياسات السابقة التي كانت تتسامح إلى حدّ ما مع توافد المهاجرين غير النظاميين، بل حتى ترتب لاندماجهم في المجتمعات المغاربية. وتجلى ذلك بالخصوص في المملكة المغربية.

ووفقا لمنصة “هاتف إنذار الصحراء” غير الحكومية، رحّلت الجزائر أكثر من 31 ألف مهاجر غير شرعي إلى النيجر المجاورة عام 2024، بعد أن كانت طردت أكثر من 26 ألفا في العام الذي سبقه.

وخلال السنة الحالية، أعلن وزير الداخلية الليبي عن خطة لترحيل 100 ألف مهاجر ولاجئ وطالب لجوء كل أربعة أشهر.

كما كثّفت تونس من جهودها لتيسير “العودة الطوعية” للمهاجرين غير النظاميين عام 2024، حيث نظّمت عودة 7250 مهاجرا. كما أشارت تقارير صدرت خلال السنة نفسها إلى عمليات ترحيل من المغرب وموريتانيا.

وظلّ الاتحاد الأوروبي صامتا في الغالب بشأن عمليات الترحيل هذه، حيث يدرك القادة الأوروبيون أنه بينما هم يضغطون على الدول المغاربية لمنع المهاجرين من العبور إلى أوروبا، لا يمكنهم معارضة جهود تلك الدول نفسها في سعيها لطرد المهاجرين المتدفقين نحوها من دول جنوب الصحراء.

◄ اعتماد قائمتي "الدولة الآمنة" و"الدولة الثالثة الآمنة" سوف يحتاج إلى موافقة البرلمان الأوروبي وحكومات الاتحاد الأوروبي قبل تطبيقهما في يونيو 2026

واللافت أن الدول الأوروبية تتجاهل التوترات الداخلية المتصاعدة في منطقة المغرب العربي من جراء الهجرة غير النظامية العابرة لحدودها من جنوب الصحراء. ففي تونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا، تنامت التوترات بين السكان المحليين والمهاجرين غير النظاميين.

وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي العام. ففي تونس تحديدا، نشر نشطاء مناهضون للهجرة (بمن فيهم برلمانيون) تقارير مفادها أن المهاجرين أصبحوا مصدر إزعاج شديد للسكان المحليين بل هم أضحوا يُشكّلون “دولة داخل الدولة.”

كما تمارس وسائل التواصل الاجتماعي ضغوطا في الاتجاه المعاكس على الحكومات المغاربية، مع تداولها لصور مواطني شمال أفريقيا وهم يُرحّلون قسرا من أوروبا.

ومن خلال تسريع عمليات الترحيل إلى البلدان التي يتم تصنيفها على أنها “دول آمنة”، تُصدّر أوروبا ضغوطها الداخلية، وتزرع، ولو من غير قصد، بذور عدم الاستقرار على الضفة الأخرى من المتوسط.

ورغم تصريحات رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني حول خطة “ماتي” لأفريقيا، لا يوجد استعداد حقيقي يُذكر في أوروبا لمواجهة الأسباب العميقة (مثل الصراعات المسلحة وتغير المناخ) التي تُغذّي النزوح والهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء، ما يجعل دول المغرب العربي تتحمل معظم الأعباء لوحدها.

في نهاية التحليل لا يبدو أن النهج الأمني سوف يوفر الحل الأمثل للهجرة غير النظامية. وخلافا لما قد يتوهمه البعض في الاتحاد الأوروبي فإن تصدير الظاهرة لن يؤدّي إلى اختفائها بل سيشكّل في أفضل الحالات حلا وقتيا لها وتوسيعا لرقعة التوترات عبر المتوسط.

9