حماية الطفولة في تونس تدق جرس الإنذار من أرقام سوء المعاملة
تسجل سلوكيات إساءة معاملة الأطفال في تونس أرقاما مرتفعة ما يعني وجود تحد حقيقي أمام السلطات لمعالجتها نظرا لما تتركه من آثار عملية على الأطفال والمجتمع ومستقبل البلاد الذي يعتمد على جيل اليوم.
تونس - أكد المندوب العام لحماية الطفولة في تونس منصف بن عبداللّه أن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن تتلقى سنويا حوالي 25 ألف إشعار حول الطفولة المهددة، في تصريح يرصد خطورة السلوكيات المتعلقة بالإساءة للأطفال ونتائجها على حياتهم ومستقبلهم وانعكاساتها على المجتمع.
وقال بن عبداللّه في مداخلة مع برنامج “يوم سعيد” في الإذاعة الوطنية التونسية إن هذه الإشعارات تتعلق بسوء المعاملة بكافة أشكالها سواء العنف اللفظي أو المادي وصولا إلى الاعتداءات الجنسية، مشيرا إلى أن عرض صور مخلة بالحياء على الطفل عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعد شكلا من أشكال الاستغلال الجنسي.
وأشار إلى تلقي إشعارات عن فقدان أطفال للسند العائلي، مبينا أن الوزارة وضعت المراكز المندمجة للشباب والطفولة على ذمتهم للتكفل بهم وإدماجهم في المجتمع.
ورصدت العديد من الدراسات والتقارير تأثيرات سوء معاملة الأطفال على الجيل الجديد والمجتمع والدولة، والتي تحتاج إلى خطة متكاملة لوضع حد لها وعلاجها، حيث قدّرت نتائج دراسة جديدة أنجزتها وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بدعم من “اليونيسف” بتونس الكلفة الاقتصادية للعنف ضد الأطفال في تونس بنحو 2.6 مليار دينار، أي ما يعادل 1.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس.
25
ألف إشعار حول الطفولة المهددة تصل إلى وزارة المرأة والأسرة والطفولة سنويا
واعتمدت هذه الدراسة على منهجية دولية تم تكييفها مع النموذج التونسي وأخذت بعين الاعتبار تكاليف الصحة والعدالة والحماية الاجتماعية، وكذلك الخسائر في رأس المال البشري، وانخفاض الإنتاجية وتدهور جودة الحياة على المدى الطويل.
وبحسب نتائج الدراسة بلغت الكلفة الاقتصادية للعنف النفسي ضد الأطفال 1.4 مليار دينار، ويعد الأولاد الأكثر تأثرا بسبب تعرضهم لبعض أشكال العنف.
وكشفت أن تونس تعد واحدة من أبرز الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يتعرض فيها الأطفال إلى أساليب تربية تعتمد على العنف.
ووفقا لمسح المؤشرات المتعددة الذي أجراه المعهد الوطني للإحصاء في عام 2023، يتعرض ثمانية من كل عشرة أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاما لأساليب تربية عنيفة داخل الأسرة.
كما يتعرض أكثر من ثلاثة أطفال من كل خمسة لعقوبات بدنية، وأكثر من ثلاثة أطفال من كل أربعة لأشكال من العنف النفسي.
وأكدت منظمة اليونيسف أن تلك الممارسات العنيفة لها عواقب خطيرة وطويلة الأمد على رفاه الأطفال الجسدي والعقلي والعاطفي، وتستمر في تعزيز دوائر العنف والهشاشة في سن البلوغ. كما تؤثر أيضا على المجتمع بشكل عام، مما يهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي.
وفي كلمة ألقاها بمناسبة نشر نتائج الدراسة قال ممثل اليونيسف بالنيابة بتونس إن “كل دينار يتم استثماره في الوقاية يساعد في تجنب تكاليف اجتماعية واقتصادية أكبر بكثير”، مشيرا إلى أن “اليونيسف تظل ملتزمة بالكامل إلى جانب تونس ببناء مستقبل أكثر أمانا وعدلا لكل طفل”.
وشدد على ضرورة الاستثمار بشكل أكبر في برامج الوقاية، من خلال أنظمة حماية اجتماعية تراعي احتياجات الأطفال، ومن خلال تعزيز آليات دعم الأسر الضعيفة للحد من عوامل المخاطرة المتعلقة بالفقر، والضغط الأبوي، والإقصاء الاجتماعي، وإدماج الوقاية من العنف في السياسات التعليمية والاجتماعية لضمان استجابة متعددة القطاعات ومتناسقة، وغيرها.
