خطاب العقل والحكمة من محمد السادس إلى شعبه الأمين
وصلت رسائل الملك إلى ضمير شعبه بعد أن خاطب العقل بلغة الصدق التي طالما كانت عنوان مسيرته في الحكم وتجربته في القيادة والزعامة. كانت مفردات الخطاب متجاوبة مع طبيعة اللحظة ومنسجمة مع تطلعات المجتمع الواثق في حكمة ولي الأمر وصواب رأيه وصلابة موقفه.
فمن خلال خطابه أمام أعضاء مجلسي البرلمان المغربي، خلال افتتاح الدورة الخريفية من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، دعا الملك محمد السادس إلى إحداث تغيير ملموس في العقليات وفي طرق العمل، وإلى ترسيخ حقيقي لثقافة النتائج بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، ثم الاستثمار الأمثل للتكنولوجيا الرقمية، داعياً إلى وتيرة أسرع وأثر أقوى من الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجّه الحكومة إلى إعدادها، وذلك في إطار علاقة رابح – رابح بين المجالات الحضرية والقروية.
كانت رسالة الملك واضحة، وهو يشدد على ضرورة العمل بروح الجدية والمسؤولية لاستكمال المخططات التشريعية وتنفيذ المشاريع المفتوحة، والتحلي باليقظة والالتزام بالدفاع عن قضايا المواطنين، بحيث لا ينبغي أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، ما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما كانوا.
كما أكد على ضرورة إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية ومختلف القوانين والقرارات، ولاسيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين بصفة مباشرة، مبرزاً أن هذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم أعضاء البرلمان الذين يمثلون الشعب.
الخطاب الملكي جاء منسجماً مع خصوصيات المرحلة، وما تحقق من إنجازات، كان الملك محمد السادس قد أشار إليها في كلمته بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، حين أكد أنها لم تكن وليدة الصدفة، وإنما هي نتيجة رؤية بعيدة المدى
جاء الخطاب الملكي معبّراً عن تطلعات شعبه، وناطقا بطموحات وآمال وأسئلة الشباب المنادي بالمزيد من تكريس الأهداف التنموية. تلك سمة الجالس على العرش العلوي الشريف، والحامل لإرث أسلافه الميامين بمسؤولية الأب والقائد والحكيم وأمير المؤمنين، الحامي للبلاد والعباد، والحادب على الفقير قبل الغني، والصغير قبل الكبير، والعاجز قبل المقتدر.
أبرز الملك أن المملكة تفتح الباب، من خلال الديناميكيات التي تم إطلاقها، أمام تحقيق عدالة اجتماعية ومجالية أكبر، بما يضمن استفادة الجميع من ثمار النمو وتكافؤ الفرص بين أبناء المغرب الموحد في مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، معتبراً أن مستوى التنمية المحلية هو المرآة الصادقة التي تعكس مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، الذي نعمل جميعاً على ترسيخ مكانته. وفي ذلك رسالة مهمة إلى الشعب المغربي بأجياله المختلفة ومرجعياته الثقافية والفكرية المتعددة، مفادها أن الدولة سائرة على طريق منجزها الحضاري الرائد ووفق خيارات سياسية واجتماعية واقتصادية منصفة ومتجاوبة مع تطلعات المغاربة حيثما كانوا، انطلاقاً من أن “العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ، أو أولوية مرحلية قد تتراجع أهميتها حسب الظروف، وإنما نعتبرها توجهاً إستراتيجياً يجب على جميع الفاعلين الالتزام به، ورهاناً مصيرياً ينبغي أن يحكم مختلف سياساتنا التنموية،” وفق ما ورد في الخطاب الملكي.
وأكد الملك محمد السادس أن “المغرب الصاعد نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية يتطلب اليوم تعبئة جميع الطاقات. فالتحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييراً ملموساً في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخاً حقيقياً لثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.” نزلت تلك الكلمات برداً وسلاماً على قلوب المغاربة، وفتحت أمامهم أبواب الأمل والتفاؤل لمغادرة منطقة الشك التي يحاول البعض اجتزاءها من خارطة الواقع، والانطلاق نحو مساحة أوسع لليقين في بلد يحقق كل يوم المزيد من الإنجازات، ويرفع المزيد من التحديات، ويكسب المزيد من الرهانات.
شارك الملك شعبه انتظار وتيرة أسرع وأثراً أقوى من الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية، التي وجّه الحكومة إلى إعدادها، وذلك في إطار علاقة رابح – رابح بين المجالات الحضرية والقروية.
ويتعلق الأمر، على الخصوص، بالقضايا الرئيسية ذات الأولوية التي حددها، وعلى رأسها تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتأهيل المجال الترابي.
