كيف أحبطت السعودية ضم الضفة الغربية

منذ رسالة الملك عبد العزيز إلى روزفلت عام 1945 وحتى مبادرات فهد وعبد الله، بقيت السعودية تعتبر فلسطين قضية مركزية واليوم تجدد حضورها كضامن للتوازن وفرصة لسلام تاريخي.
الثلاثاء 2025/09/30
موقف حازم ورسالة مباشرة

السعودية كفاعل مركزي قادرة على إدارة التوازنات، ودفع المجتمع الدولي نحو موقف أكثر عدلًا، خصوصًا بعدما نجحت في جعل الملف الفلسطيني ملف شرعية دولية لا مجرد نزاع إقليمي كما تود إسرائيل تصويره، وبعض الدول التي لديها مشاريع تلتقي مع المشروع الصهيوني الإسرائيلي في المنطقة.

وعد الدولة الفلسطينية، على رمزيته، سيفتح الباب أمام فرصة تاريخية لإنهاء الاحتلال والمجازر وإقامة الدولة الفلسطينية، بعد مرحلة تكاثر الأزمات التي خلفها نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف. بل تضاعفت التناقضات المفتعلة حتى أصبحت كل خطوة نحو الأمام لا تثمر حلًا سياسيًا، بل تعميقًا لمشكلة أكبر عصية على الحل. وسعى نتنياهو إلى تحقيق وهم أمن إسرائيل بلا سلام، ومارس قوة بلا شرعية، وتحالفات داخلية بلا استقرار. كل ذلك أدى إلى مزيد من عزلة إسرائيل، كما حذر ترمب إسرائيل من تلك العزلة المتزايدة.

يبدو أن الفرصة اليوم سانحة لتحقيق السلام في المنطقة وإنهاء الصراع، من أجل أن تتفرغ المنطقة للتنمية وتتحول إلى "أوروبا الجديدة"

الاجتماع الدولي الذي استضافته السعودية وفرنسا في يوليو 2025 أعاد تسليط الضوء على محورية القضية الفلسطينية، خصوصًا في ظل تفاقم الإبادة الإسرائيلية في غزة التي حولت إسرائيل من ممارسة دور الضحية إلى ممارسة دور الجلاد، وجعلت الشارع العالمي ينتفض ضدها ويضغط على حكوماته. لذلك، عندما زار نتنياهو أمريكا اجتمع باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتحدث عن خطر الأسلحة وأنها تتغير، وعلى رأسها أدوات التواصل الاجتماعي. واعتبر أن هناك دعاية معادية للصهيونية، وطالبهم بتوجيه العقول وخنق الحق عبر السيطرة على أدوات المعركة، أبرزها “تيك توك” الذي رآه السلاح الأهم وسيكون له تأثير لصالح إسرائيل، ومنصة “إكس” معتبرًا أن إيلون ماسك صديق للصهيونية. كما حذر من صحوة اليمين في أمريكا وأسماها “الرايخ المستيقظ”، مؤكدًا أنهم لا يختلفون عن “اليسار المستيقظ” ويلتقون في بعض الأحيان.

واعتبر الأمير فيصل بن فرحان أن إنهاء الحرب في غزة شرط أساسي للمضي قدمًا نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ولا يمكن تحقيق الاستقرار دون سلام عادل وشامل. وكانت رسالة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا: “كفى عبثًا بالسلام، فعواقبه وخيمة”، قد أحبطت خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية. ما جعل الرئيس ترامب، في اليوم التالي لمؤتمر نيويورك لإقامة الدولة الفلسطينية، يدعو بعض قادة الدول العربية والإسلامية لمناقشة الأزمة في غزة، ويقدم وعدًا بعدم ضم إسرائيل الضفة الغربية وعدم تهجير الفلسطينيين الذين لديهم جوازات أردنية، ويبلغ تعدادهم ثلث سكان الضفة الغربية.

وقد استوعب الرئيس ترامب رسالة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أوصلها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، فجاء رد ترامب سريعًا، خصوصًا بعدما وجد موقفًا عربيًا إسلاميًا موحدًا من تلك القضية والأزمة. عندها أعلن ترامب عن خطة سلام مكونة من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة، قادت إلى تصريحات لافتة ومتزامنة، حيث صرح نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” بأن قادة حماس يمكن أن يخرجوا من غزة آمنين، متزامنًا مع تصريح أحد قادة حماس بأن الحركة لا ترغب في حكم غزة. هذه التصريحات سبقت اجتماع نتنياهو مع ترمب في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025.

استوعب الرئيس ترامب رسالة الأمير محمد بن سلمان التي أوصلها وزير الخارجية السعودي، فجاء رد ترامب سريعًا، خصوصًا بعدما وجد موقفًا عربيًا إسلاميًا موحدًا

وأكد المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف أن خطة ترمب ذات الـ21 نقطة تهدف إلى حل دائم للصراع الممتد منذ عقود، مع تعديلات عربية أُدخلت على مبادرة ويتكوف–كوشنر–بلير لوقف الحرب في غزة. شملت هذه التعديلات انسحابًا إسرائيليًا كاملًا من قطاع غزة، ونصت أيضًا على إدارة فلسطينية من التكنوقراط للقطاع بإشراف من مجلس الأمن. كذلك نصت المبادرة بعد التعديلات على أن تضع حركة حماس سلاحها بدلًا من نزع السلاح. ويتزامن ذلك مع تأييد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانًا من 7 صفحات يطالب بوقف الحرب في غزة وتعزيز مسار حل الدولتين، وسط مقاطعة من إسرائيل والولايات المتحدة.

تعتبر السعودية القضية الفلسطينية مركزية بالنسبة لها منذ عهد الملك عبد العزيز، عندما كتب إلى روزفلت عام 1945: “إن ضاقت بالعرب السبل فلن يترددوا في الدفاع عن أنفسهم وأجيالهم”. كلمات تنبأت بصراع طويل الأمد لم يزل يلقي بظلاله حتى اليوم. وقاد الملك فهد – رحمه الله – مبادرته في 1981 في قمة فاس، لكن العرب لم يتفقوا على مبادرة الملك فهد. تأجلت القمة من قبل المستضيف الملك الحسن – رحمه الله – وجعل القمة قائمة حتى ضربت أزمات المنطقة، ومنها احتلال إسرائيل لبيروت عام 1982، ما فرض على العرب الموافقة على مبادرة الملك فهد في قمة فاس 1982، وسميت بالمبادرة العربية بعد إضفاء تعديلات عليها.

تجددت تلك المبادرة في بيروت بقيادة الملك عبد الله عندما كان وليًا للعهد عام 2002، وأصبحت المبادرة العربية مطروحة على الطاولة من قبل العرب لإحلال السلام.

ويبدو أن الفرصة اليوم سانحة لتحقيق السلام في المنطقة وإنهاء الصراع، من أجل أن تتفرغ المنطقة للتنمية وتتحول إلى “أوروبا الجديدة”، يشترك فيها العالم، ويلتقي “الحزام والطريق” بالممر الهندي الأخضر المار بدول الخليج، لينتهي في أوروبا بعد المرور بسوريا.

7