راشد آل خليفة ضيف جرش

لأن راشد آل خليفة يعرف جيدا قيمة ما يفعل، فإنه كان على يقين من أن معارضه الفردية في غير دولة أوروبية ستلقى إقبالا استثنائيا.
السبت 2025/08/09
فنان يحلق بمتلقيه في فضاء شاسع من الأسئلة الوجودية

اختار مهرجان جرش الأردني الفنان البحريني راشد آل خليفة ضيف شرف في دورته الأخيرة، تلك التفاتة تُحسب لمنسقي المهرجان.

لا لأن آل خليفة شخصية معتبرة في بلاده بل لأنه فنان نجح في السنوات الأخيرة في تقديم صورة مدهشة عن الفن المعاصر في العالم العربي عبر معارضه التي أقامها في عدد من المدن الآسيوية والأوروبية.

لم يكن ضمن قائمة الفنانين الذين تبنتهم الصالات والمتاحف العالمية، وهي قائمة يغلب عليها طابع العلاقات العامة حين فرض فنه على تلك القاعات والمتاحف باعتباره حدثا لا يمكن التغاضي عن أهميته الفنية.

ولأن آل خليفة يعرف جيدا قيمة ما يفعل فإنه كان على يقين من أن معارضه الفردية في غير دولة أوروبية ستلقى إقبالا استثنائيا.

كان معرضه في صالة ساتشي بلندن قبل سنوات حدثا لا يمكن نسيانه. حين رأيت ذلك المعرض قلت لنفسي “ليس في كل يوم يرى المرء معرضا بتلك الأهمية”.

آل خليفة بعد أن كان رساما متمكنا من جهتي الحرفة والخيال إضافة إلى موهبته الأصيلة تحول إلى عالم الفنون المعاصرة، وهو تحول أشبه بالمغامرة التي أراد من خلالها أن يطرح رؤية بصرية جديدة للعلاقة بالعالم.

يرى المرء في معارض رئيس المجلس الوطني للفنون الذي أنشأ متحفا لمقتنياته الفنية ما يقع في أحلامه من متاهات هي الصياغة المثالية لما يقترحه اللاوعي من وقائع متداخلة لكن بصفاء بصري نادر.

ممتع ومدهش وساحر فن آل خليفة لكنه في الوقت نفسه يحلق بمتلقيه في فضاء شاسع من الأسئلة الوجودية. رؤية أعمال آل خليفة هي عبارة عن تجربة في التماهي مع جمال، لا تحيل مفرداته إلى مصادر واقعية، ذلك لأن الفن وحده هو مصدر إلهامها.

وهنا بالضبط تقع خصوصية ما يفعله آل خليفة ويقع اختلافه عن سواه من الفنانين المعاصرين في العالم. لا يزال الجمال يشكل ركنا مهما من أركان فنه، على الرغم من أن آل خليفة لا يخفي ميله إلى التفكير في الفن باعتباره واحدة من أهم غايات الممارسة الفنية.

حين رأيت عمله الضخم الذي شارك به في آرت إيجيبت قبل سنتين، شعرت بأني أقف أمام إنجاز فنان عالمي لا يقل أهمية عن الأميركي ريتشارد سيرا أو الإسباني إدواردو تشيلدا. كان عملا ضخما وثقيل الوزن بمواده وأشكاله غير أنه كان في الوقت نفسه خفيفا ومحلقا بتأثيره البصري الخاطف.

كان مهرجان جرش موفقا حين اختار الفنان راشد آل خليفة ضيف شرف لدورة 2025. فإضافة إلى كونه فنانا استثنائيا فإنه قاد الحركة الفنية في بلاده بنجاح عبر أكثر من أربعين سنة وإن كان لا يميل إلى الظهور بسبب إيمانه النزيه بالواجب وثقته بأن العمل هو ما يبقى.

18