إنجازات المغرب التي أربكت "لوموند"

المغرب اليوم ليس دولة تابعة تنتظر توجيهات من الخارج بل بلد يصنع مصيره بقرار سيادي واضح ويُعيد تعريف موقعه في العالم من خلال إنجازاته لا من خلال التبعية.
الثلاثاء 2025/09/09
نزعة مركزية ترى في النموذج الغربي مرجعًا وحيدًا للتقدم

المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، يُجسّد نموذجًا استثنائيًا يجمع بين الاستقرار السياسي والتنمية الشاملة، مع الحفاظ على هوية وطنية راسخة وانفتاح مدروس على التحديث. هذا النموذج لا يُبنى على الشعارات، بل على مشاريع ملموسة وسياسات متوازنة، جعلت من المملكة فاعلًا إقليميًا يحظى بالاحترام. وسط هذا المسار، تثير تقارير صحيفة “لوموند” الفرنسية تساؤلات عميقة بسبب تناقضها البيّن: من محاولات التشكيك في العلاقة بين العرش العلوي والشعب المغربي، إلى الإشادة بالإنجازات التنموية في مدينة الداخلة. هذا التحول في الخط التحريري يستحق التدقيق، ليس فقط لفهم دوافعه، بل لكشف السياقات التي تحرك السرديات الإعلامية حول دولة ذات سيادة مثل المغرب.

وكانت صحيفة “لوموند” قد نشرت مؤخرا سلسلة مقالات زعمت أنها تحقيقات استقصائية حول نظام الحكم في المغرب. اعتمدت هذه المقالات على معلومات مفتوحة المصدر، مغلفة بادعاءات غير موثقة، وحاولت تصوير العلاقة بين الملك والشعب بصورة نمطية، متجاهلة الروابط التاريخية والثقافية والدينية التي تشكل أساس هذه العلاقة. بدت هذه التقارير وكأنها تسعى إلى تقويض شرعية المؤسسة الملكية، وهي ركيزة أساسية لاستقرار المغرب وتقدمه. لم تكن المشكلة في غياب المهنية فحسب، بل في ما يشبه التدخل في شؤون دولة مستقلة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المقالات تعكس أجندة سياسية أو نزعة استعلائية أوروبية.

فجأة، وفي تحول لافت، نشرت “لوموند” تقريرًا إيجابيًا عن الداخلة، وصفت فيه المدينة بأنها “ورشة مفتوحة” تجسد رؤية الملك محمد السادس لتحويل الصحراء المغربية إلى محرك تنموي. أشادت الصحيفة بالمشاريع الكبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطريق السريع تيزنيت – الداخلة، والاستثمارات في السياحة والطاقة المتجددة، وسلطت الضوء على دينامية غير مسبوقة في البنية التحتية. هذا التحول يثير أسئلة: هل هو محاولة لتصحيح انزلاق مهني؟ أم إقرار متأخر بحقائق يصعب إنكارها؟

منذ اعتلائه العرش عام 1999، قاد الملك محمد السادس تحولات جذرية جعلت المغرب نموذجًا إقليميًا في التحديث المتوازن. على الصعيد الاقتصادي، تحوّل ميناء طنجة المتوسط إلى منصة لوجستية عالمية، تربط بين أوروبا وأفريقيا، وتُعد من بين أكبر الموانئ في البحر المتوسط. أما مشروع نور للطاقة الشمسية في ورززات، فهو أحد أكبر المجمعات الشمسية في العالم، ويعكس التزام المغرب بالتحول الطاقي ومكافحة التغير المناخي. القطار فائق السرعة “البراق”، الأول من نوعه في أفريقيا، يربط طنجة بالدار البيضاء، ويجسّد طموح المملكة في تحديث النقل العمومي.

◄ المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يظل نموذجًا يتحدى محاولات التشكيك. إنجازاته الملموسة، من موانئ عالمية إلى مشاريع اجتماعية، تتحدث باسمها

توسعت شبكة الطرق السريعة بشكل غير مسبوق، وتم إنشاء مناطق صناعية متخصصة مثل “تكنوبارك” و”ميدبارك”، ما ساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل. كما أطلق المغرب مشاريع ضخمة في مجالات الفلاحة والصيد البحري والصناعات التحويلية، ما عزز من تنويع الاقتصاد الوطني وتقليص الاعتماد على القطاعات التقليدية.

على الصعيد الاجتماعي، أطلقت المملكة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، وهي مشروع اجتماعي رائد يهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية، خاصة في المناطق القروية. كما تم إطلاق مشروع تعميم التغطية الصحية والاجتماعية، الذي يسعى إلى ضمان الحماية الاجتماعية لجميع المغاربة، ويشمل التأمين الصحي الإجباري، والتقاعد، والتعويضات العائلية. في مجال التعليم، تم إطلاق خارطة طريق جديدة لإصلاح النظام التعليمي، وربط التكوين المهني بسوق الشغل، ما يعزز قابلية الشباب للتوظيف. أما في مجال حقوق المرأة، فقد شهد المغرب إصلاحًا جوهريًا لمدونة الأسرة، مكّن النساء من حقوق قانونية واجتماعية غير مسبوقة في العالم العربي.

دبلوماسيًا، عزز المغرب حضوره في أفريقيا عبر شراكات اقتصادية واستثمارات في قطاعات حيوية، مثل البنوك، والطاقة، والتعليم، والفلاحة. كما حافظ على دبلوماسية متوازنة مع القوى الدولية، ونجح في تعزيز موقعه كفاعل إقليمي في ملفات الأمن والهجرة والطاقة. ويحظى مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية بدعم دولي واسع، ويُقدّم كحل واقعي للنزاع الإقليمي، ويعكس نضج الرؤية الملكية.

هذه الإنجازات تجعل محاولات التشكيك التي تبنتها “لوموند” في تقاريرها السابقة تبدو بعيدة عن الواقع. تلك التقارير، التي بدت مستلهمة من نزعة مركزية أوروبية ترى النموذج الغربي مرجعًا وحيدًا للتقدم، فشلت في فهم خصوصية المغرب كدولة تجمع بين الأصالة والحداثة. المغرب اليوم ليس دولة تابعة تنتظر توجيهات خارجية، بل بلد يصنع مصيره بقرار سيادي واضح، ويُعيد تعريف موقعه في العالم من خلال إنجازاته لا من خلال التبعية.

التحول في خطاب “لوموند” قد يكون خطوة إيجابية، لكنه يظل ناقصًا دون اعتذار صريح عن التقارير السابقة. هذا التحول قد يعكس إدراكًا متأخرًا لحجم الإنجازات، أو محاولة لتخفيف الانتقادات التي واجهتها الصحيفة. لكنه يكشف أيضًا عن أزمة في المهنية الصحفية، حيث تتحول الصحافة إلى أداة في حرب السرديات، بدل أن تكون منبرًا للحقيقة.

في النهاية، يظل المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، نموذجًا يتحدى محاولات التشكيك. إنجازاته الملموسة، من موانئ عالمية إلى مشاريع اجتماعية، تتحدث باسمها. المعركة الحقيقية اليوم تُخاض في حقل السرديات، والمغرب، بسيادته وثقته، يواصل مسيرته، مؤكّدًا أن مستقبله يُكتب بإرادة شعبه وقيادته، لا بأقلام مشككة ولا بتقارير مغرضة.

8