الحكومة التونسية تتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة مع الأطباء الشبان
تراهن الحكومة التونسية على اعتماد آليات التفاوض والانتصار للحوار في معالجة الملفات الاجتماعية الحارقة، وهو ما كشفه الاتفاق الأخير بين وزارة الصحة ومنظمة الأطباء الشبان، والذي يقضي بالاستجابة لمطالب القطاع، بعد سلسلة من الاحتجاجات.
توصلت وزارة الصحة التونسية ومن ورائها الحكومة إلى اتفاق ينهي الأزمة مع المنظمة التونسية للأطباء ويستجيب لمطالب الأطباء الشبان ويقضي باستئناف العمل في المؤسسات الاستشفائية العمومية، في خطوة كشفت تعاملا مشابها من قبل الحكومة مع الملفات السابقة على غرار ملف الأساتذة المؤقتين وعمال الحضائر.
وتقول أوساط سياسية إنه لا مفرّ من الانتصار للحوار والتفاوض في حلحلة الملفات الاجتماعية العاجلة، مع الأخذ بعين الاعتبار مشروعية المطالب من ناحية، ومحدودية الموارد المالية للدولة من ناحية أخرى.
وجاء الاتفاق المعلن إثر جلسة تفاوض استمرت نحو 12 ساعة متواصلة، وانتهت في حدود التاسعة مساء، وفق تصريح من منظمة الأطباء الشبان لوسائل إعلام محلية.
ويضمن الاتفاق، المنبثق عن الجلسة التي خصّصت للتباحث بشأن مختلف النقاط الخلافية بين الطرفين، استئناف الخدمات الصحية في المرافق العمومية، وقد استجابت وزارة الصحة لأغلب مطالب الأطباء الشبان خلال تلك الجلسة التي جمعت الطرفين الإداري والنقابي، بوساطة من المجلس الوطني لعمادة الأطباء، الذي ساهم في تهيئة مناخ إيجابي للحوار.
وعبّر المصدر ذاته عن ارتياحه للاتفاق الذي تم التوصل إليه والذي يمثل، حسب تعبيره، خطوة إيجابية نحو معالجة المشاغل المهنية والاجتماعية لهذه الفئة وانتصارًا لروح الحوار البنّاء والتشارك في تسيير قطاع الصحة العمومية، مؤكدا أنه يشمل جملة من النقاط الهامة، من أبرزها تسوية مستحقات الأطباء الشبان وزيادة رواتبهم.
من جهتها نشرت وزارة الصحة، ليل الخميس – الجمعة، روزنامة لعملية اختيار مراكز التربص لكافة المقيمين في الطب، والتي انطلقت أمس الجمعة على أن تتواصل إلى غاية التاسع من يوليو الجاري بالمعهد العالي لعلوم التمريض في العاصمة.
وأعلنت المنظمة التونسية للأطباء الشبان على صفحتها الرسمية بفيسبوك أنّه تم إمضاء محضر اتفاق مع سلطة الإشراف تمت من خلاله الاستجابة لعدد من مطالب الأطباء الشبان.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أنه “لا مناص من الحوار الاجتماعي للوصول إلى حلول ترضي كل الأطراف، مع تقديم التنازلات المشتركة، وبالتالي على السلطة أن تتفهم المطالب المشروعة للقطاعات مقابل تفهم عمال تلك القطاعات لصعوبة الوضع المالي للدولة.”
وقال لـ”العرب” إن “الحكومة تجنبت بهذا الاتفاق تعطيل المرفق الصحي العام، ولكن عليها أن تعمل في إطار متناغم.”
وسبق أن أعلنت المنظّمة التونسية للأطباء الشبان عن سلسلة من القرارات التصعيدية، أبرزها الدخول في إضراب لمدة 5 أيام.
وقرّرت المنظمة مقاطعة اختيار مراكز التربصات في جميع الاختصاصات الطبية، بما في ذلك طب العائلة، انطلاقا من أول يوليو الجاري، محذّرة من أنّ المستشفيات الجامعية ستكون دون أطباء مقيمين بداية من يوليو “إذا لم تفتح وزارة الصحة قنوات تفاوض فعلية.”
وكان رئيس المنظمة وجيه ذكّار قد صرّح الخميس، قبيل انطلاق جلسة التفاوض، بأن المنظمة، وفي إطار حرصها على إنجاح مسار الحوار، قررت تعليق إضراب الأطباء الداخليين، كما دعت الأطباء المقيمين إلى العودة إلى مراكز عملهم، وهو ما ساعد في تهيئة الظروف الملائمة للتوصل إلى اتفاق شامل.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “كل ملف اجتماعي تتم تسويته يعتبر مكسبا للمجموعة الوطنية، وهذا ما يحسب للحكومة في ظل الضغوط الاقتصادية والمالية الراهنة.”
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه “من المهمّ أن تكون للحكومة خطّة لمعالجة الملفات الاجتماعية، ولا يمكن لها أن تقرر دون الرئيس قيس سعيد، لأن دستور 25 يوليو 2022 يؤكد أن الحكومة تنفذ توجهات الرئيس.”
ولفت ثابت إلى أن “الحكومة فتحت باب التفاوض مع الملفات العاجلة، والأمر الآن لا يزال يتعلق بوضع إستراتيجية واضحة لتلك الملفات.”
وتضاف حلحلة ملف الأطباء الشبان إلى ملفات أخرى راهنت الحكومة التونسية على معالجتها، على غرار تسوية ملف عمال الحضائر وملف الأساتذة المؤقتين.
وفي وقت سابق توصلت وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي إلى اتفاق بشأن جملة من المطالب دعا إلى تلبيتها الطرف النقابي، وأهمها التعجيل بالإعلان عن القائمة النهائية للمدرسين المؤقتين خارج الاتفاقية في انتظار التسوية ووضع خطة للتوظيف.
ويرى مراقبون أن الحكومة الحالية أخذت على عاتقها مسؤولية تسوية الملف الاجتماعي الشائك والمتوارث رغم شحّ الموارد المالية والصعوبات الاقتصادية، وهو ما يعكس استعدادا كبيرا منها للقطع مع آليات التشغيل الهشّ التي تزايدت ارتداداتها في السنوات الأخيرة.