بعد تزايد نسبتهم: الجزائر تعزز حقوق كبار السن

تصورات مستقبلية تستشرف حاجيات هذه الفئة ووضع إستراتيجية وطنية بآليات تضمن التكفل الناجع بالمسنين.
الثلاثاء 2025/10/07
المزيد من المكاسب الاجتماعية لفائدة كبار السن

الجزائر ـ كشفت المعطيات الأخيرة للديوان الوطني للإحصاء في الجزائر عن تسجيل نسب متزايدة لكبار السن، ما يفرض إعداد تصورات مستقبلية تستشرف الحاجيات والمتطلبات الاجتماعية والصحية لهذه الفئة في مختلف المجالات، ووضع إستراتيجية وطنية بآليات جديدة تضمن التكفل الناجع بالمسنين.

وتعزيزا لحقوق كبار السن، اتخذت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة جملة من التدابير الرامية إلى ضمان تكفّل ناجع بهذه الفئة من خلال تقديم عدة خدمات اجتماعية وتوفير المرافقة النفسية لهم، واعتماد آلية الوساطة الاجتماعية والأسرية كأداة فعّالة في دعم التلاحم الاجتماعي والأسري. وقالت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة صورية مولوجي إن تقدير كبار السن ورعايتهم واجب إنساني يعكس الوفاء لما قدموه، ويجسد القيم الأصيلة للمجتمع الجزائري المرتبطة بهويته الدينية والثقافية.

وأوضحت أن الدولة تولي حماية هذه الفئة أهمية خاصة في برامجها الاجتماعية، ضمن مقاربة تنموية شاملة لإعادة إدماج المسنين في أوساطهم الأسرية والمجتمعية، مع توفير الدعم والمرافقة الضروريين لهم ولعائلاتهم. وأكدت الوزيرة التزام القطاع بمواصلة العمل لتكريس آليات عملية تكفل رعاية أفضل لكبار السن، في إطار الحفاظ على كرامتهم، وترسيخ قيم التضامن والتلاحم الأسري والاجتماعي.

ووضعت الحكومة الجزائرية على ذمة كبار السن، المنحة الجزافية للتضامن، والمتمثلة في إعانة مالية شهرية تمنح مباشرة للمسنّين من دون دخل، قدرها 7 آلاف دينار جزائري مع ضمان التغطية الاجتماعية للمستفيدين، حيث أحصي السنة الماضية 783237 مسّنا تفوق أعمارهم 65 سنة مستفيدين من هذه المنحة، التي تشرف عليها وكالة التنمية الاجتماعية التابعة لقطاع التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة.

بدورها، تقوم خلايا التضامن، التابعة لوكالة التنمية الاجتماعية، بالتنسيق مع مديريات النشاط الاجتماعي عبر الولايات وبمشاركة الفاعلين في المجال الاجتماعي، بعدة نشاطات لفائدة الأشخاص المسنين، تشمل تقديم الدعم النفسي والمرافقة والإعانات العينية.

ومنذ سنوات، تم استحداث “بطاقة الشخص المسن” التي يستفيد منها البالغون من العمر 65 سنة فما فوق، والتي تضمن لحاملها حزمة من المزايا، كالأولوية في المؤسّسات والأماكن التي تضمن خدمة عمومية والأولوية في مقاعد الصفوف الأولى بالأماكن والقاعات التي تجري فيها تظاهرات ثقافية ورياضية، وقد بلغ إجمالي المستفيدين منها على المستوى الوطني 84857 مسنّا، منذ سنة 2018.

الجانب الصحي هو أكثر ما يؤرق المسنين، خاصة وأن أغلبهم يعانون من الأمراض المزمنة، وهو ما يعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة

وفي مجال البدائل الرقمية التي وضعتها وزارة التضامن الوطني لمرافقة فئة المسنّين، تمّ إنشاء منصة إلكترونية للإبلاغ عن وجود شخص مسنّ في وضع صعب أو للتبليغ عن حالات التهميش أو الإهمال قصد التكفّل بها. أما في مجال التكفّل المؤسّساتي، فيتم توفير العناية لكبار السنّ على مستوى 32 مؤسّسة (دور المسنّين)، تؤطرها فرق متعدّدة الاختصاصات، تضمّ أخصائيين نفسانيين ومرافقين ومساعدين اجتماعيين، حيث بلغ مجموع المقيمين المتكفل بهم بهذه المؤسّسات، خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، 1482 مقيما، من بينهم 638 امرأة. وتوفّر هذه المؤسّسات نشاطات ثقافية وترفيهية، فضلا عن ورشات بيداغوجية تثقيفية، مع مراعاة القدرات العقلية والبدنية لهذه الفئة.

