ثغرة تمثيل الشباب في المجلس الأعلى للثقافة تهدد جهود "الجمهورية الجديدة" في مصر

غضب سياسي في مصر ضد الحكومة بسبب تشكيل المجلس الأعلى للثقافة من كبار السن.
الاثنين 2025/07/21
تهميش غير مبرر

القاهرة - ظهر غضب سياسي في مصر ضد الحكومة، بسبب تشكيل المجلس الأعلى للثقافة من كبار السن، كشف عن إصرار على تهميش الشباب ووصول العلاقة معهم حد القطيعة، على عكس ما يرغب فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي، والاعتماد على شخصيات شغلت مناصب في نظم مصرية مختلفة سابقا، ولم يعد لها تأثير في الشارع، بينما يتم الترويج لتمكين الشباب وإعادة بناء جمهورية جديدة بروح هؤلاء.

وأصدر مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قرارا بتشكيل المجلس الأعلى للثقافة، وضم في عضويته شخصيات تخطت الـ70 عاما، وبينهم من تجاوز الـ80 عاما، في حين كان الأصغر سنا في تشكيلة المجلس يبلغ من العمر 59 عاما، ما أثار جدلا واسعا دفع عددا من أعضاء مجلس النواب إلى تقديم أسئلة برلمانية موجهة لرئيس الحكومة حول أسباب استبعاد الشباب من مجلس توعوي يرسم مستقبل الثقافة بمصر.

وتشكيل المجلس الأعلى للثقافة، وإن كان يضم قامات ثقافية، لكن أفكارها لم تعد تناسب متطلبات العصر الذي تعيش فيه الثقافة المصرية تحديات كبيرة، والمثير أن المجلس لم يضم شابا واحدا يعبر عن شريحة سكانية تمثل نحو 60 في المئة.

سعيد صادق: الحكومة ترجع للأجيال القديمة لأنها لا تجد جيلا جديدا مؤهلا
سعيد صادق: الحكومة ترجع للأجيال القديمة لأنها لا تجد جيلا جديدا مؤهلا

ودافع وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو عن تشكيل المجلس بالصورة التي خرج بها، وأعلن رفضه للانتقادات الموجهة لأعمار الأعضاء، بدعوى أنهم نخب رائعة، لها ثقل في صناعة الثقافة المصرية، ويفترض أن يتم الاحتفاء بهم بدلا من انتقاد أعمارهم، داعيا الرأي العام إلى الابتعاد عن “جدل الأعمار” والتركيز على إسهامات كل منهم وعطائه في الحياة الثقافية، وتأثيره على الوعي المجتمعي والسياسي في حقب مختلفة.

وغاب عن الحكومة أن مشكلة الشباب ليست في تصعيد شخصيات متقدمة في السن إلى مراكز قيادية أو مناصب عليا، بقدر ما يرتبط الأمر بوصول التهميش للشريحة الشبابية إلى مستوى كبير في بعض القطاعات الحيوية، وكان ضروريا في تشكيل مجلس يدير شؤون الثقافة أن يضم كوادر، تنقل للحكومة تطلعات الشباب.

وبرر رافضون للتوجه الحكومي بوجود إصرار على تصعيد أصحاب الثقة ممن عملوا مع أنظمة متباينة، مقابل إقصاء الكفاءات من العناصر الشابة، بما يتعارض مع التسويق السياسي المستمر للجمهورية الجديدة واعتمادها على الشباب.

ويرى مراقبون أن ما تفعله بعض دوائر السلطة عبر تكريس شيخوخة الدولة وعقلية الإدارة فيها، ليس في صالح الاستقرار، وهناك قطيعة بين الشباب والأحزاب والسياسة، وأخرى مع الحكومة، وثالثة مع الإعلام، وهذا أكبر تحدٍ يجب أن يتم التعامل معه بإرادة قوية لأنه يهدد تماسك الجبهة الداخلية في ذورة التحديات الإقليمية.

