الحكومة المصرية تهيئ المواطنين لموجة غلاء في السلع والخدمات

استسهال اللجوء إلى جيوب الناس يعمق المعاناة ولا يحل أزمة الحكومة.
الأحد 2025/07/06
تخويف المصريين من فقدان الاستقرار للقبول برفع الأسعار

القاهرة- بدأت الحكومة تهيئ المصريين لموجة غلاء جديدة في بعض السلع والخدمات على وقع توجهات حكومية بالبحث عن مخرج لترميم عجز الموازنة المالية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تواجه البلاد، وسيكون التأثير الكبير على المواطنين بتحريك أسعار الكهرباء بعد تمهيد وسائل إعلام لبدء إعادة تقييمها.

وعرضت وسائل إعلام محلية ملامح من الخطة لجس النبض من خلال تأكيد وجود دراسة تعدّ حاليا للوقوف على حجم الزيادة المنتظرة لأسعار الكهرباء وموعد تطبيقها.

ولم تنف الحكومة تلك المعلومات، ما عدّها مواطنون تسريبا يستهدف قياس ردة فعل الناس وإمكانية تمرير الزيادة الجديدة في أسعار الفواتير بهدوء، أم تواجه غضبا، وفي الحالتين تُدرك الحكومة أنه ليس من السهل أن يتقبل المواطنون المزيد من الغلاء في خدمة أساسية، مثل الكهرباء، بالتزامن مع ظروف معيشية قاسية.

◄ تم تطبيق حزمة اجتماعية جديدة بزيادة المعاشات والرواتب ومساعدات "تكافل وكرامة" موجهة إلى البسطاء بدءا من يوليو الجاري

ويفترض أن الخطة التي كانت معدّة مسبقا هي تجميد أيّ زيادة في أسعار الكهرباء إلى حين انتهاء الموازنة العامة للدولة في يونيو الماضي، ما يعني أنه بداية من يوليو الجاري هناك إعادة لتقييم السعر بناء على المستجدات، لأن الحكومة في مأزق مرتبط بتراجع إنتاج الغاز المحلي واستيراد كميات كبيرة من الخارج.

وعانت مصر الصيف الماضي من أزمة طاحنة في قطاع الطاقة، اضطرت بموجبها الحكومة إلى تخفيف أحمال الكهرباء لمدد متفاوتة في كل منطقة، وصلت إلى أربع ساعات يوميا، ما تسبب في سخط شعبي في حينه، لكنها استمرت حتى نهاية فصل الصيف، وهو ما لا ترغب السلطة في تكراره الآن.

ويعني التوجه نحو تحريك أسعار الكهرباء أن الحكومة تقول إن هذا الخيار بديل منطقي، وأقل حدة من تكرار أزمة انقطاع الكهرباء لتخفيف الأحمال، ما وضع المواطنين بين رفض قضاء فصل الصيف في ظلام وسط ارتفاع درجات الحرارة، أو قبول تحريك فواتير الكهرباء في خضم ظروف اقتصادية صعبة.

وتبرر دوائر حكومية ذلك بأن حجم الطلب على الكهرباء تزايد بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتصاعد استهلاك المنشآت الصناعية والتجارية للطاقة، ما ضاعف الطلب على الشبكة القومية للكهرباء، ولا تنتج الدولة ما تحتاجه محطات الكهرباء من غاز.

إكرام بدرالدين: بعض القرارات الصعبة لا تحدث رفاهية، لكنها نتيجة لتداعيات

وتضم الخطوة التي يتم الترويج لها بدء تطبيق زيادة فواتير الكهرباء من استهلاك يوليو الجاري، وتحصيلها اعتبارا من أغسطس المقبل، بينما ذهب مقترح آخر إلى أن تقوم الحكومة بتأجيل الزيادة إلى نهاية العام، بحيث تكون انتهت من الانتخابات البرلمانية المقررة في شهري أغسطس ونوفمبر لتضمن هدوءا في الشارع.

ولم ترفع الحكومة المصرية أسعار الكهرباء منذ نحو عام، وهي إشكالية تثير مخاوف الكثير من المواطنين، أن تكون التسعيرة المقبلة كبيرة ويتم التحريك بأثر رجعي لتصل النسبة إلى مستوى قد لا يتحمله الناس، في ظل تلميحات بأن الزيادة قد تصل إلى 30 في المئة للشرائح متوسطة الاستهلاك، و50 في المئة للأكثر استهلاكا.