وبغية الحفاظ على كرامة الأشخاص المسنّين وحمايتهم، وضع القطاع جملة من الآليات والترتيبات الأخرى، من بينها الوساطة العائلية والاجتماعية، من خلال توفير مكتب الوساطة بمديريات النشاط الاجتماعي بالولايات، وهو يسعى إلى إبقاء المسنّ في محيطه الأسري وتعزيز التلاحم الأسري والاجتماعي.

وفي 27 أبريل 2025، احتفل كبار السن في الجزائر بيومهم الوطني، بتحقيق المزيد من المكاسب الاجتماعية والصحية والثقافية، في إطار مخطط رسمي لترقية التكفل بهذه الشريحة، التي تتطلب، حسب المختصين، كافة أشكال الاحترام والدعم والرعاية.

وقبيل ذلك التاريخ، أمضت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة ثلاث اتفاقيات مع كل من قطاع الثقافة والفنون وقطاع السياحة والصناعة التقليدية، وقطاع العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تتضمن منح امتيازات جديدة من شأنها تحسين الإطار المعيشي لكبار سن، وتسهل استفادتهم من مختلف الخدمات التي توفرها القطاعات المعنية كل في مجال تخصصه. ويبقى الجانب الصحي من أكثر التحدّيات والمشاكل التي يعانيها كبار السن في الجزائر.

وقالت سعاد شيخي، رئيسية الجمعية الوطنية للشيخوخة المسعفة، “إحسان”، إن الجانب الصحي هو أكثر ما يؤرق هذه الشريحة، خاصة وأن أغلبهم يعانون من الأمراض المزمنة، وهو ما يعرضهم لمضاعفات صحية خطيرة، مؤكدة أنها كانت شاهدة على العديد من الحالات حيث يتم العثور على المسنين جثثا هامدة في بيوتهم، ولا يتم اكتشاف وفاتهم إلا بعد أيام من طرف الجيران، بسبب الوحدة والعزلة التي كانوا يعانونها و”الاحتباس المنزلي”، حيث يعيش الكثير من المسنين، وفقها، وحدهم في البيوت بسبب سفر أبنائهم إلى الخارج أو عيشهم في أماكن أخرى نتيجة العمل أو الزواج.

وكشفت شيخي أن هذا الواقع  يستوجب استحداث مهنة “المرافقة المنزلية” التي تقوم برعاية هذه الشريحة بدعم من الدولة، حيث يتم تسجيل المسنين الذين يعيشون بمفردهم أو يضطرون إلى البقاء وحدهم في البيت بسبب عمل الأبناء، وبعدها تخصص لهم “مرافقة منزلية” يتم تكوينها في الجانب الصحي والنفسي والاجتماعي لضمان رعاية منزلية متكاملة لكبار السن، على غرار منح الأدوية في وقتها وتلبية مختلف احتياجاتهم النفسية والصحية والبدنية، وتتعاون كل من وزارة التضامن والعمل والأسرة في دفع أجرة هذه المرافقة المنزلية.

كما كشفت شيخي عن انتشار مخيف لأمراض الزهايمر وباركينسون وسط المسنين في الجزائر، والتي حوّلت حياتهم وحياة ذويهم إلى جحيم حقيقي، وهذا ما يتطلب، وفقها، استحداث مصالح طبية خاصة بكبار السن في المستشفيات العمومية وحتى بالعيادات الخاصة، لضمان تكفل طبي متكامل لهذه الشريحة، خاصة في طب الأعصاب ومختلف الأمراض المزمنة، التي تعفي المسن وعائلته من التنقل بين مختلف المصالح الطبية وأحيانا بين مختلف المستشفيات لتلقي العلاج.

10