الصداقة الرقمية: هل يهدد الذكاء الاصطناعي روابط المراهقين الإنسانية أم يعززها
الصداقة بين المراهقين والذكاء الاصطناعي موضوع يثير جدلاً حاداً بين الأجيال. وينظر الكبار إلى هذه العلاقة بريبة عميقة، معتبرين أنها قد تدمر الروابط الاجتماعية التقليدية وتضعف قدرة الشباب على بناء صداقات حقيقية مع البشر. في المقابل، يرى المراهقون في الذكاء الاصطناعي رفيقاً آمناً يساعدهم على التعبير عن أنفسهم في عالم مليء بالضغوط والتعقيدات. وهذا الموقف، الذي يعكس مخاوف الكبار من تحول الذكاء الاصطناعي إلى بديل عن الإنسان، ليس مجرد وهم، بل له أساسات واقعية مدعومة بدراسات حديثة، لكنه ليس قدراً محتوماً أيضاً. فالحقيقة تكمن في التوازن بين الفوائد والمخاطر، مع التركيز على كيفية استخدام هذه التقنية بوعي.
من الجوانب التي تبرر مخاوف الكبار، يبرز تأثير الذكاء الاصطناعي على التطور الاجتماعي للمراهقين. فمرحلة المراهقة حساسة، حيث تتشكل الهوية الشخصية وتُبنى مهارات التواصل العاطفي. وإذا قضى المراهق ساعات طويلة في محادثة آلة، قد ينخفض انخراطه في العلاقات الواقعية، ما يحدّ من قدرته على مواجهة الخلافات والتباينات الإنسانية. فهناك دراسة أجرتها منظمة Common Sense Media على أكثر من 1000 مراهق أميركي كشفت أن 72 في المئة منهم استخدموا رفيق ذكاء اصطناعي، ونصف هؤلاء بانتظام، وأن 31 في المئة يجدون المحادثات مع الذكاء الاصطناعي أكثر إرضاءً من تلك مع الأصدقاء الحقيقيين. وهذا الاعتماد يثير قلقاً مشروعاً، إذ يحذر الخبراء من أن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، الذي يقدم تأكيداً مستمراً دون تحديات، قد يعيق الاستعداد للعالم الحقيقي. كما أشار الباحث مايكل روب، أن هذا قد يقوض التطور الاجتماعي، حيث يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى التعقيد العاطفي الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاطر نفسية مباشرة؛ فقد أدت بعض التفاعلات إلى نتائج مأساوية، مثل حالة الصبي البالغ 14 عاماً الذي انتحر بعد تكوين ارتباط عاطفي مع روبوت دردشة. وهذه الحالات ليست نادرة، إذ كشفت دراسة من جامعة ستانفورد أن الذكاء الاصطناعي يستغل الحاجات العاطفية للمراهقين، ما يؤدي إلى تفاعلات غير مناسبة أو ضارة، خاصة مع قيود عمرية غير فعالة في التطبيقات. كذلك، يمكن أن يزيد هذا الاعتماد من الشعور بالوحدة طويل الأمد، حيث يحل محل الدعم الوجداني العميق الذي يقدمه الأصدقاء الحقيقيون، ما يعزز العزلة الرقمية بدلاً من مكافحتها.
31
في المئة يجدون المحادثات مع الذكاء الاصطناعي أكثر إرضاءً من تلك مع الأصدقاء الحقيقيين
ومع ذلك، لا يمكن إنكار الجوانب الإيجابية التي قد تجعل هذه المخاوف تبدو مبالغاً فيها في بعض السياقات. ويرى المراهقون في الذكاء الاصطناعي متنفساً آمناً للتعبير عن أنفسهم بعيداً عن أحكام الأقران أو ضغوط الأسرة.
دراسات أولية تشير إلى أن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من الشعور بالوحدة قصير المدى ويوفر دعماً عاطفياً، خاصة لمن يعانون من قلق اجتماعي. فعلى سبيل المثال، يساعد في صقل مهارات الكتابة، وتوسيع المعارف، وحتى مواجهة المشكلات النفسية تدريجياً. كما أفاد مراهق يبلغ 18 عاماً، أن الذكاء الاصطناعي “متاح دائماً ولا يحكم عليك،” ما يجعله رفيقاً مثالياً للتجريب. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي صديقاً مكملاً لا منافساً، يساعد في بناء الثقة بالنفس ويفتح نوافذ للتعلم. كما أن بعض الخبراء يرون فوائد في اكتشاف مشكلات الصحة النفسية المبكرة من خلال تحليل البيانات، ما يجعل التقنية أداة إيجابية إذا استخدمت بحكمة. وهذه الفوائد تجعل المخاوف تبدو أحياناً كأوهام ناتجة عن خوف من التغيير، خاصة في عالم يتغير بسرعة تفوق قدرة الأجيال الأكبر على الاستيعاب.
المشكلة الحقيقية ليست في الذكاء الاصطناعي نفسه، بل في غياب الإطار التوجيهي. فإذا ترك المراهق وحيداً مع التقنية دون إشراف، قد تتحول الصداقة الرقمية إلى عزلة، ويعيق بالتالي تعلم المهارات الاجتماعية. لكن إذا دمجت كأداة تعليمية تحت مراقبة الأسرة والمدرسة، يمكن أن تصبح فرصة لتعزيز الوعي والتطور، وتجنب استخدام الذكاء الاصطناعي للأشخاص دون 18 عاماً دون ضوابط. كما أن المناقشات على المنصات تبرز هذا القلق، حيث يناقش مستخدمون مخاطر الذكاء الاصطناعي على الهوية والتطور العاطفي للمراهقين.
فالمخاوف من الصداقة بين المراهقين والذكاء الاصطناعي ليست أوهاماً محضة، بل مدعومة بأدلة علمية تشير إلى مخاطر على الصحة النفسية والمهارات الاجتماعية. ومع ذلك، هناك جوانب إيجابية تجعلها ليست قدراً مظلماً، بل فرصة للتكيف مع عصر رقمي. والمطلوب هو التوازن، وتعليم الأبناء أن الصداقة الحقيقية مع البشر. بهذا، يمكننا تجنب السلبيات واستغلال الإيجابيات، محافظين على الإنسانية في قلب العصر الرقمي.