عندما تغرق "لوموند" في مستنقع العداء للمغرب

محمد السادس حقق خلال سنوات حكمه إنجازات طالت كل الميادين والمجالات وغطت جميع الفضاءات، واستطاع من خلالها أن يضع المغرب ضمن الكوكبة الأولى للدول الصاعدة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
الأربعاء 2025/08/27
أبو المغاربة

خاب فأل “لوموند” وخسرت رهانها، وهي تتبنى خطاب التضليل في تكريس مفاهيم الضلال، وتسعى لترويج تلك الأراجيف التي تهدف من ورائها إلى استهداف المملكة المغربية، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه اسم “العبث المعلوماتي” و”الفبركات الصحفية” المدفوعة بحقد الواقفين وراءها.

ففي تقريرها الصادر يوم الاثنين، تحت عنوان متعمد الإثارة لصناعة الصدمة أو لفت الانتباه، وهو “أجواء نهاية فترة محمد السادس،” حاولت الصحيفة التلاعب بالمفردات للتشكيك في صحة الملك، واعتمدت على مزاعم قديمة في محاولة خداع القارئ عبر إيحاءات تثبت أن أصحابها غير مطلعين على طبيعة الحكم في دولة يحكمها الأشراف العلويون منذ العام 1666، بروح الصدق والثقة والشفافية بين السلاطين والملوك من جهة، وبين الشعب من جهة ثانية، ما يجعل الطرفين يلتقيان في بوتقة واحدة هي الوطنية المغربية غير القابلة للاختراق.

لا يحتاج تقرير “لوموند” إلى ردّ عليه، بقدر ما يفرض التوقف عند جملة من النقاط المهمة في سياق العمل على فهم خلفية السرد التي اعتمدها الصحفيان:

أولًا: إن المتابع لمسيرة “لوموند” يدرك جيدًا أنها تخصصت في توجيه سهامها السامة إلى المملكة المغربية، مدفوعة بنزعة استعمارية، وبمحاولة ركوب صهوة التأثير المغربي في نفض الغبار عن رصيدها القديم الذي فقد بريقه بفعل ثورة الاتصالات، وامتلاك القارئ أدوات التفكيك والتمحيص التي تسمح له بفهم ما يدور في العالم، بما في ذلك الدول العربية والأفريقية التي طالما اعتبرتها الصحيفة الفرنسية غنيمة مستباحة لتقاريرها المضللة ومقالاتها المكتوبة بحبر الحقد والكراهية والعنصرية.

◄ إنجازات الملك محمد السادس، المحفوفة بولاء شعبي منقطع النظير، تزعج بعض من لا يريدون الخير للمملكة، ومن يحترفون الهجوم عليها بمناسبة وبغير مناسبة

ولعل الصحيفة الفرنسية تحمل على ظهرها عقدة السنين والعقود الخوالي، عندما اعتاد رؤساء فرنسا، على إخفاء أمراضهم عن شعبهم، إلى أن يتم اكتشاف الحقيقة بعد فوات الأوان.

ثانيًا: إن الصحيفة اختارت أن تجعل التقرير جزءًا أول من ستة أجزاء، تسعى من خلالها إلى النبش في حياة الملك محمد السادس والأسرة المالكة، وفبركة ما تراه مناسبًا لخوض حرب نفسية لا تخلو من رائحة العداء، التي لا تبدو غريبة عن علاقة الصحافة الفرنسية بالمغرب، وخاصة منذ العام 2015، عندما تم القبض على الصحافيين إريك لوران وكاثرين جراسييه ووجهت إليهما اتهامات بمحاولة ابتزاز الملك.

ثالثًا: تقرير “لوموند” اعتمد في الجانب الأكبر منه على مقالات وتقارير الصحافي الإسباني إغناسيو سمبريرو، الذي يدرك المغاربة والإسبان حقيقة الدوافع التي ينطلق منها في حملاته العدائية، التي اعتاد على شنها منذ سنوات ضد المملكة، بشكل يمكن نعته بالعداء المرضي، الذي وصل به إلى درجة اتهامها بالتجسس عليه باستخدام برمجية “بيغاسوس” الإسرائيلية، وهو ما نفته وكالة مكافحة التجسس الإسبانية نفسها، التي أصدرت بيانًا رسميًا أكدت فيه عدم وجود أيّ دليل يربط المغرب بعمليات التجسس المزعومة، وهو ما دفع المجلس القضائي الوطني الإسباني إلى إغلاق الملف.

رابعًا: إن محاولات استهداف المملكة من قبل هذا الطرف أو ذاك، تُعد أمرًا طبيعيًا ومنتظرًا في ظل المكاسب والمنجزات التي تحققها بشكل يومي، وفي سياق محاولة أطراف إقليمية معروفة بتآمرها ضد المملكة، حرف الانتباه عن الأسئلة المطروحة بخصوص شؤونها المحلية، بمحاولة توجيه الرأي العام إلى قضايا مصطنعة عبر صناعة التضليل الإعلامي، وهو أمر لم يعد خافيًا على من يتابعون الحملات الإعلامية الممنهجة، واستعمال مفردات العصر من مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وغيرها، وفق المثل العربي: “رمتني بدائها وانسلت.”