وأكثر ما يثير غضب المصريين أن الحكومة تبدو كمن يستسهل اللجوء إلى جيوب الناس، إذ تصل قيمة سرقات الكهرباء إلى حوالي 600 مليون دولار، واعترفت وزارة الكهرباء أنها لو جمعت هذه المستحقات لما لجأت إلى تحريك أسعار الفواتير.

وما يعني المواطن المصري أن يستمر ثبات الأمن والاستقرار في البلاد، لكن المعضلة في شعور الناس أن الحكومة تبني الكثير من قراراتها على تمسك الناس بهذا المحدد، وتتحرك بطمأنينة في معالجة الأزمة وتتبنى إجراءات تقود إلى المزيد من الغلاء اعتمادا على أن هذا الواقع مفروض على مصر وسط إقليم ملتهب.

وقال رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إكرام بدرالدين إن المصريين يُدركون أن ثبات الأمن في بلدهم أولوية، ومن المستبعد أن ينجرّوا خلف دعوات الاحتجاج، ومهم أن يحدث التحريك في أسعار بعض الخدمات والسلع على فترات ولا يشعر الناس بها، ورغم الشكاوى، تتحمل الحكومة فاتورة كبيرة للدعم.

وأضاف لـ”العرب” أن بعض القرارات الصعبة لا تحدث رفاهية، لكنها نتيجة لتداعيات، والحكومة لا تتفنن في تأليب الناس بقدر ما تلجأ إلى هذا الخيار كحل ينطوي على مشاركة في تحمل المسؤولية واستمرار الاستقرار، والمواطن البسيط يعي جيدا أن الدولة تتعرض لضغوط، وتحاصرها أزمات معقدة.

ويقول معارضون إن الحفاظ على تماسك الدولة أولوية بالنسبة إلى المصريين، لكن الرهان المستمر على تحملهم غير مضمون العواقب، وعلى الحكومة أن تركز أولوياتها على توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية والبحث عن سبل أخرى يمكن من خلالها خفض الدعم لصالح طبقات فقيرة تمثل جبهة داخلية تحافظ على الاستقرار.

وتم تطبيق حزمة اجتماعية جديدة بزيادة المعاشات والرواتب ومساعدات “تكافل وكرامة” موجهة إلى البسطاء بدءا من يوليو الجاري، لكن تلك الزيادة في نظر الناس بدت مقدمة لزيادة في أسعار الطاقة والخدمات العامة وخفض الدعم على سلع أساسية.

◄ الحكومة لم تنف التسريبات، ما عدّها مواطنون خطة لقياس ردة فعل الناس وإمكانية تمرير الزيادة الجديدة بهدوء

وجزء من أزمة المواطنين مع الحكومة أن أغلب تصوراتها المرتبطة بتحريك أسعار سلع وخدمات مدعمة، تأتي تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي لا ترغب الحكومة في الصدام معه لتحافظ على ثقة المؤسسات الدولية وجذب التدفقات الدولارية (الأموال الساخنة)، وهو توجه تدفع ثمنه الطبقة الأكثر فقرا.

وإذا كانت تلك الرؤية منطقية، فالحكومة تلامس سلعا لا علاقة لها بصندوق النقد، مثل السجائر التي قررت رفع أسعارها، وتقترب الخطوة من الخط الأحمر عند الملايين من المدخنين، بعد أن بات سعر العلبة الواحدة يفوق القدرات المالية لشريحة كبيرة تستهلكها، وبررت ذلك أنها ترغب في توجيه فارق الزيادة لقطاعي الصحة والتعليم.

ولم تُدرك الحكومة وجود شريحة في المجتمع لا تهتم بالتسويق لإنجازات تحدث في أيّ ملف بقدر تركيزها على شراء التبغ بسعر يناسب قدراتها المادية، ويزداد الغضب ضد أيّ قرار يرتبط بتحريك أسعاره، كلما كانت الظروف المعيشية صعبة، في ظل تعامل هذه الشريحة مع التدخين كعلاج نفسي يساعدها على تجاوز هموم الحياة.

وبعيدا عن توقع أغلب المصريين لما هو أصعب، فإن مجازفة الحكومة باللجوء المستمر إلى جيوبهم كلما تعرضت لأزمة بحجة أن ما يحدث خارج عن إرادتها، يجب أن يوضع له حد، لأنه يثير شكوكا حول تحميل الشارع فاتورة استقرار الدولة، والتمادي في هذا النهج قد يترتب عليه غضب يتجاوز حدود السخط المكبوت.

1