الفن أبلغ رسالة بين الشعوب: قرطاج أنموذجا
يُحسب لمهرجان قرطاج الدولي هذا الموسم أنه كان استثنائيا وانتقائيا في الاختيار على أسماء حفل بها ركحه خلافا لعدة مواسم مضت. شيء من هوية هذا الصرح الثقافي والفني العالمي بدأت تعود إليه تدريجيا بعد سنوات من “التنكيل الثقافي” عرفها في عهد حكومات ما بعد ثورة يناير 2011. رغم أن بعض الأسماء بدَت مألوفة لجمهور قرطاج العريض، لكن حضورها كان كافيا لتبديد تلك النمطية التي سار عليها المشرفون وأصروا على تكرار نفس الوجوه سنويا تحت مسمى “الاسم يكفي”.
لسنا هنا في حضرة النقد الفني، فذلك جانب يتكفل به أهله وصناعه من أهل الثقافة والفن. الحدث هذا الموسم صنعته النجمة الإماراتية أحلام التي كانت مسك ختام عروض قرطاج اختيارا منها وتأكيدا على أن تكون “ملكة قرطاج” بلا منازع وكانت كذلك.
أحلام أعادت النبض من جديد للعلاقة الثنائية التي تجمع تونس والإمارات وكانت خير سفيرة تترجم هذه العلاقة على أرض الواقع بإسهاب فني كبير وقوة تحضير لليلة خرافية على صرح قرطاج الذي كان منطلقها الفني وخير داعم لها في مسيرتها الفنية منذ انطلاقتها الأولى. رسالة اعتراف عبّرت عنها الفنانة الإماراتية بكل عفوية بعد الحفلة الختامية واعدة جمهورها بأنها لن تغيب طويلا مثلما حدث ماضيا. في الأثناء ما تقرّه السياسة يعبّر عنه الفن ركحيا. اعتراف أحلام بعظمة قرطاج هو اعتراف ضمني بتاريخية العلاقة التي تجمع تونس والإمارات لولا كيد الكائدين.
على مرّ التاريخ كانت تونس بوابة فنية لدول الخليج ومتنفسا للقادة الخليجيين الذين يقصدونها للترفيه والسياحة وفي أحيان كثيرة لبعث مشاريع أو المساهمة في دعم مشاريع استثمارية. لكن تونس، التي أخذها الإخوان عنوة بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، بدأت تستعيد شيئا من عافيتها وتعود إلى علاقاتها التاريخية. فعل إخوان تونس كل شيء من أجل محاولة طمس معالم الحضارة في البلاد. صعد على ركح قرطاج في تلك الفترة “القاصي والداني” بتعبير تونسي عميق. تاجر الإخوان في تلك الفترة في كل شيء، من الإعلام إلى الثقافة إلى الاقتصاد.. إلخ، وحاولوا تدجين العلاقات التاريخية لتونس مع جيرانها وأشقائها العرب في الخليج وشمال أفريقيا والمغرب العربي. ضربوا العمق التاريخي لتلك العلاقات عن وعي أو جهل ليس مهمّا. لكن المهم أن مشروعهم كان مكشوفا ولم تتفاعل معه القيادة السياسية لتك البلدان.
تونس اليوم تستعيد شيئا من عافيتها على المستوى الفني والثقافي. الفن رسالة الشعوب وخير معبّر عن آمالها في البناء والتشييد توازيا مع تلك العلاقات التي يخطط لها القادة السياسيون ويهندسون لها يوما بعد يوم. هو ذاك مبلغ الحدث وعمقه في رسالة الفنانة أحلام للقيادة السياسية أولا ولجمهورها الواسع داخل تونس وخارجها ثانيا.
تونس تحتاج إلى الفن والاقتصاد والسياسة والرياضة وكل التعبيرات الممكنة للتواصل مع الآخر والتفاعل معه من أجل رسم معالم جديدة لدولة تُبنى. ستعود تونس مثلما كانت وستكون “أيقونة المتوسط”، ذلك ما يسجله التاريخ الحافظُ للأمانات. الفن هو الآخر أمانة يجب أن تُحفظ نظير ما يفعله صناعه باعتباره أبلغ الرسائل إلى قلوب الشعوب وأفضل معبّر عن تطلعاتها وآمالها المستقبلية.