اللجوء إلى العقوبات البديلة وسيلة تحفظ كرامة الأطفال الجانحين في المغرب

القانون "43.22" يحمي الأطفال من الآثار النفسية للسجن بما في ذلك الوصم والقطيعة مع الأسرة.
الجمعة 2025/07/25
العقوبة السجنية عقوبة ثقيلة على نفسية الأحداث

ما انفكت الدولة المغربية تسعى إلى حماية الأطفال القصر والجانحين بأن وضعت عقوبات بديلة عن العقوبة السجنية السالبة للحرية بغاية الحفاظ على كرامة الأطفال وحمايتهم من الوصم والقطيعة مع الأسرة والتعليم، وتعزيز فرص إدماجهم في المجتمع وفي محيطهم الأسري. وجاء القانون عدد 43.22 ليكرس العقوبات البديلة بما فيها العمل لفائدة المنفعة العامة والمشاركة في برامج إعادة التأهيل الاجتماعي.

الصخيرات (المغرب) - تشكل العقوبات البديلة للأطفال إحدى الأدوات الأساسية لتنزيل سياسة جنائية جديدة، تجعل من الإدماج والحماية، وليس العقاب، نقطة ارتكاز في معالجة الانحرافات السلوكية لدى القاصرين في المغرب.

ويعكس هذا التوجه التزام المغرب بترسيخ عدالة صديقة للأطفال، ويعزز تقارب التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، خاصة اتفاقية حقوق الطفل وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا بشأن عدالة الأحداث (قواعد بكين).

تعد العقوبات البديلة للأطفال أداة فعالة تمكن من تقليص اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، خاصة في حالة المخالفات والجنح البسيطة، حيث تسمح الإجراءات الجديدة باستبدال العقوبة الحبسية القصيرة بعقوبات أكثر إنصافا وإدماجا، مثل العمل لفائدة المنفعة العامة، المراقبة القضائية، أو المشاركة في برامج إعادة التأهيل الاجتماعي والنفسي. وتساهم هذه الإجراءات في تقوية دور العدالة الإصلاحية، وتقليل آثار السجن السلبي على الأطفال، بما يحمي مصلحتهم الفضلى ويعزز فرص إعادة إدماجهم.

وأكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام بلاوي، أن اللجوء إلى العقوبات البديلة في قضاء الأحداث “لا ينبغي أن يفهم فقط كوسيلة لتخفيف العبء عن المؤسسات السجنية، بل هو وسيلة لتحقيق عدالة منصفة وإنسانية تقوم على قيم التأهيل والكرامة.”

وأوضح بلاوي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للقاء وطني حول “تنزيل العقوبات البديلة في ضوء المبادئ المؤطرة لعدالة الأطفال”، في الصخيرات، أن اللجوء إلى هذه العقوبات “لا يتعلق فقط بخيار قانوني، بل بخيار حضاري وأخلاقي يعكس نضج المجتمع وحرصه على بناء مستقبل أفضل لأطفاله،” مسجلا أن “إيداع الأطفال في المؤسسات السجنية لا يجب أن يكون إلا ملاذا أخيرا، بالنظر لما يترتب عن ذلك من آثار نفسية واجتماعية.”

ودعا إلى تبني مقاربة ترى في الطفل موضوعا للإصلاح والتهذيب والإدماج، وليس للعقاب والزجر، مضيفا أن فلسفة عدالة الأطفال تعتبر جميع الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا جانحين أو في وضعية صعبة أو إهمال، ضحايا لعوامل وظروف شخصية وعائلية واقتصادية واجتماعية.

وشدد بلاوي على أن رئاسة النيابة العامة ما فتئت تؤكد على مركزية حماية الأطفال في تماس مع القانون، حيث أنها أصدرت عددا من الدوريات والمناشير التي تحث القضاة على تفعيل المقتضيات القانونية بما يضمن تحقيق المصلحة الفضلى لهذه الفئة الهشة.

◙ العقوبات الجديدة تتيح إمكانيات إصلاحية واسعة، تعزز الشعور بالمسؤولية لدى الطفل وتساعده على تصحيح سلوكه

وخلص إلى أن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة جاء بتصور حديث لمعالجة القضايا التي تستوجب العقوبات السالبة للحرية، من خلال تمكين القضاء من استبدال العقوبات الحبسية بتدابير بديلة تراعي خصوصيات الحدث، وتسهم في إعادة إدماجه داخل بيئته الطبيعية، مع إقرار آليات للتتبع والتقييم تحت إشراف الجهات القضائية والإدارية المختصة.

بدوره، أكد محمد الطيب بوشيبة، المختص في قضايا الطفولة والمنسق الوطني لمنظمة “ماتقيش ولدي”، أن هذا القانون يشكل نقلة نوعية على مستوى العدالة الجنائية، إذ يسمح باستبدال العقوبات السجنية قصيرة الأمد بتدابير بديلة أكثر نفعا وإصلاحا، مثل العمل لفائدة المصلحة العامة، المراقبة القضائية، أو إعادة التأهيل.

