اختلاف في تقييم أداء البرلمان التونسي
تباينت التقييمات السياسية والحقوقية لنشاط البرلمان التونسي الحالي، ففي الوقت الذي ثمن فيه مراقبون عمل النواب من ناحية تقديم المبادرات المهمة واقتراح مشاريع القوانين في علاقة بحياة التونسيين، انتقدت أطراف أخرى عمل النواب معتبرة أنه لا يرتقي إلى تطلعات الشعب، وأن النواب اقتصروا على مجرد الحضور في البرلمان.
تونس- اختلفت آراء المراقبين في تونس بشأن تقييم أداء عمل مجلس نواب الشعب (الغرفة التشريعية الأولى) إلى حدّ الآن، فبينما يعتبر البعض أنه تمكّن من مناقشة وتمرير بعض القوانين التي تهم التونسيين ونجح في اقتراح عدة مبادرات تخدم الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، يرى البعض الآخر أنه لم ينجح في تحقيق المهام الموكولة إليه، بل اكتفى بتسجيل حضور سياسي في المشهد.
وترى أوساط سياسية أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية في علاقة بنشاط النواب وتقديم المبادرات التي تخدم مصالح الشعب، أولها تقديم بعض المقترحات القانونية والمصادقة على بعض التشريعات، وأن من ينكرون ذلك تقودهم خلفيات سياسية وحزبية تسعى لترذيل عمل البرلمان.
في المقابل أكد متابعون للشأن التونسي أن البرلمان لم يقدم الشيء الكثير، بل بدا مردود النواب مهزوزا، ولم يتطرقوا إلى طرح أهم القضايا التي تهم التونسيين على غرار ملف المديونية والتضخم وغيرهما.
وفي يوليو الماضي تقدم 26 نائبا بمقترح قانون (عدد 83/2025) يهدف إلى مكافحة كل أشكال العنف داخل الملاعب والمنشآت الرياضية في تونس.
ويشمل مقترح القانون جميع الفعاليات الرياضية التي تقام في الملاعب والمنشآت الرياضية وأماكن التجمع المحيطة بها داخل التراب التونسي.
ويتضمن مقترح القانون في باب العقوبات والجزاءات (الفصل 7) عقوبات تتراوح بين ستة أشهر وعشر سنوات سجنا وغرامات مالية لا تقل عن خمسة آلاف دينار على الأفراد وخمسين ألف دينار على الأندية.
كما قدّم عدد من النواب مؤخّرا مقترح قانون عدد 097/ 2025 يتعلّق بتنظيم العمل بنظام الحصّة الواحدة وحوكمة الزمن المدرسي ويتكوّن من 7 فصول.
ويدعو المقترح إلى اعتماد نظام الحصة الواحدة في المؤسسات التربوية العمومية وذلك خلال فترة واحدة متواصلة (صباحية أو مسائية) لا تتجاوز خمس ساعات يوميا، دون انقطاع بين الفترتين، مع إمكانية إدماج أنشطة موازية اختيارية خارج هذا التوقيت.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأن “هناك العديد من المبادرات التي تقدم بها النواب، لكن كل طرف يقيم عمل البرلمان من الزاوية السياسية التي يراها، وهناك من ينتقد الأداء لمجرد الانتقاد.”
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك العديد من المبادرات الإيجابية، لكن تبدو للبعض دون أهمية،”، مضيفا “نعم هناك نقائص لكن الفترة النيابية ما زالت متواصلة.”
واعتبر الشيباني أن “التقييم يكون بصورة عقلانية، وهناك من يسعى لترذيل الحياة السياسية، كما أن التشكيك في قيمة عمل النواب نابع من خلفيات سياسية.”
وتم انتخاب أعضاء البرلمان التونسي في اقتراع اتسم بعزوف كبير، حيث لم يشارك فيه سوى 11.2 في المئة من الناخبين، ليخلف بذلك البرلمان السابق الذي حلّه الرئيس قيس سعيد قبل أن يدعو إلى استفتاء على دستور جديد للبلاد.
من جهتها انتقدت وجوه سياسية عمل البرلمان ونوابه، معتبرة أنه لم يعالج المسائل الأساسية في حياة التونسيين واكتفى النواب بتسجيل الحضور في قاعة الجلسات.
وترى تلك الوجوه أنه كان بالإمكان التطرق إلى عدة ملفات في علاقة مباشرة بحياة التونسيين في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية ومالية.
وتضيف أنه على عكس البرلمانات السابقة، هناك نسبة كبيرة من أعضاء المجلس الحالي تفتقد إلى أبسط مقومات النشاط البرلماني وخصوصا لا تملك سجلاّ سياسيا وأكاديميا كبيرا يمكّنها من إدارة نشاطها في أفضل الظروف.
وقال الناشط السياسي محمد صالح الجنادي “يفترض بعد مرور تونس بمرحلة صعبة جدا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، أن تتم مناقشة أهم المسائل المطروحة، لكن للأسف لم تتم مناقشة ملفات مهمة مثل المديونية والأزمة المالية، فضلا عن مشكلة التضخّم.”
وأكد لـ”العرب” أنه “لم يتم أيضا التطرق إلى المشاكل في الجهات وطرح مشاغل الفئات الهشة،” لافتا إلى أن “هؤلاء النواب ليسوا أصحاب مسؤوليات ولم يسبق أن مارسوا السياسة، كما يوجد نقص كبير في التواصل مع مختلف الفئات الشعبية.”
وتابع الجنادي “البرلمان وجوده كعدمه، ولم يقدم خدمات للوطن، واقتصر النواب على تسجيل الحضور، بل يتقاضون أموالا طائلة في برلمان تقدّر ميزانيته بـ24 مليون دينار (8.32 مليون دولار).”
وفي وقت سابق اعتبرت منظمة “أنا يقظ” أن “مجلس نواب الشعب الحالي يريد عن وعي أن يبقى تحت ظلّ الوظيفة التنفيذية، كما لم يصادق طيلة سنة كاملة إلاّ على مشاريع قوانين رئاسة الجمهورية بنسبة 97 في المئة، أي بطريقة شبه آلية.”
وأكدت المنظمة أن “حصيلة القوانين التي صادق عليها المجلس الحالي خلال هذه السّنة هي الأضعف مقارنة بمجلسي نواب الشعب لسنة 2014 و2019، بتراجع يقدّر بحوالي عشرة قوانين.”
وتثير الحصانة البرلمانية نقاشا وجدلا في تونس بين من يشددون على أنها حق دستوري وضمانة ظرفية لحماية النواب أثناء أدائهم لمهامهم، وبين من يرون أن البعض يستغلها للإفلات من المساءلة والمتابعة القضائية.
ووفق دستور 25 يوليو 2022 تقلصت صلاحيات نواب البرلمان الجديد مقارنة بما كانوا يتمتعون به في دستور 2014.