"فوبيا" الإخوان في مصر

عودة شبح جماعة الإخوان مؤخرا وتكرار اسمها لا يعني حصولها على مشروعية شعبية، فكل المواقف التي ذكرت فيها كانت سلبية ودليل على لعنة أصابتها ولن تفارقها بسهولة.
الجمعة 2025/08/29
عاصفة مفتعلة لم تنته عند رئيس هيئة الإعلام

مع أن جماعة الإخوان فقدت حضورها السياسي والاجتماعي في مصر منذ فترة، إلا أنها لا تزال سلاحا في أيدي البعض، فمن يريد تصفية حسابات مع خصم له يلصق به تهمة الانتماء إلى الإخوان، ومن يريد عقاب زميل له يدّعي عليه أنه يعمل ضمن خلاياها النائمة. وهكذا تداخلت الأمور، وعاد الحديث عن الجماعة من هذا الباب القاتم، وليس من باب تأثيرها وعودتها إلى العمل السياسي بشكل سلمي، أو عقد مصالحة بينها وبين الدولة المصرية، كما زعمت تسريبات مؤخرا.

تستفيد الجماعة من “الفوبيا” أو المخاوف التي يبثها معارضون ومؤيدون لها، لأنها تؤكد استمرارها كرقم في المعادلة السياسية بمصر، وثمة قاعدة شهيرة تقول “أن تذكر سلبا في الإعلام خير من ألاّ تذكر أبدا،” فترديد الاسم واستخدامه على نطاق واسع من قبل الكثيرين في مواقف متعددة حيال تصرفات وقعت داخل مصر أو خارجها يوحي أن تأثير الإخوان في المشهد العام لم ينته، وأن هناك من يحرصون على توظيف الجماعة كفزّاعة أو أنها تملك أدوات خفية تساعدها على تحريك الأحداث إلى صالحها، وهذا لا يعني أنها قوية، لكنها جزء من مشهد إقليمي لم تتبلور ملامحه النهائية بعد.

تجلت “فوبيا” الإخوان خلال الأيام الماضية في أكثر من موقف، أعطت انطباعات أنها ملفوظة ومنبوذة وغير مرغوب فيها، ولن تستطيع محو كراهية شريحة كبيرة من المواطنين لها، ولا تستفيد من أخطائها، وتحولت إلى وسيلة تستفيد منها جهات معادية للدولة المصرية، ما يعني أن عودة شبحها وتكرار اسمها لا يعني حصولها على مشروعية شعبية، فكل المواقف التي ذكرت فيها كانت سلبية، ودليل على لعنة أصابتها ولن تفارقها بسهولة.

من حاولوا تقزيم دور رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني لجأوا إلى “فوبيا” الإخوان، حيث استغلوا تسريبا لشخصيات مقترحة كأعضاء في لجنة الدراما بالإذاعة حوت اسم حسام عقل، وهو اسم محسوب على الجماعة. ومع أنه جرى نفي لتشكيل اللجنة، غير أن الاتهام لاحقه، لتسجيل نقاط في مرمى الأجهزة المسؤولة عن اختياره في هذا الموقع، وشيطنته شخصيا بعد أن أحدث حراكا في التلفزيون المصري، ووجد الاتهام صدى مع إعادة بث فيديوهات سابقة وهو يمتدح الإخوان ويؤيد مشاركتها السياسية.

◄ الحديث عن "الفوبيا" لا يعني أنها غير حقيقية ويجب التخلص منها ونزعها من وجدان المصريين بل عدم توفير عوامل تغذيها وتمنحها حياة أطول وتحولها من حالة تعبوية إلى حالة دائمة

لم تنته العاصفة عند رئيس هيئة الإعلام، فقد تزامن معها ما يمكن وصفه بـ”حرب” السفارات المصرية في الخارج، حيث يقوم العشرات من المحسوبين على الجماعة بالتظاهر أمامها لإحراج الدولة، وجرّ أفراد الأمن داخل السفارة والمدافعين عنها للاشتباك مع بعض المتظاهرين، وهو ما حدث في لندن قبل أيام، وأسفر عن احتجاز شخصين مصريين يعيشان في بريطانيا، وسريعا تحول المشهد الهزلي إلى مشهد جاد، وبدا كأن هناك مواجهة بين القاهرة ونفر من الإخوان في لندن، وتحوّل من ألقي القبض عليهما إلى بطلين، بحجة التصدي لفلول الجماعة، الذين حصلوا على صك اعتراف إعلامي بحضورهم، ونجحت عناصر محدودة تنتمي إليها في جذب الانتباه إليها، وهو أحد أهداف ما يسمى (سخرية) بـ”غزوة السفارات” من قبل الإخوان.

