جهود لتعزيز أواصر الأسرة في سوريا وتقوية دورها في المجتمع
دمشق ـ تواجه الأسرة السورية تحديات جساما بعد سنوات طويلة من النزاع والكوارث، فقدت خلالها الكثير من أفرادها ومنازلها ومصادر رزقها. ورغم أن الأسرة السورية أظهرت صمودًا منقطع النظير، إلا أنها لا تزال بحاجة ماسة للدعم الشامل والمتواصل.
وأكد استشاري الطب النفسي مأمون المبيض أن الحفاظ على الأسرة مرهون بالتدريب السليم، والذي يشمل كل عناصرها من الأبناء على اختلافهم بالعمر والجنس إلى الوالدين.
وأشار المبيض إلى أن الأسرة الناجحة تقوم على الحوار والتشجيع وتعزيز الإيجابية والتقدير والشعور بالقيمة الفردية، إضافة إلى القدرة على التكيف والتواصل الاجتماعي، ووضوح الأدوار الأسرية، وقضاء وقت مشترك بين أبناء الأسرة.
وفي محاضرة له، حول أساليب تدريب الأسرة للحفاظ على سلامتها وتماسكها المجتمعي، دعا المحاضر الوالدين إلى التزود بالكتب المتعلقة بأساليب التربية والتنشئة، وتوجيه الأطفال منذ الطفولة حتى الشباب وفق أسس علمية وتربوية راسخة، وشدد على أن بداية التربية الناجحة تكمن في القراءة والمعرفة.
ضرورة قيام الأهل بمتابعة تطور أبنائهم وملاحظة أي تغييرات في سلوكهم أو ميولهم، وذلك بهدف اكتشاف أي اضطرابات في الهوية الجنسية مبكراً
وتوقف المبيض عند نظرة المجتمعات الغربية لأهمية دور الوالدين في تربية جيل متوازن، من خلال وضع قوانين تحاسب الأهل على تقصيرهم في تربية الأبناء أو سلوكهم المدرسي.
ومن صفات المربي الناجح حسب المبيض، الصبر والرغبة في التعلم واكتساب الخبرة، والشعور بالمسؤولية، وتفهم احتياجات الطفل وامتلاك مهارات الرعاية والمعرفة الجيدة بسلوكه، إلى جانب توفير فرص تعلم مناسبة له ومساعدته على الاندماج مع الآخرين. وأكد المبيض أن المرأة والأسرة والطفولة يشكلون ركائز أي مجتمع ناجح.
وينعكس تدريب الوالدين على العلاقة الزوجية ويسهم في الحد من السلوك العدواني واللااجتماعي، من خلال تنمية فهم العواطف وتعلم المهارات السلوكية.
وقال استشاري الطب النفسي : إن التدريب أثبت فعاليته في التعامل مع الأطفال ذوي فرط الحركة، وتحسين مستوى الحوار الأسري، والتوفير الاقتصادي، وبناء مجتمع أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.
وعدد المبيض أدوات التدريب الأسري والتي تشمل الانتباه لسلوكيات الأبناء وتخصيص وقت للعب معهم وتشجيعهم، مع اعتماد نظام المكافآت، واستخدام أسلوب التجاهل الفعّال للحد من المشكلات، وتدريب الأبناء على حل المشكلات، مؤكداً أهمية اللعب في تخفيف القلق عند الطفل، والمساهمة في نموه النفسي والاجتماعي، وخصوصاً في بداية عمره.
بدوره أكد الدكتور حليم أسمر على الدور المحوري للأسرة في بناء شخصية الإنسان السوية، مشدداً على أهمية الصحة النفسية في هذا السياق.
وقال أسمر: “كما هو معروف، البيئة الأسرية الآمنة هي حاضنة للأفراد الأصحاء. إلا أن التغيرات المجتمعية، وخاصة اختلال الأدوار بين الرجل والمرأة، قد أدت إلى تآكل بنية الأسرة وارتفاع معدلات الطلاق والعنف الأسري”.
تتعدد احتياجات الأسرة السورية وتتشابك ، وتتطلب دعمًا متكاملًا يجمع بين الأبعاد التربوية والتعليمية ، لتحقيق التنمية المستدامة وبناء قدرات هذه الأسر على الصمود والنهوض
وخلال ورشة عمل بعنوان الأسرة السورية “تحديات وآمال، سلط الدكتور حليم أسمر الضوء على التضحيات التي تبذلها المرأة السورية، مشيراً إلى أن العديد منهن يتنازلن عن أنوثتهن من أجل أسرهن.
وأكد على ضرورة إعادة النظر في هذا الأمر، ودعوة المرأة إلى تحقيق التوازن بين دورها كأم ودورها كفرد، وذلك من أجل بناء أسرة صحية وسعيدة.
أما الدكتور محمد قاسم العبد الله عضو هيئة تدريسية في كلية التربية بجامعة حلب، فأكد على أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في تحديد هوية الأبناء الجنسية منذ المراحل الأولى من حياتهم.
وأشار إلى أن الانسجام بين الوالدين وتربية الطفل منذ البداية يساهمان في تكوين هوية جنسية صحية. كما شدد على ضرورة قيام الأهل بمتابعة تطور أبنائهم وملاحظة أي تغييرات في سلوكهم أو ميولهم، وذلك بهدف اكتشاف أي اضطرابات في الهوية الجنسية مبكراً.
ودعا الدكتور العبد الله إلى ضرورة توفير “مدارس للأهل” إلى جانب مدارس الأبناء، وذلك لتمكين الآباء والأمهات من اكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لتربية أبنائهم تربية صحيحة. وأكد على أن الأم تلعب دوراً محورياً في هذا السياق، حيث أنها تشكل العمود الفقري للأسرة وتساهم بشكل كبير في تكوين شخصية الطفل.
وتتعدد احتياجات الأسرة السورية وتتشابك ، وتتطلب دعمًا متكاملًا يجمع بين الأبعاد التربوية والتعليمية ، لتحقيق التنمية المستدامة وبناء قدرات هذه الأسر على الصمود والنهوض.
ويُعد التعليم حقًا أساسيًا لكل طفل، وهو حجر الزاوية في بناء المجتمعات ونهضتها. في سوريا، تعرض قطاع التعليم لدمار هائل، حيث دُمرت المدارس، ونُزح المعلمون والطلاب، وحُرم الملايين من الأطفال من حقهم في التعليم. لذا، فإن الدعم التربوي في سوريا والتعليم يُشكلان أولوية قصوى،لذلك يجب ترميم المدارس المدمرة، وبناء مدارس جديدة في المناطق التي تفتقر إليها، وتوفير بيئة تعليمية آمنة وجاذبة،وتوفير المستلزمات المدرسية كالكتب والدفاتر والأقلام والحقائب، لضمان قدرة الطلاب على متابعة تعليمهم دون عوائق مادية.