وشدد، في تصريح لـصحيفة محلية، على أن الأثر الأكبر لهذا القانون يتمثل في حماية الأطفال من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية للسجن، بما في ذلك وصمة العار، والقطيعة مع التعليم والأسرة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة سلوكية مستقبلية.

وأضاف أن هذه العقوبات الجديدة تتيح إمكانيات إصلاحية واسعة، تعزز الشعور بالمسؤولية لدى الطفل وتساعده على تصحيح سلوكه، دون المساس بكرامته أو حقه في النمو السليم، وهو ما يعكس التوجه نحو عدالة أكثر إنسانية.

ويمثل إقرار قانون العقوبات البديلة في المغرب تحولا عميقا في مقاربة العدالة الجنائية، خاصة فيما يتعلق بحماية الأطفال الذين يجدون أنفسهم في تماس مع القانون، سواء كجانحين أو ضحايا أو شهود.

ويأتي هذا القانون الجديد في سياق جهود المملكة لتحديث المنظومة القضائية وجعلها أكثر إنصافًا وفعالية، بما يضمن مصلحة الطفل الفضلى كما تنص عليه الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب.

وأشار بوشيبة إلى أن المغرب، باعتماده هذا النهج، ينخرط في مسار العدالة التصالحية التي تسعى إلى إعادة دمج الطفل في المجتمع بدل معاقبته فقط، مشيرًا إلى أن القانون يتضمن مجموعة من التدابير التي تراعي خصوصية القاصرين.

وأوضح أن التجربة الدولية أثبتت أن اعتماد العقوبات البديلة، خاصة إذا اقترنت بمواكبة نفسية وتربوية، يحد بشكل كبير من معدلات العود إلى الجريمة لدى القاصرين، وهو ما يجعل من هذا النموذج خيارا أكثر نجاعة على المدى الطويل.

كما أورد المختص أن تنفيذ هذا القانون سيساهم أيضا في تخفيف الضغط عن مؤسسات حماية الطفولة والسجون، وهو ما من شأنه تحسين ظروف الاستقبال والتكفل بالحالات المستعصية، وتوفير موارد أكبر للحالات التي تحتاج إلى متابعة دقيقة.

ولفت إلى أن من أبرز عناصر نجاح هذا القانون، هو إدماج مقاربة حماية الطفولة صراحة في النصوص والمذكرات التطبيقية، إلى جانب تكوين القضاة وأطر النيابة العامة في مبادئ العدالة الإصلاحية الموجهة للأطفال.

◙ القانون يهدف إلى استبدال العقوبات السالبة للحرية في بعض الجنح بعقوبات بديلة. يشترط ألا تتجاوز العقوبة خمس سنوات

ومنذ أيام، أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورًا موجّهًا إلى الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين، يتعلق بتنزيل القانون رقم 43.22 الخاص بالعقوبات البديلة. ويندرج هذا القانون في إطار إصلاح شامل لمنظومة العدالة، ويستجيب لتوجيهات الملك محمد السادس بشأن تطوير السياسة الجنائية.

يهدف القانون إلى استبدال العقوبات السالبة للحرية في بعض الجنح بعقوبات بديلة. يشترط ألا تتجاوز العقوبة خمس سنوات، وألا تكون هناك حالة عود. وتشمل العقوبات: العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد الحقوق، فرض تدابير رقابية أو علاجية، والغرامة اليومية. الغرض من هذه التدابير هو منح فرصة ثانية للمحكوم عليهم وتحقيق الاندماج المجتمعي.

وقال مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، هشام ملاطي، إن ورش تحويل مسار عدالة الأحداث نحو بدائل غير احتجازية يعد من الأوراش المعقدة والحيوية التي تستدعي تضافر الجهود المؤسساتية والمجتمعية.

من جهته، أكد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، أن القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة يعكس وعيا متقدما بالتحديات المرتبطة بعدالة منصفة تراعي الفئات الهشة.

وأبرز المنتصر بالله أن المجلس يواكب هذا الورش الإصلاحي الهام، ويضع في صلب أولوياته دعم مسار التحول نحو عدالة أكثر نجاعة وإنصافا، مسجلا انخراط المجلس الدائم في كل المبادرات الرامية إلى تعزيز الحماية القانونية والاجتماعية للأطفال.

بدورها نوهت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بالمغرب، لورا بيل، بالتعاون الوثيق مع المملكة في مجال النهوض بعدالة الأطفال، معتبرة أن القانون رقم 43.22 يشكل مرجعية تشريعية حديثة تنسجم مع مقتضيات المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على ضرورة توفير معاملة تراعي كرامة الحدث وتكفل إعادة إدماجه داخل المجتمع.

وأبرزت السيدة بيل أن هذا القانون يستجيب لهذه المتطلبات ويجسد توجها إنسانيا حقيقيا، داعية إلى تعزيز العدالة الإصلاحية في ظل الطابع المعقد للعوامل المؤدية إلى تماس الأطفال مع المنظومة القضائية.

16