انتقادات لمشروع القانون الأساسي المتعلق بدعم الأمهات وتيسير الحياة العائلية في تونس
تونس - لاقى مشروع القانون الأساسي المتعلق بدعم الأمهات وتيسير الحياة العائلية في تونس، والذي تقدم به عدد من نواب البرلمان بُغية مساعدة الأمهات العاملات على التوفيق بين حياتهن الأسرية وواجباتهن في العمل، انتقادات مست جوهره واعتبرته مناقضا لمبدأ المساواة الذي أقره الدستور التونسي.
ومن بين الرافضين لمشروع القانون جمعية “أصوات نساء”، وهي منظمة غير حكومية تونسية تأسست في عام 2011 وتدعو إلى إدماج النهج الجندري في السياسات العامة من خلال تشجيع المرأة التونسية على التعبير عن صوتها واتخاذ مكانها الصحيح في الحياتيْن العامة والسياسية، وتعمل على مكافحة جميع أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي وتعزيز ثقافة المساواة.
ووجهت جمعية “أصوات نساء” العديد من الانتقادات لمقترح القانون الأساسي عدد 84 لسنة 2025 المتعلق بـ”دعم الأمهات وتيسير الحياة العائلية”، والذي أودع يوم 8 يوليو الجاري في مجلس نواب الشعب.
ورغم ما يبدو من ظاهر المشروع أنه خطوة إيجابية نحو التوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية، فإن جمعية “أصوات نساء” رأت فيه تهديدا حقيقيا لمكاسب المرأة، وترسيخا للأدوار النمطية التقليدية. وينصّ المقترح، الذي تقدمت به الكتلة البرلمانية “لينتصر الشعب”، على جملة من الإجراءات تشمل منح عطلة استثنائية للنساء العاملات، وتوفير توقيت مرن للأمهات، وإجراء فحوصات صحية مجانية، فضلا عن إحداث حضانات داخل المؤسسات العمومية والخاصة.
◙ رغم أن المشروع في الظاهر يعد خطوة إيجابية نحو التوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية فإن جمعية "أصوات نساء" رأت فيه تهديدا حقيقيا لمكاسب المرأة
لكن “أصوات نساء” اعتبرت أن هذا التوجه يتناقض مع مبدأ المساواة الذي نصّ عليه الفصل 46 من الدستور التونسي، مؤكدة أن “المساواة لا تتحقق من خلال امتيازات منفصلة، بل عبر قوانين تحمّل الدولة مسؤولية الرعاية، وتشرك الرجال في الأدوار العائلية، وتضمن الإنصاف في الحقوق والواجبات.”
وشددت الجمعية على أن المشروع يعيد إنتاج التصورات النمطية ويكرس دور المرأة في الرعاية والمسؤوليات المنزلية، بينما يغيّب دور الرجل والدولة، معتبرة أن ما يوصف بـالامتيازات قد ينقلب إلى عبء إضافي على النساء في سوق الشغل.
وحذّرت من أن مقترح القانون قد يُستخدم كذريعة من قِبل المؤسسات الاقتصادية لاعتبار النساء “عبئا إداريا وبشريا”، ما قد يدفع بعض أصحاب العمل إلى تجنب تشغيل النساء حفاظا على منطق الإنتاج، بدل أن يُنظر إليه كخطوة نحو العدالة الاجتماعية وتوزيع أدوار الرعاية داخل الأسرة والمجتمع بشكل أكثر عدلا.
ورأت أن المشروع عوض أن يشجع على تقاسم الأدوار بين الجنسين، يعمق الفجوة بينهما عبر تخصيص إجراءات حصرية للنساء دون مقاربة تشاركية، معتبرة أن الحلول الجذرية والفعالة تكمن في القيام بإصلاحات شاملة تضمن الحماية الاجتماعية للجميع وتحمّل الدولة مسؤولية توفير خدمات الرعاية. وإبان طرحه لقي مشروع القانون تفاعلا وترحيبا من قبل التونسيات.
وقالت النائبة في البرلمان سيرين مرابط، في تدوينة نشرتها على حسابها الرسمي في فيسبوك، إنّ مقترح القانون يهدف “إلى وضع إطار قانوني متكامل يدعم النساء العاملات، خاصة الأمهات، في التوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية، ويعترف بوضعياتهن الاجتماعية والصحية، وفق مقتضيات الدستور التونسي ومبادئ العدالة الوظيفية والكرامة الإنسانية.”
وبيّنت مرابط أنّ الأهداف الأساسية لهذا القانون تتمثل “في حماية المسار المهني للأم العاملة وتكريس تكافؤ الفرص في مواقع العمل والتوقيت المرن، وتمكين الأمهات اللاتي يُربين أطفالًا من ذوي الإعاقة أو اضطراب طيف التوحد من امتيازات مهنية فعلية، وضمان حقوق الحوامل والمرضعات في ظروف تقييم عادلة ومتوازنة، إضافة إلى ترسيخ الحق في التقصي الصحي الوقائي المنتظم للمرأة العاملة.”
واعتبر عدد من النواب أن هذا القانون يعد خطوة إيجابية نحو تحسين بيئة العمل وتوفير الدعم اللازم للأمهات، وهو ما يساعد على تحقيق الاستقرار الأسري والنفسي. ويأتي ذلك تزامنا مع الزيادة في عدد الأمهات اللاتي يدخلن سوق العمل، ويشكلن جزءا لا يتجزأ من القوة العاملة. وتمثل هذه الخطوات بداية لعملية تغيير شاملة ينبغي أن تستمر لتلبية احتياجات الأمهات وضمان حقوقهن في العمل.