ويقوم التقرير السنوي حول وضع الطفولة في تونس بتجميع البيانات وتحليلها مع القيام بالتقاطعات الضرورية لإنتاج مؤشرات تتعلق بقطاع الطفولة في مختلف المجالات.
وقال سمير بن مريم، المدير العام للطفولة بوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السّن، خلال مداخلة هاتفية في برنامج “صباح الناس”، نهاية مايو الماضي، وعرض خلالها بعض المؤشرات التي تضمّنها تقرير 2023، إنّ المؤشرات التي تضمّنها التقرير تهدف إلى إعانة أهل الاختصاص على اتخاذ القرارات، ففي مجال التعليم، ظهرت فجوة في نسبة الأطفال المسجلين بالأقسام التحضيرية، والتي تعتبر مهمّة في الإعداد للحياة الدراسية وتحديد مستقبل الطفل الدراسي في كامل المراحل التعليمية.
ورغم أنّ الإقليم الثاني، الذي يضمّ محافظات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل، هو الأكثر سكانا إلاّ أنّه ليس الأوّل من حيث نسبة الأطفال المسجلين بالأقسام التحضيرية.
كما أظهرت المؤشرات استئثار القطاع الخاص بالأقسام التحضيرية، التي تكون تكلفتها المادية أكبر بكثير على الأولياء، مما يطرح ضرورة مضاعفة الدولة لمجهوداتها في التوجه نحو الجهات التي تشكو نقصا أكبر من أجل تكافؤ الفرص.
الكلفة الاقتصادية للعنف النفسي ضد الأطفال بلغت 1.4 مليار دينار ويعد الأولاد الأكثر تأثرا بسبب تعرضهم لبعض أشكال العنف
وأشار التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس إلى ظاهرة الانقطاع المدرسي، والتي ترتفع في بعض الأقاليم إلى 12 في المئة.
وقال بن مريم في هذا السياق إنّ نسبة الانقطاع المدرسي لدى الذكور أكبر من النسبة المسجّلة لدى الإناث، وهو “ما يفسر ارتفاع عدد المتحصّلين على شهادة الباكالوريا وعدد الطلبة في الجامعات من الإناث مقارنة بالذكور”.
وعن أسبابها، أشار بن مريم إلى أنّها متعدّدة، من بينها بلوغ الأطفال مرحلة المراهقة وما يرافقها من تغييرات على المستوى السلوكي، كما تتعلّق هذه الأسباب بمدى استيعاب التلاميذ للمواد والغيابات، وهي جميعها عناصر تؤثر على الانقطاع المدرسي.
كما لفت إلى أنّ هشاشة بعض الجهات ماديا واجتماعيا تساهم في ارتفاع الانقطاع المدرسي.
وأظهرت الإحصائيات أنّ نسبة استعمال الإنترنت والهواتف الذكية مرتفة وتبلغ 87 في المئة. وهو مؤشّر، بحسب بن مريم، يدل على جودة البنية التحتية الرقمية وفرص الوصول إلى التكنولوجيا، لكنه يطرح في الآن ذاته تحديات تتعلق بالمخاطر التي تواجهها الطفولة.
وهنا تبرز أهمية وعي الأولياء بضرورة الحذر من الجوانب السلبية للفضاء الرقمي من حيث استغلال الأطفال والتنمّر والجريمة.
وتتجه إستراتيجية وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إلى وضع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة من أجل ضمان المزيد من النجاعة للتدخّلات الحمائية والوقائية للأطفال، عبر إرساء المجلس الأعلى للطفولة والمصادقة على الإستراتيجية متعدّدة القطاعات لتنمية الطفولة المبكرة وتفعيل الخطة الإجرائية لتنفيذها ومواصلة العمل على الخطّة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الطفل والتغيرات المناخية، بهدف وضع حوكمة مناخية دامجة للأطفال ومراعية لحقوقهم، وكذلك لحماية ورعاية الأطفال من الفئات الهشة عبر تنظيم طرق التعهّد بالأطفال في حالات الإهمال والتشرّد بالتنسيق مع الجمعيات والدوائر المختصّة.