الجزائر تصوّت لحكيمي.. لمَ لا
كثيرًا ما يُقال إن عالمي الرياضة والسياسة خطان متوازيان لا يلتقيان. ويتّهم الكثيرون من كلا الجانبين مَن يحاول المزج بينهما أو فرض تداخلهما، سواء كان لذلك مبرر أم لا. لكن الوقائع التاريخية تُثبت عكس هذه المقاربة التي يمكن وصفها بـ”المولودة ميتة”. ففي الواقع، يمكن للسياسة أن تكون مكمّلة للرياضة، والعكس صحيح. بل يمكن القول إن “ما قد تعجز عنه السياسة أحيانًا، تنجزه الرياضة بسهولة.”
هذه المقولة تجد اليوم صدًى واضحًا على أرض الواقع. فموضوع الساعة الذي يثير النقاش والتفاعل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي هو: “الجزائر تصوّت للنجم المغربي أشرف حكيمي لنيل جائزة الكرة الذهبية.” قد يبدو الخبر عاديًا ولا يحمل أيّ دلالة عميقة في ظاهره، لكن ردود الأفعال حوله هي التي حوّلته إلى جدلٍ قد يتصاعد صداه لو تكلّلت جهود حكيمي بالنجاح وفاز فعليًا بهذه الجائزة المرموقة في المستقبل القريب.
تجاهلت الجماهير الرياضية الخلافات السياسية ووضعت الحدث في ميزان الموضوعية. إنه نجم عربي استثنائي، يستحق التتويج عالميًا بهذه الجائزة تقديرًا لإنجازاته التي خلّدها على المستطيل الأخضر طوال المواسم الماضية، وخاصة هذا الموسم الذي حقق فيه مع فريقه باريس سان جيرمان لقب دوري أبطال أوروبا بعد سنوات من المحاولات، كما وصل مع النادي الباريسي إلى نهائي كأس العالم للأندية في الولايات المتحدة ليكون الوصيف بعد تشيلسي الإنجليزي بطل المسابقة.
قصة حكيمي لم تبدأ اليوم، بل تعود إلى مواسم سابقة، وأبرزها الإنجاز التاريخي الذي حققه مع منتخب “أسود الأطلس” في مونديال قطر 2022، عندما وصلوا إلى نصف النهائي كأول منتخب عربي يبلغ هذا المستوى، ناهيك عن فوز المغرب بشرف تنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، ليصبح بذلك ثاني بلد أفريقي يستضيف البطولة بعد جنوب أفريقيا عام 2010.
هكذا تكون الرياضة أحيانًا مدخلًا لفهم عالم الشهرة وتعزيز مكانة الدول. فقد رسم المغرب إستراتيجيته في هذا الاتجاه وعمل بصمت ليحصد هذه النتائج
هكذا تكون الرياضة أحيانًا مدخلًا لفهم عالم الشهرة وتعزيز مكانة الدول. فقد رسم المغرب إستراتيجيته في هذا الاتجاه وعمل بصمت ليحصد هذه النتائج. نجوم شباب يسعدون المغاربة في كل مناسبة رياضية، وإنجازات عربية وعالمية تبدو قادرة على محو آثار ما أفسدته السياسة.
هذه هي السياسة أيضًا، وهذا هو عالمها. إنها سياسة اليد الممدودة التي أكدتها رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير الموجه للجزائر الشقيقة. واليوم، نرى جانبًا من استجابة الشعب الجزائري لهذه الرؤية، في انتظار رد فعل الساس.
هذا هو دور الرياضة الحقيقي: أن تكون جسرًا بين الشعوب، تعبّر عن تطلعاتها للبناء والتوحّد. فإذا فاز حكيمي بالجائزة، سيكون هذا الإنجاز لكل المغاربة والجزائريين والتونسيين والليبيين والموريتانيين الذين وقفوا خلفه ودعموه بصوتٍ واحد، ليكونوا أفضل سفراء له.
في عالمٍ يعجّ بالتحديات، ليس أمام الشعوب العربية إلا الاتحاد في وجه كل من يتاجر بقضاياها ويرهنها لمواقف سياسية متشددة. وخير مثال على ذلك قضية الصحراء المغربية التي يزداد الاعتراف العالمي بعدالتها يومًا بعد يوم.
جائزة الكرة الذهبية قد تكون فرصةً لذوبان الجليد بين الشعبين المغربي والجزائري، وإعادة الحياة إلى الشارعين المغاربيين للاحتفال معًا بإنجاز نجمهما، وربما تذكير القادة السياسيين بضرورة مسايرة إرادة الشعوب في التقارب بدل التصعيد.
هكذا يجب أن نرى العلاقة بين الرياضة والسياسة: كأداة للنهوض بالشعوب، والسير مع الأحداث بدل الوقوف على الهامش. اليوم، حكيمي هو محط الأنظار، وغدًا قد يكون النجم جزائريًا أو تونسيًا أو ليبيًا أو موريتانيًا. هذه هي القاعدة التي تُبنى عليها المواقف الإيجابية، وهذا هو الطريق الحقيقي لإحياء روح التضامن العربي. فلعلّ الرياضة تكون مهدًا لمغرب عربي موحّد.. لمَ لا؟