إعلان الحكومة المصرية عن انتهاء الأزمة الاقتصادية يضعها تحت ضغوط شعبية

الإعلان عن تجاوز الأوضاع الصعبة يستوجب إسقاط الأعباء.
الخميس 2025/07/31
المواطن المصري تائه بين ما يجري الترويج له وما هو ملموس

أثارت تصريحات رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي عن تجاوز الأزمة الاقتصادية جدلا في البلاد، بين من أبدى ارتياحا ومن شكك في تلك التصريحات التي لا تتطابق مع الواقع المعيش.

القاهرة - جلبت الحكومة المصرية على نفسها ضغوطا شعبية بإعلانها تجاوز البلاد الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ما يعني أنها مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، باعتبار أن الذريعة التي احتمت بها لتمرير إجراءات صعبة تلاشت.

وهيأ رئيس الحكومة مصطفى مدبولي المواطنين لرؤية تحسن ملموس في أسعار السلع والخدمات، مؤكدا أن الأزمة الاقتصادية التي واجهتها الدولة على مدار الفترة الماضية “تم تجاوزها وصارت الأمور جيدة.”

وجاء تأكيد مدبولي خلال اجتماع عقده مع رؤساء جميع الغرف التجارية في السوق المصرية، وهم يسيطرون على حركة السلع وبيعها، واتفق معهم على حتمية خفض الأسعار في الفترة المقبلة بعد انتهاء الأزمة الاقتصادية.

وقال رئيس الحكومة المصرية إن المطلوب حاليا أن يشهد المواطن انخفاضا في أسعار السلع، فسعر الدولار سجل انخفاضا مقابل الجنيه مؤخرا، وأداء الاقتصاد جيد، لكن أسعار السلع لا تتناسب مع التحسن في المؤشرات الاقتصادية، لذا يتعين أن تتراجع الأسعار “الآن”.

واستقبلت شريحة من المواطنين تصريحات رئيس الحكومة بتفاؤل، بينما فسرتها أخرى بأنها محاولة لبث الأمل والطمأنينة، فغير منطقي انتهاء الأزمة الاقتصادية بشكل مفاجئ ودون شعور المواطنين بذلك.

الخطاب الحكومي عن التحسن الاقتصادي يستهدف النخبة، وربما المعارضة أيضا، ولا ينزل إلى مستوى عقل المواطن

وشهد الفضاء العام حالة من التندر على كلام مدبولي، ورهن مصريون أي تحسن بمدى انعكاسه على ظروفهم المعيشية، وإذا كانت الأزمة الاقتصادية انتهت كما تقول الحكومة، فعليها أن تتراجع عن القرارات الصعبة التي أثقلت كاهل الناس بالأعباء.

وبالغت وسائل إعلام رسمية في الترويج لخطاب رئيس الحكومة الذي تحدث عن انتهاء الأزمة الاقتصادية، لإقناع الرأي العام بأن الأوضاع ستتغير في القريب العاجل، أملا في الحد من الإحباط الشعبي، لكن الناس لا يرون بوادر إيجابية لتلك الدعاية.

وتظل الإشكالية التي تسيطر على غالبية المصريين هي تهاوي الثقة بينهم وبين الحكومة، ومهما قدمت من أدلة على انتهاء الأزمة وتحسن مؤشرات الاقتصاد لن يحظى خطابها بمصداقية، مع عدم وجود شواهد حقيقية على الأرض.

ويتمثل جزء من الأزمة في أن الخطاب الحكومي الموجه للشارع عن التحسن الاقتصادي يستهدف النخبة، وربما المعارضة أيضا، ولا ينزل إلى مستوى عقل المواطن العادي.

ولم تمرر المنابر الإعلامية التي تتحدث بلسان جماعة الإخوان تصريحات مدبولي عن انتهاء الأزمة الاقتصادية، وحاولت توظيفها في ضرب مصداقية السلطة أمام الشارع من خلال الاستعانة بأرقام رسمية صادرة عنها تخص معدلات الفقر.

وتعتقد دوائر سياسية أن الحكومة ليست ساذجة إلى حد إعلان تجاوز الأزمة الاقتصادية دون امتلاك أدلة، وقد تضطر إلى التشدد حيال التجار في الفترة المقبلة لتأكيد رؤيتها.

وتحدث مدبولي إلى كبار التجار والمستوردين بطريقة هادئة، ولا يعني ذلك أن الدولة لن تنقلب عليهم في أي لحظة إذا وجدت نفسها في مواجهة مع الشارع واستمرت الأسعار في الارتفاع بلا تفسيرات تملكها الحكومة.