وتكفي نظرة سريعة للصفوف الأولى في ما يرتبط بالملفات الحيوية، على مستويات الأحزاب والسياسة والإعلام والمناصب العليا في الحكومة بهيئاتها الاستشارية، حيث توجد ندرة في عدد الشباب، بينما يتم الاعتماد على شخصيات متقدمة في السن.

وجزء من المشكلة أن الحكومة مصرّة على التعامل مع قطيعة الشباب بنظرة ضيقة، بزعم أن الشريحة الشبابية لديها غيرة وريبة، وربما حقد، تجاه كل من هم متقدمون في السن، والإشارة إلى أن منهم من يريد احتكار المشهد لنفسه وإقصاء باقي الفئات، دون اكتراث بأن تلك الغيرة مشروعة في ظل وجود كفاءات شبابية عدة.

وما يلفت الانتباه أن ما تفعله الحكومة من إقصاء للشباب، يتناقض مع سعي الرئيس السيسي إلى انتقاء عناصر شابة في مناصب قيادية ليكونوا قريبين من أسلوب إدارته للدولة، ويدركون التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري.

وقال الباحث في شؤون علم الاجتماع السياسي سعيد صادق إن نزع السياسة من المجتمع، قاد إلى تكريس الاعتماد على أهل الثقة وإقصاء الشباب وموت العقل النقدي المعاصر، والحكومة ترجع للأجيال القديمة لأنها لا تجد جيلا جديدا مؤهلا، وهي مسؤولة عن ذلك بسبب انغلاق المناخ العام.

شريحة من الشباب في مصر ترفض الانخراط في عمل قيادي روتيني داخل أي جهة رسمية ووجود سلطة مركزية تتحكم وتسيطر عليهم

وأضاف لـ”العرب” أن الاختيار من نفس الدائرة لن يطول لعدم وجود بديل، وهذا خطر آخر، لأن المخزون القديم سوف ينفذ في حين لا يتم تصعيد بديل، وما يحدث حاليا أزمة سياسة في المقام الأول، والتحجج بالحكمة لتبرير اختيار عناصر قديمة يثير تساؤلات حول عدم صناعة “حكمة جديدة” من أجيال معاصرة يمكن أن تتسلم مقاليد الأمور في أي وقت، وتصبح مؤهلة للقيادة وتحمل المسؤولية.

وعمل الرئيس السيسي منذ وصوله للحكم على أن يكون الشباب هم الحزب السياسي والظهير الشعبي له بشكل غير رسمي، أمام الشعور المتصاعد لدى بعض دوائر الحكم أن النجاح في إزالة جفاء العلاقة بين الشباب والنظام لا يزال يمثل تحديا، لكن تظل المشكلة مرتبطة باستسهال الحكومة الاعتماد على شخصيات بعينها من كبار السن لا تثير منغصات سياسية لها، لأنها تعمل بعقلية الموظف المطيع.

وترفض شريحة من الشباب في مصر الانخراط في عمل قيادي روتيني داخل أي جهة رسمية، رفضا للاستسلام لفكرة الموظف، ووجود سلطة مركزية تتحكم وتسيطر عليهم، في حين تتحجج الحكومة بأن التحديات الأمنية والسياسية تفرض استمرار ثقافة الرجل الواحد في الإدارة، والاعتماد على أهل الثقة ورموز كل العصور.

ويرفض معارضون تلك الحُجة، لأن تكريس دعائم استقرار الدولة يتطلب احتواء أكبر فئة سكانية، وهي الشباب، إذا أرادت السلطة الحاكمة تكريس تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة التهديدات المتصاعدة، لسدّ أيّ ثغرة ينفذ منها الخصوم، ومن الحكمة التعامل مع القطيعة بين الشباب والعمل العام أنها خطر وليست ميزة.

وبقطع النظر عن دوافع الحكومة من إقصاء الشباب، فإن ثمة دوائر فاعلة في السلطة معنية بالتدخل لتثبيت مصداقية الجمهورية الجديدة، وإلا سوف يتم الطعن في أي خطاب سياسي عن تمكين الشباب وتقليل مصداقيته ونزاهته، إذ يصعب بناء دولة معاصرة وكفاءاتها الشابة الواعية معطلة وبعيدة عن المشهد العام.

7