ودعا الجميع، كلٌّ من موقعه، إلى محاربة كل الممارسات التي تُضيّع الوقت والجهد والإمكانات، لأنه لا يقبل أيّ تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي، مستعيداً توجيهاته في خطاب العرش بخصوص التنمية الترابية، حيث دعا إلى التركيز أيضاً على إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، بما يراعي خصوصياتها وطبيعة حاجياتها، وخاصة مناطق الجبال والواحات، إذ لا يمكن تحقيق تنمية ترابية منسجمة دون تكامل وتضامن فعلي بين المناطق والجهات.
الملك محمد السادس دعا إلى إحداث تغيير ملموس في العقليات وفي طرق العمل، وإلى ترسيخ حقيقي لثقافة النتائج بناءً على معطيات ميدانية دقيقة
وأوضح الملك أنه من الضروري إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية، التي تغطي 30 في المئة من التراب الوطني، وتمكينها من سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها ومؤهلاتها الكثيرة. وتوقف عند التفعيل الأمثل والجدي لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، بما في ذلك القانون المتعلق بالساحل والمخطط الوطني للساحل، بما يساهم في تحقيق التوازن الضروري بين التنمية المتسارعة لهذه الفضاءات ومتطلبات حمايتها، وتثمين مؤهلاتها الكبيرة ضمن اقتصاد بحري وطني يخلق الثروة وفرص الشغل.
كما نادى بتوسيع نطاق المراكز القروية، باعتبارها فضاءات ملائمة لتدبير التوسع الحضري والحد من آثاره السلبية، على أن تشكل هذه المراكز الناشئة حلقة فعالة في تقريب الخدمات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية من المواطنين في العالم القروي.
ودعا الملك إلى إعطاء عناية خاصة للتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية ومختلف القوانين والقرارات، لاسيما تلك التي تهم حقوق المواطنين بصفة مباشرة، ليشير بذلك إلى تلك الحقيقة الثابتة التي لا يمكن تجاوزها، وهي أن القرارات المهمة والمنجزات الكبرى، كالمواقف التاريخية، تحتاج إلى التعريف بها وتقريبها إلى المجتمع وجعلها جزءاً من اهتمامات الرأي العام، من خلال الاعتماد على منظومة إعلامية قوية ومقتدرة في أبعادها الكلاسيكية والرقمية المستحدثة، وذلك للرد على أسئلة الغافلين ولمواجهة حملات المشككين والتصدي لعبث العابثين.
وأكد الملك أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة وحدها، بل يتحملها الجميع؛ وفي مقدمتهم البرلمانيون بصفتهم ممثلين للأمة، وأيضاً الأحزاب السياسية والمنتخبون، إضافة إلى وسائل الإعلام والمجتمع المدني وكل القوى الحية.
وذكّر الملك بما تحدث عنه في خطاب العرش الأخير، عندما أشار إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، وهي من القضايا الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني.
وبالفعل، فإن الخطاب الملكي جاء منسجماً مع خصوصيات المرحلة، وما تحقق من إنجازات، كان الملك محمد السادس قد أشار إليها في كلمته بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، حين أكد أنها لم تكن وليدة الصدفة، وإنما هي نتيجة رؤية بعيدة المدى، وصواب الاختيارات التنموية الكبرى، والأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي الذي ينعم به المغرب. إذ، واستناداً إلى هذا الأساس المتين، حرص على تعزيز مقومات الصعود الاقتصادي والاجتماعي، طبقاً للنموذج التنموي الجديد، وبناء اقتصاد تنافسي أكثر تنوعاً وانفتاحاً، وذلك في إطار ماكرو-اقتصادي سليم ومستقر. وهو ما جعل المملكة تشهد نهضة صناعية غير مسبوقة، حيث ارتفعت الصادرات الصناعية، منذ 2014 إلى الآن، بأكثر من الضعف، لاسيما تلك المرتبطة بالمهن العالمية للمغرب. فيما تعد اليوم قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية والسياحة، رافعة أساسية للاقتصاد الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات أو خلق فرص الشغل، مع تسجيل ميزة مهمة وهي تعدد وتنوع شركاء المملكة، باعتبارها أرضاً للاستثمار وشريكاً مسؤولاً وموثوقاً، بينما يرتبط الاقتصاد الوطني بما يناهز ثلاثة مليارات مستهلك عبر العالم، بفضل اتفاقيات التبادل الحر.
خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، جاء ليؤكد أنه ضمير شعبه والمعبّر عن إرادته والمدافع عن حقوقه والساعي إلى تحقيق تطلعاته بتلك العزيمة الفولاذية العلوية، وتلك الحكمة الشريفة التي اعتاد أن تكون دائماً جسر التواصل بينه وبين أبنائه. فهو الصادق مع شعبه والوفي لتعهداته، الفعل عنده يسبق القول، ورسائله عادة ما تصل أصحابها في الوقت المناسب.