سعيّد يتصدى لقرار ارتجالي يعيق تصدير التمور التونسية للمغرب
تونس - طغى ملف الأمن الغذائي والإنتاج الفلاحي على لقاء الرئيس التونسي قيس سعيد بوزير الفلاحة والموارد المائيّة والصّيد البحري عزالدين بن الشيخ، حيث تطرق مساء الثلاثاء بقصر قرطاج إلى المحصول القياسي المرتقب في قطاعات استراتيجية كـ "التمور والقمح وزيت الزّيتون وفي عدد من الزراعات الأخرى.
وعبّر الرئيس التونسي عن استياءه من خطأ إجرائي وقع فيه قطاع تصدير التمور، بعد أن أعلن المجمع المهني قبل أيام عن افتتاح التصدير لجميع دول العالم باستثناء للمغرب.
وشدّد رئيس سعيّد في بيان على أنّه "في الوقت الذي تعمل فيه تونس على إيجاد أسواق جديدة لتصدير التمور، يصدر بلاغ غير مسؤول يقتضي الواجب مساءلة صاحبه ويتضمّن إقصاء لإحدى الدّول الشّقيقة".
ولم يكتف الرئيس بالمساءلة، بل أكد على عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية، مضيفا "فأشقّاؤنا يبقون دائما أشقّاءنا، فكيف يُقصي الشّقيق شقيقه حتّى وإن اختلفا في المقاربات وفي المواقف. فاختياراتنا هي اختياراتنا، لن نقبل أن يتدخّل فيها أحد، ولكن وشائج القُربى هي تاريخنا بل قدرنا في إطار الاحترام المتبادل".
وأتى هذا التدخل المباشر من الرئيس سعيّد لإعادة بوصلة العلاقات الأخوية، خاصة التونسية-المغربية التي تعدّ ركيزة أساسية في الروابط المغاربية.
وهذا التصحيح يهدف إلى فصل القرارات الفنية والاقتصادية عن الحسابات الدبلوماسية الحساسة، كما يؤكد أن موقف من أصدر البيان هو موقف معزول ستتم مساءلته بسبب الإساءة لمصالح تونس وعرقلة تصدير التمور وما سيجلبه هذا القرار من خسائر مباشرة على القطاع.
وأثار البيان المقتضب الصادر في العاشر من أكتوبر الجاري من المجمع المهني المشترك للتمور في تونس صدمة في الأوساط الدبلوماسية والمهنية، حيث أعلن البيان، الموجه إلى المنتجين، عن افتتاح تصدير المنتجات التونسية إلى جميع الأسواق العالمية ما عدا السوق المغربي
وقوبل هذا الموقف المرتجل بردود فعل واسعة، حيث قام بعض منتجي التمور في المغرب بانتقاد جودة التمور التونسية، ودعوا إلى حظر استيرادها، مما يكشف عن الخسائر المحتملة التي كان من الممكن أن تلحق بالقطاع التجاري التونسي.
وانتقل الرئيس التونسي بعد ذلك إلى محور اقتصادي آخر، وهو المحصول القياسيّ لزيت الزيتون، حيث أسدى رئيس الجمهوريّة تعليماته بمزيد الوقوف إلى جانب صغار الفلاّحين على وجه الخصوص في مستوى العصر والتخزين وتبسيط إجراءات حصولهم على قروض ميسّرة.
ويعكس هذا التوجيه الرئاسي استجابة سريعة للمخاوف التي أثارها المزارعون والخبراء حول التحديات التمويلية التي تواجه عملية عصر وتخزين المحصول الضخم.
وأكد الرئيس سعيد على ضرورة مضاعفة الجهود لرفع الطاقة التخزينية في البلاد، مشيرا إلى أنّ طاقة تخزين ديوان الزّيت لم ترتفع على الوجه المطلوب بين السنة الماضية والسنة الجارية ويتوجب مضاعفة الجهود حتّى يستعيد هذا الدّيوان وتستعيد سائر الدواوين الأخرى أدوارها التي أُحدثت من أجلها.
ويهدف هذا الإجراء إلى ضمان قدرة الدولة على استيعاب المحصول القياسي ومنع انهيار الأسعار نتيجة لضخ كميات كبيرة دفعة واحدة في الأسواق.
ووجه سعيد بالعمل الفوري من أجل تصدير زيت الزيتون إلى أسواق جديدة، خاصة وأن عديد الدّول في أميركا اللاّتينيّة وفي آسيا أبدت استعدادها لتوريده، مؤكدا في الوقت ذاته على التّشجيع على تعليبه في تونس حتّى تُعرف حقيقة مصدره مع راية الوطن.
ويظهر هذا التوجه الرغبة في تحويل تونس من مجرد مصدر للمنتج السائب إلى مصدر ذي قيمة مضافة وعلامة تجارية عالمية قادرة على اختراق الأسواق الناشئة والبعيدة.
وأشار البيان الرئاسي إلى أن محصول الزيتون بالموسم الحالي يعتبر "قياسيا"، وهو ما يتفق مع توقعات عضو البرلمان خالد حكيم مبروكي الذي قال في مقابلة سابقة مع الأناضول إن تونس تنتظر "محصولا قياسيا" من زيت الزيتون، مع توقعات بأن يصل الإنتاج 500 ألف طن بزيادة 30 بالمئة عن الموسم الماضي.
ودعا مبروكي الدولة إلى "إجراءات عاجلة" لمواجهة تكاليف الموسم القياسي، حيث شملت هذه الإجراءات تقديم دعم مسبق وتمويل للمزارعين وأصحاب المعاصر لتحمل نفقات الموسم، وتسوية أوضاعهم في البنوك.
وقد اشترط البرلماني لإنجاح "الموسم الاستثنائي" لإنتاج زيت الزيتون أن تضخ وزارة المالية 677.9 مليون دولار لدعم المعاصر وصغار الفلاحين والمصدرين، وهي متطلبات يبدو أن التوجيه الرئاسي بدعم الفلاحين وتسريع القروض الميسرة يسعى للاستجابة لها بشكل مباشر.
ويذكر أن عائدات تونس من صادرات زيت الزيتون سجلت أرقاما مالية لافتة، فوفق المرصد الوطني للفلاحة (حكومي)، سجّلت عائدات صادرات تونس من زيت الزيتون بين نوفمبر 2024 وأغسطس 2025، نحو 1.1 مليار دولار لمجموع 252.7 ألف طن، وهو ما يضع الأهمية الاقتصادية لمحصول هذا العام في سياق تاريخي، حيث يمكن للمحصول القياسي المرتقب أن يعزز هذه العائدات بشكل كبير في حال تم دعم الفلاحين بتمويل كاف وتم فتح أسواق تصدير جديدة.
وتشير التطورات إلى أن الرئيس سعيد يركز جهوده على ملف الأمن الغذائي كأولوية قصوى، سواء من خلال الإشارة إلى المحصول القياسي في القمح والتمور وزيت الزيتون بعد هطول الأمطار، أو من خلال التعامل بحزم مع أي قرار يمس العلاقات الخارجية للدولة، أو عن طريق إصدار توجيهات عملية لتبسيط إجراءات الحصول على قروض ميسرة، مما يؤكد سعيه لإعادة الأدوار الكاملة للدواوين العمومية والمؤسسات الفلاحية، واستعادة تونس لمكانتها التنافسية في الأسواق الدولية للمنتجات الفلاحية ذات الجودة العالية.