هجوم أكتوبر نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي

ما قامت به حماس من حرب مباشرة ضد إسرائيل في ظل التهدئة والتعايش لا يرتبط بجهاد الدفع في مواجهة عدو خارجي.
الأربعاء 2025/10/15
هل تحقق السلام فعلًا؟

رفضت حركة حماس اتفاقية أوسلو للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية عام 1993 لما فيها من اعتراف بحق الاحتلال في 78% من أراضي فلسطين. ومع تراجع زخم انتفاضة الأقصى ساهم ذلك في فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 وحكم غزة.

وفشلت المصالحة التي رعاها الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2007. بهذا الانقسام بين الفلسطينيين وفرت إسرائيل عقوداً من الاحتلال الرخيص الكلفة، عززت خلالها الاستيطان وتهويد القدس، وفي الوقت نفسه سمحت لعشرات الآلاف من أهل القطاع بالعمل داخل حدودها.

وما قامت به حماس من حرب مباشرة ضد إسرائيل في ظل التهدئة والتعايش لا يرتبط بجهاد الدفع في مواجهة عدو خارجي. بل أخطأت حماس حين اعتقدت أن لدى حزب الله توجهاً للتصعيد العسكري مع إسرائيل كما في عملية مجدو في آذار – مارس 2023. عززت هذه المعطيات فرضية انخراط الحزب المبكر في الاشتباك مع إسرائيل، بينما كانت إسرائيل تتمنى ذلك لتجد الذريعة في تحجيم قوته.

◄ تبدل مواقف حماس بين التهدئة والمواجهة واعتقادها الخاطئ بانخراط حزب الله في التصعيد، جعلها تدخل حرب طوفان الأقصى دون تقدير لعواقبها فدفعت غزة الثمن إبادة ودماراً

ورغم تجنب حزب الله الانخراط في حرب شاملة، استهدفت إسرائيل قدراته العسكرية والسياسية ووجدت فرصة سانحة يصطف خلفها العالم لأن حماس هي البادئة. والسؤال: هل حماس عندما قررت القيام بحرب طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 لم تتوقع ما يحدث من إبادة لشعب غزة؟ خصوصاً وأنها تعاني انفصاماً بين الوعي والممارسة السياسية. فمنذ ظهورها أحدثت انقلاباً وانقساماً فلسطينياً، وكامتداد لحركة الإخوان المسلمين اعتبرت إيران جهة داعمة، رغم معرفتها أن إيران تتاجر بالقضية الفلسطينية ولا تعنيها إلا بقدر ما يخدم مشروعها ونفوذها الإقليمي الذي بدأ يتراجع أمام الصعود السعودي على جميع الأصعدة.

رغم ذلك مثل هجوم السابع من أكتوبر 2023 نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي. فلم تقتصر تداعياته على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل امتدت لتشمل جوهر معادلات الردع الإيرانية. فقد اعتمدت إيران لعقود على حروب الظل، وبنت برنامجاً عسكرياً يرتكز إلى الصواريخ الباليستية التي أثارت الغرب قبل إسرائيل.

ومع شعور الغرب وروسيا والصين أن إيران اقتربت من عتبة التخصيب النووي، وجد الغرب وليس إسرائيل فقط الفرصة في إضعاف وكلاء الظل الذين تحارب بهم إيران وتقايض بهم للحصول على نفوذ إقليمي كما كان في عهد الشاه، بل أوسع نفوذاً بعد مكاسبها من احتلال أميركا للعراق وثورات ما يسمى بالربيع العربي.

أرادت إيران أن تتاجر بالوقت للتوصل إلى العتبة النووية، لكن الغرب كان لها بالمرصاد، خصوصاً بعدما اكتشفت إسرائيل هشاشة بنيتها العسكرية وبنية وكلائها، ونجحت في ضربة البيجر والقضاء على قادة حزب الله، ووصلت إلى قلب طهران واستهدفت أيضاً قادة الحرس الثوري.

انتقلت إيران من حرب الظل عبر الوكلاء إلى معادلة “وحدة الساحات” تارة والإنكار تارة أخرى، لتتحاشى الدخول المباشر في حرب مع إسرائيل لأنها تدرك أن أمريكا ستدخل هذه الحرب. ورغم أنها لم تورط نفسها في مواجهة مباشرة، فإن إسرائيل جرت أمريكا لضرب المفاعلات النووية الإيرانية في حرب الـ12 يوماً دون أي رد مباشر من إيران حتى لا يتم القضاء على النظام.

وقبل ذلك ركزت إسرائيل على استهداف اجتماع لكبار قادة الحرس الثوري في سوريا ولبنان بمقر القنصلية الإيرانية في دمشق، فتبادلت إيران مع إسرائيل الضربات في أبريل 2024 لأول مرة. هدأ التوتر بعد تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ما فرض انتخابات رئاسية أسفرت عن انتخاب مسعود بزشيكيان بدعم من الإصلاحيين.

عاد التوتر بعد اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في مقره بطهران. ولم تتوقف إسرائيل عن استهداف إيران، بل دمرت منظومة الدفاع الجوي الإيراني من طراز إس-300 إضافة إلى أنظمة رادار ودفاعات جوية، ما جعل إيران مكشوفة أمام ضرب مفاعلاتها النووية، خصوصاً بعد عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض وتعثر المسار السلمي ورفض إيران وقف برنامج التخصيب.

◄اغتيال إسماعيل هنية في طهران وتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية كشف هشاشة الردع الإيراني فيما أثارت حرب الـ12 يوماً تساؤلات كبرى حول قدرة طهران على حماية نظامها ومشروعها النووي

تزامن ذلك مع بيان أصدرته وكالة الطاقة الذرية الدولية أدان طهران بعدم الامتثال لمعاهدة حظر الانتشار. ثم باغتت إسرائيل إيران بهجوم قاسٍ في 13 حزيران – يونيو أدى إلى مقتل قادة الصف الأول من هيئة الأركان وكبار قادة الحرس الثوري. ولم يعد لدى إيران ورقة حزب الله الذي خرج من المعادلة الميدانية. وأثارت حرب الـ12 يوماً تساؤلات حول قدرة إيران الردعية، خصوصاً بعد انضمام الولايات المتحدة إلى عملية “مطرقة الليل” التي أحدثت شرخاً في منظومة الردع الإيرانية. وتبدو عودة معادلة الردع الإيرانية إلى ما قبل أكتوبر 2023 أمراً غير محتمل.

أما السعودية، فكانت الداعم الرئيسي لخطوة الاعتراف بدولة فلسطين، إذ يمثل الملف الفلسطيني لها أولوية. وقادت إجماعاً دولياً على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعيداً عن المسار الأميركي. ففي 12 أيلول – سبتمبر 2025 صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 142 دولة ومعارضة 10 وامتناع 12 على الاعتراف. وتحولت القضية الفلسطينية إلى صدام دبلوماسي عالمي غير مسبوق مع إسرائيل، خصوصاً بعدما قادت السعودية وفرنسا مبادرة الدولة الفلسطينية في 22 أيلول – سبتمبر في نيويورك، سميت بـ”إعلان نيويورك”، ووافقت عليها 153 دولة. وفي اليوم التالي، 23 من الشهر نفسه، سارع ترامب إلى الاحتواء طارحاً رؤيته لإنهاء الحرب أمام الزعماء العرب على هامش أعمال الجمعية العامة، متعهداً بعدم ضم الضفة الغربية. لكن الاتفاقيات الإبراهيمية أصبحت بحكم المنتهية.

7