زادت “الفوبيا” مع عودة الناشط علي حسين مهدي إلى القاهرة من الولايات المتحدة وحصوله على عفو رئاسي من أحكام صدرت في حقه، وتحوّل من معارض للنظام المصري إلى مؤيد له وناقم على كل الإخوان، وبات واحدا ضمن زمرة تعزف على وتر وجد انتشارا كبيرا بعد أن هدأ في السنوات الماضية، حيث خصص مهدي الفيديو الأخير الذي بثه لكشف ألاعيب الإخوان وتمويلاتهم الخارجية، ووعد ببث المزيد قريبا لفضح رموزها، وأطلقت الجماعة أبواقها عليه للتشكيك في روايته، وعدم منحها مصداقية في الشارع، لكن رهان حسين مهدي كبير على توظيف “الفوبيا”، خاصة أنه أضفى أداء مسرحيا مثيرا للانتباه، ما يساعد على تكريسها في الشارع المصري.

استثمر معارضو الإخوان الظاهرة في الهجوم على أيّ مصالحة معها، بعد أن تكررت تلميحات قياداتها إليها مؤخرا، والتي فقدت مصداقيتها بسبب غياب البعد الوطني في تصرفات الجماعة، ويكفي فيديو بثه أحد عناصرها ولقي رواجا قال فيه إنه يتمنى خوض إسرائيل حربا ضد مصر، وتقوم باحتلال سيناء كي يتسنى للإخوان العودة إلى المشهد السياسي، ولذلك تجد “الفوبيا” تربة خصبة لتغذيتها، فتصريحات قيادات الجماعة وكوادرها وتصرفاتهم لا تألو جهدا عن تثبيتها في خيال شريحة من المصريين.

لم تتوقف “الفوبيا” عند الحدود الداخلية، حيث أصبحت واحدة من التعقيدات التي تنغص العلاقات بين مصر وكل من قطر وتركيا، فبعد المصالحة معهما لم يتم رفع ملف الإخوان وما سبّبه من حواجز سياسية أثناء فترة التوتر السابقة، وحتى الآن تحاول الجماعة الإيحاء أنها جزء من المنظومة الرئيسية في البلدين، وإن كانت دوافع كل منهما مختلفة، ولم تصفُ القاهرة تماما للدوحة وأنقرة، مع أن العلاقات معهما في غالبية الملفات بلغت مستوى جيدا، باستثناء ملف الإخوان، ولعبت “الفوبيا” المختزلة في العقل الجمعي للمصريين دورا في عدم إزالتها، وزادت مع تلميحات تظهر من حين إلى آخر تؤكد عدم خروج الجماعة من حسابات النظام الحاكم في البلدين.

تتجاوز الدبلوماسية المصرية هذه العقبة، لكنها لا تهملها، لأن تصرفات الإخوان توحي أنها على علاقة وثيقة بقطر وتركيا، ما يجعل القلق لا يبارح مكانه، والمخاوف من عودة توظيفها تظل هاجسا كبيرا، وهو ما تستفيد منه الجماعة، ولا تريد التفريط فيه، وعلى الرغم من انتقال عدد من كوادرها إلى بلد ثالث واليقين أنها لم تعد ورقة راجحة طوال الوقت لدى الدوحة وأنقرة، إلا أنها تحرص على عدم التفريط في حبال الوصل وتحصل “الفوبيا” على دفقة معنوية يتم استثمارها في تسويقها على نطاق واسع.

ولا يعني الحديث عن “الفوبيا” أنها غير حقيقية ويجب التخلص منها ونزعها من وجدان المصريين، بل عدم توفير عوامل تغذيها وتمنحها حياة أطول، وتحولها من حالة تعبوية إلى حالة دائمة قد تؤدي إلى مشاكل سياسية أكبر، فالهجوم المستمر على الإخوان لا تستفيد منه الدولة، وتجد فيه الجماعة وسيلة تمكنها من البقاء على ظهر الحياة، ويجد فيها ناقمون على الأوضاع المعيشية سلّما للتسلق عليه، وتجاهلها إعلاميا أفضل من الاشتباك معها، إذ يمنحها حضورا معنويا مكلفا، والإهمال أكثر فائدة من اتهام مسؤولين كبار بأنهم على علاقة بها، لأنه إدانة مباشرة لمن اختاروهم، وإذا كانت المسألة تكمن في أنها عملية لتوزيع الأدوار فهي ربما تتحول إلى لعب بالنار، وقد تحرق من نفخوا فيها قبل أن تحرق تنظيم الإخوان.

8