أسر عراقية تقابل الرسوب الدراسي لأبنائها بالعقاب النفسي والجسدي
بغداد - تتباين ردود فعل الأسر العراقية تجاه الرسوب أو الإخفاق الدراسي لأبنائها، لكن غالبا ما تنزلق نحو العقاب والانفعال بدلا من الدعم والتفهّم.
ومع إعلان نتائج الامتحانات، تتصدر مشاهد الفرح والدموع واجهات البيوت العراقية، إلا أن الوجه الآخر للنتائج والمتمثل في الإخفاق يظل من المواضيع التي تتعامل معها الكثير من الأسر بردود فعل مختلفة، تتراوح بين التفهّم والاحتواء، وبين الانفعال والتأنيب، وربما العقاب الجسدي أو النفسي.
وبينما يعبّر الكثير من الآباء عن فرحهم الغامر بنجاح أبنائهم، فإنهم يفتقرون غالبا إلى أدوات التعامل السليم عند ظهور نتيجة غير مرضية.
ويبدو أن الرسوب بالنسبة إلى بعض الأسر لا يفهم كجزء من مسار تعليمي مليء بالتحديات، بل يؤخذ بوصفه فشلا شخصيا لا يغتفر، يقابل بالغضب أو حتى الإهانة.
وقال أحمد خالد، والد أحد الطلبة الراسبين، “أصبت بخيبة أمل كبيرة عندما علمت برسوب ابني. شعرت بأن كل ما بذلته من جهد ذهب هباء، ففقدت السيطرة على أعصابي. ووبّخته بقسوة، وضربته، وذكّرته بما أقدمه له من دعم وتوفير لمستلزماته الدراسية.”
الرسوب بالنسبة إلى بعض الأسر لا يفهم كجزء من مسار تعليمي مليء بالتحديات، بل يؤخذ بوصفه فشلا لا يغتفر
وأضاف أنه سحب هاتفه وأوقف عنه المصروف اليومي ليجعله يدرك حجم الخطأ، وليأخذ الأمر على محمل الجد في المستقبل.
من جهتها اتخذت أم حامد أسلوبا مختلفا في التعامل مع ابنها، لكنه لا يقل حدة عن أسلوب أحمد خالد، إذ حرمت ابنها من الخروج ووسائل الترفيه لأسبوع كامل، وأمطرته بالتوبيخ اللفظي.
وقالت “قارنته بإخوته الذين نجحوا، لعله يشعر بالخجل ويدفعه ذلك إلى مراجعة نفسه.” لكنها لا تُخفي أنها لاحظت تدهور حالته النفسية منذ ذلك الوقت.
ويرى المختصون أن هذا الأسلوب في التعامل يمكن أن يحوّل الإخفاق من فرصة للتعلّم وإعادة البناء إلى بداية لانهيار الثقة والتواصل داخل الأسرة.
ويعتبر مدير مركز التأهيل النفسي الدكتور أحمد الذهبي أن التعامل القاسي مع الإخفاق الدراسي قد يكون أكثر ضررا من الرسوب ذاته، إذا لم يدر بطريقة ناضجة.
وأشار إلى أن من أبرز التداعيات النفسية لمثل هذه الأساليب تآكل الثقة بالنفس، والشعور المتنامي بعدم الكفاءة. وحين يُعاقب الطالب على خطأ واحد دون التفات إلى جهده أو ظروفه، فإنه يبدأ بالتشكيك في قدراته ويصبح أكثر هشاشة أمام الضغوط.
وأكد الذهبي أن التوبيخ المستمر لا يخلق فقط مشاعر الذنب، بل قد يؤدي إلى حالات مزمنة من التوتر والقلق، بل وحتى إلى أعراض اكتئابية في بعض الحالات.
وقال الذهبي “الخوف من الفشل يصبح رفيقا دائما للطفل، فيتهرب من المحاولة، ويكفّ عن خوض التحديات، ما يعرقل تطوره الأكاديمي والشخصي.”
وكبديل عن هذا السلوك في التعامل مع فشل الأبناء، شدد الذهبي على أهمية النقد البنّاء، الذي يركّز على الفعل لا على الشخصية، ويهدف إلى التحفيز لا الإهانة.
وأكد أن اختيار الوقت المناسب، واستخدام لغة هادئة ومحترمة، والاستماع إلى الطفل، كلها عناصر أساسية لبناء حوار تربوي فعّال يعالج الخطأ دون خلق جروح نفسية طويلة الأمد.
بدوره يرى الباحث الاجتماعي الدكتور عبدالواحد مشعل أن الأزمة تكمن في وعي الأسرة وطريقة رؤيتها لمفهوم النجاح والفشل.
وقال “حين تدرك الأسرة أن هناك فروقا فردية بين الأبناء، وأن الرسوب لا يعبّر بالضرورة عن غباء أو تقصير، بل ربما عن ظروف أو ضعف توجيه، فإنها تبدأ بالتعامل مع الحدث كمنعطف تربوي لا ككارثة.”
وأضاف مشعل أن تجاوز الصدمة هو أول خطوة نحو الحل، ويتحقق ذلك من خلال بث روح الثقة في نفس الطالب، وتعزيز شعوره بأن الأسرة ما زالت تؤمن بقدراته، وتنتظر منه المحاولة مجددا في السنة المقبلة.
التعامل القاسي مع الإخفاق الدراسي قد يكون أكثر ضررا من الرسوب ذاته، إذا لم يدر بطريقة ناضجة
وتابع “من المهم أن يشعر الطالب بأن نجاحه يعني الكثير لأسرته، لكن دون أن يتحول فشله إلى سبب في القطيعة أو التنمّر داخل البيت.”
كما نبّه مشعل إلى أن بعض حالات الرسوب قد تكون نتيجة إهمال مزمن أو انشغال الطفل بعلاقاته الاجتماعية أو الألعاب، إلا أن ذلك لا يعالج بالعقاب، بل بإعادة بناء علاقة إيجابية معه.
وطرح حلولاً عملية، من بينها ملء وقت الفراغ بأنشطة مفيدة، وتعزيز اهتمامات الطفل الخاصة، وإشراكه تدريجيا في الفعاليات الأسرية والثقافية، كالمعارض والقراءات الجماعية أو مشاهدة أفلام علمية تحفّز الفضول.
وختم الدكتور عبدالواحد بأن مستوى الوعي الثقافي والمعرفي للأسرة يلعب دوراً محورياً في تحديد نوع رد الفعل على الرسوب؛ فكلما كانت الأسرة أكثر قربا من المفاهيم التربوية الحديثة، زادت قدرتها على احتواء الإخفاق وتحويله إلى خطوة نحو النضج والنجاح المستقبلي.
ويرى خبراء علم النفس أن الفشل في الدراسة هو شعور مؤلم يمكن أن يؤثر على ثقة الطالب بنفسه ويؤدي إلى إحباط كبير، لكنه في نفس الوقت بداية جديدة وفرصة للتعلم والنمو.
وينصح الخبراء بتقبل الفشل كأول خطوة، لأن الفشل جزء من أي عملية تعلم. وبحسب خبراء علم النفس، ليس من الضروري أن يكون الطالب دائمًا في قمة الأداء ليكون شخصًا ناجحًا، فالأخطاء جزء من الطريق إلى النجاح، وغالبًا ما يتعلم الناجحون من الفشل أكثر من تعلمهم من النجاح، وكل فشل هو درس مهم.
ومن المهم، بحسب الخبراء، أن يعرف الطالب سبب الفشل لكي يتدارك الأمر في المستقبل.