وتتعامل السلطة في مصر مع ارتفاع أسعار السلع كمهدد للأمن المجتمعي، وعنصر يغذي القلق العام، في توقيت سياسي بالغ الحساسية، بما لا يسمح بوجود مراكز قوى تتحدى سياسات الدولة وتحركات الحكومة أمام المواطنين.

وغلاء الأسعار هو المصدر الرئيسي الذي يجلب غضب الشارع على السلطة في مصر، وأي قرار أو سياسة أخرى ربما لا يعيرهما الناس اهتماما، وإذا تمكنت الحكومة من مواجهة الاحتكار والتربح على حساب الناس بصرامة ستكون قد نجحت بامتياز.

ولدى النظام المصري أدوات ضغط كثيرة ليعزز مصداقية الحكومة في ما يتعلق بانتهاء الأزمة الاقتصادية بعد أن اختزل الناس ذلك في تحسن ظروفهم، أبرزها خفض الأسعار وتراجع معدلات التضخم، بأساليب مبتكرة.

وصدر قانون منذ نحو عامين يتيح الاستعانة بالجيش في ضبط الأسواق ومواجهة الجرائم التي تضر بالسلع التي يحتاجها المواطنون، لكن لم تطبق نصوصه، لاعتبارات مرتبطة بانعكاس الأزمة الاقتصادية على الجميع.

وقد تضطر الحكومة إلى تطبيق القانون، إذا لم تصل مع كبار التجار في السوق إلى نقطة تلاق، أو تسببوا في منغصات سياسية وشعبية مرتبطة بأن الناس لا يشعرون بانتهاء الأزمة، وحينها لن يكون أمام السلطة سوى التلويح بالقبضة الأمنية.

ويتعامل خصوم السلطة مع اضطراب الأسواق على أنه فرصة لتأليب الناس، لأن حراك الشارع وقوده الطبقات المتوسطة، لكن هذه الرؤية تصطدم بأن أغلب المصريين يتوحدون خلف الدولة لمواجهة التحديات الخارجية.

وتحركت الحكومة على مستويات عدة، لتنتهي الأزمة الاقتصادية، لكنها مطالبة بتحقيق تطلعات المواطن العادي الذي لا يعنيه تحسن مؤشرات الاقتصاد، حيث لديه اقتصاده الخاص الذي يفهمه ويعيشه.

النظام المصري يعتمد أدوات ضغط كثيرة ليعزز مصداقية الحكومة في ما يتعلق بانتهاء الأزمة الاقتصادية بعد أن اختزل الناس ذلك في تحسن ظروفهم

ويحتاج المواطن أن تبين له الحكومة مدى صحة التحسن، فليس مهما تراجع سعر الدولار أمام الجنيه، ما لم ينزل إلى السوق ويجد سعر السلع تراجع، أو أن قرارا صعبا تم اتخاذه في الماضي لاعتبارات الأزمة، وأصبح التراجع عنه حتميا.

وقال الباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زايد إن “المصريين لهم رؤية خاصة حول تحسن الأوضاع الاقتصادية، ويحكمون على الأمور بما لديهم من أدلة واقعية تخص حياتهم وظروفهم المعيشية، وهذا يمثل تحديا مضاعفا على الحكومة.”

وأكد لـ”العرب” أن الحكومة تقيس مؤشرات التحسن وفق تقارير محلية ودولية، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة تجعله ينعكس بشكل سريع على حياة الناس، وسوف تظل أسعار السلع المعادلة الأهم عند المواطنين لإثبات التحسن.

ويختلف هذا الفهم بشكل جذري عن وجهة نظر الحكومة تجاه وضع الاقتصاد، وقد لا يعني الأمر وجود قدر من التشكيك بقدر ما يرتبط بأن البسطاء لا يفهمون مسائل التنمية والسياسة الاقتصادية، وما يعنيهم أن تتوفر لديهم مقومات الحياة الطبيعية.

ومهما استندت الحكومة إلى أن أزمة الدولار انتهت بالنسبة إليها، باعتباره يتوافر في المصارف وسعره انخفض نسبيا، سوف يظل المواطن العادي يتعامل مع وصول سعر الدولار مقابل الجنيه إلى أكثر من 48 ضعفا ككارثة اقتصادية لا تعكس تحسنا.

ويجعل تقديم صورة خيالية عن الواقع الذي يعيشه المواطنون المسؤول الحكومي مصدر تندر، ويؤكد على إنكار الأزمة لبث تفاؤل خادع، ومفهوم أن انتهاء الأزمة لا يعني حدوث تحسن في اليوم التالي، فالتداعيات قد تستمر لفترة، لكن من المهم أن تخاطب الحكومة الناس وفق وعيهم العملي، وليس وفق منطقها النظري.

2