خامسًا: يعد تقرير “لوموند” سقطة مهنية لا تُغتفر، وتنم عن عدم فهم للعلاقة الوطيدة بين الشعب والعرش في المملكة، وللقوانين والتقاليد والأعراف التي تربط بين الملك وشعبه، وتُدار بها شؤون الحكم في البلاد، بحيث لا شيء متروكا للصدفة. أما تركيز تقريرها على المرض، فإنه يكشف عن جهل عميق بنظرة الإنسان المسلم للمرض في حال الإصابة الفعلية به، فما بالك إذا كان من أماني العدو المتآمر، أو من بنات أفكار شخص فشل في التشخيص واتجه للبحث عن مبرر لمواقفه الضالة.

منذ سنوات، وبعض الأقلام المرجفة تحاول التشكيك في سلامة المسار المغربي، وتعتقد أنها تدفع بذلك إلى إرباك الرأي العام، رغم أن الملك ظهر في كل المناسبات الكبرى ليخاطب شعبه أو ليستقبل ضيوفًا مهمين، ولم يحدث يومًا أن غاب عن متابعة شؤون الدولة والمجتمع. وعندما تعرّض لسقوط أثناء ممارسته الرياضية في ديسمبر الماضي، ما أدى إلى صدمة في الكتف الأيسر وكسر في عظم العضد، تم الإعلان رسميًا عن خضوعه لتدخل جراحي، ثم لحصص التأهيل الوظيفي للتعافي من الإصابة. يعني ذلك أن الشعب على اطلاع دائم بما يدور على رأس الدولة، ولا يحتاج إلى تنبؤات عرّافي “لوموند” أو غيرها.

◄ الصحيفة اختارت أن تجعل التقرير جزءًا أول من ستة أجزاء، تسعى من خلالها إلى النبش في حياة الملك محمد السادس والأسرة المالكة، وفبركة ما تراه مناسبًا لخوض حرب نفسية لا تخلو من رائحة العداء

يعلم المحللون والمراقبون المنصفون أن أبا المغاربة، الملك محمد السادس، حقق خلال سنوات حكمه إنجازات كبرى للمملكة، طالت كل الميادين والمجالات، وغطت جميع الفضاءات، ووصل صداها إلى مختلف دول العالم، واستطاع من خلالها أن يضع المغرب ضمن الكوكبة الأولى للدول الصاعدة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، مدعومًا بتلك الخصوصية الثقافية والحضارية الرائعة، التي تُشكّل أحد أهم رموز القوة الناعمة في المنطقة والعالم.

ومن يتابع التحولات والمستجدات على مستوى الإقليم والعالم، يجد نفسه مبهورًا بتلك الانتصارات الكبرى للدبلوماسية الملكية، وخاصة في ما يتصل بالدفاع عن الأقاليم الجنوبية، وعن هويتها المغربية الأصيلة والعميقة، غير القابلة للتشكيك أو المزايدة أو المساومة من قبل أيّ طرف، سواء كان قريبًا أو بعيدًا. وكذلك عن مقترح الحل الذي تقدم به الملك في العام 2007 لحلحلة النزاع عبر مبادرة الحكم الذاتي، والذي حظي بدعم أممي ودولي واسع، وعاد المكابرون العالميون للاقتناع به واعتماده على أجنداتهم الرسمية لفهم طبيعة ما يدور في المنطقة.

كما أن محمد السادس نجح في إرساء مفهوم الدولة الديمقراطية من خلال الملكية الدستورية، لاسيما من خلال إصلاحات 2011 التي قلّصت سلطاته التنفيذية ومنحت صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة والبرلمان، وزادت من دعم موقعه كملك برتبة أب وقائد ورمز لوحدة الأمة، وكزعيم روحي من خلال صفته كأمير للمؤمنين، ونجح في تكريس الصورة المضيئة الناصعة للإسلام داخل المملكة وفي محيطها الأفريقي والأوروبي. وهو ما جعل مجلة “جون أفريك” الفرنسية تؤكد في مايو الماضي، أنه من خلال الإصلاحات، وتحديث المؤسسات، وترسيخ الطرق الصوفية، حوّل العاهل المغربي الدين إلى أداة دبلوماسية حقيقية، عبر إستراتيجية دقيقة بين الإيمان والسياسة والقوة الناعمة الأفريقية، مشيرة إلى أنه في المغرب، لا يُعد الدين مسألة روحية فقط، بل هو أيضًا أداة إستراتيجية. فمنذ اعتلائه العرش عام 1999، جعل محمد السادس من مهمته تحويل “الإسلام المغربي” إلى رافعة حقيقية للنفوذ، وقوة ناعمة دينية يصعب قياس فوائدها ضمن تصنيف أفضل 20 دولة من حيث الأداء، لكنها ثمرة تاريخ طويل.

إنجازات الملك محمد السادس، المحفوفة بولاء شعبي منقطع النظير، تزعج بعض من لا يريدون الخير للمملكة، ومن يحترفون الهجوم عليها بمناسبة وبغير مناسبة، لاسيما بعد أن باتت الإساءة إلى المغرب مصدر رزق لمن اعتادوا ركوب أطماع المتآمرين على الوحدة الترابية للمملكة، أو من يغيظهم أن يحقق المغرب كل تلك النجاحات والمكاسب، قاهرًا للمستحيل، متجاوزًا للعراقيل، منطلقًا نحو الغد بروح الثقة والتفاؤل.

9