ما حققته الدبلوماسية السعودية لم يتحقق لمحور المقاومة

برزت السعودية كلاعب محوري يسعى لإعادة التوازن ويفسح المجال لإقامة الدولة الفلسطينية في لحظة تاريخية يلتقي فيها الحراك العربي مع استعداد دولي للضغط العملي على إسرائيل.
الاثنين 2025/10/06
الدور السعودي ليس مبادرة ظرفية بل رؤية استراتيجية

ما يُسمّى بمحور المقاومة هو جزء من الشرق الأوسط الجديد؛ فإيران وإسرائيل ورقتا الضمان لابتزاز العرب، وبشكل خاص السعودية. وهذا التحالف يُعدّ تحالف مصالح، مثلما تركت أميركا العراق لإيران بعدما عانى الجيش الأميركي هناك من المقاومة. كذلك تحالفت إيران مع أميركا في استثمار ثورات ما يُسمّى بالربيع العربي، للدخول إلى سوريا وتحقيق ممر من طهران عبر العراق وسوريا إلى حزب الله في لبنان، حتى يكون لطهران إطلالة على البحر المتوسط. هذا الممر أثار إسرائيل ويقود إلى صراع مؤجّل، إلى جانب استثمار إيران ثورات اليمن، حيث وجدت فرصة للتواجد هناك عبر الحوثي.

يعتمد هذا المحور على دغدغة مشاعر الشعوب بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية. قد تكون هناك اشتباكات محدودة مع جنود إسرائيليين على الحدود، خصوصًا بين حزب الله وإسرائيل بحكم التلاحم الحدودي، أو إرسال الحوثي صاروخًا أو مسيّرة إلى إسرائيل، ليس من أجل دعم مقاومة حماس، بل من أجل تجميل صورة محور المقاومة بقيادة إيران. وكانت حماس، التي ترى في أميركا وإسرائيل ضرورة إستراتيجية، قد راوحت بين توحيد الصف بقيادة سعودية عام 2007، وانقلاب على السلطة الفلسطينية، ثم الارتماء في محور المقاومة الذي مركزه طهران، ما عزّز من تمدد هذا المحور.

أرادت أميركا مقايضة السعودية بالقضاء على محور المقاومة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومن أجل الضغط على السعودية، تركت أمريكا أذرع إيران في المنطقة تنمو بشكل يهدد الأمن الإقليمي، وبشكل خاص أمن السعودية. لكن السعودية سارعت إلى التهدئة مع إيران برعاية بكين كضامن، ما أربك الخطط الأمريكية–الإسرائيلية، وخرجت السعودية من معادلة مواجهة محور المقاومة. وتحول الصراع بين إسرائيل وأمريكا من جهة، ومحور المقاومة من جهة أخرى، بعدما كان مؤجّلًا. لكن الاتفاق السعودي–الإيراني عجّل هذا الصراع المؤجّل بين إيران من جهة، وبين إسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، ما يُمثّل نجاحًا للدبلوماسية السعودية.

أميركا أرادت مقايضة السعودية بالقضاء على محور المقاومة مقابل التطبيع فتركت أذرع إيران تنمو لكن السعودية سارعت إلى التهدئة مع إيران ما أربك الخطط الأمريكية–الإسرائيلية

من يتمعّن في طوفان الأقصى، يدرك أنها لم تكن كسابقاتها من حيث الكرّ والفرّ، بل كانت هجمات واسعة. في المقابل، تخلّت إيران ومحورها بالكامل عن حماس، وادّعت أن حماس قامت بتلك الهجمات دون اطلاع إيران ومحورها عليها، أي أنها تصرّفت من تلقاء نفسها، ما يعني التضحية بغزة. فهل كانت صفقة غير معلنة من أجل تحقيق محور المقاومة مكاسب؟ وفي الوقت نفسه، يحقق نتنياهو مشروعه للشرق الأوسط الجديد. ومن مصلحة إسرائيل بقاء محور المقاومة كمشروع إيراني، لكن دون أن يكون ذلك على حساب مشروع إسرائيل للشرق الأوسط الجديد، فحدث تصادم بين المشروعين.

الدور السعودي ليس مبادرة ظرفية، بل رؤية استراتيجية ممتدة تستند إلى الاستقرار. فحل الدولتين مطروح منذ ما عُرف بلجنة بل عام 1937، ثم أصدرت الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني -نوفمبر 1947 القرار 181، الذي دعا إلى إنشاء دولتين على مساحة نسبتها 55% لليهود، و43% للعرب، و2% إدارة دولية للقدس. وبعد حرب حزيران – يونيو 1967، أصدر مجلس الأمن القرار 242، الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة مقابل السلام. خطة الملك فهد –رحمه الله– عام 1981، صادق عليها العرب في 1982، وشكّلت أساسًا لمبادرات لاحقة مثل أوسلو 1993، والمبادرة العربية 2002، ثم مؤتمر أنابوليس 2007 برعاية بوش، بحضور 50 دولة لاستئناف المفاوضات. لم تستمر المفاوضات بسبب استمرار الاستيطان والخلافات. في يونيو 2009، أعلن نتنياهو قبوله بحل الدولتين، لكنه اشترط نزع سلاح الدولة الفلسطينية وضمانات دولية. أما صفقة القرن عام 2020، وفق طرح ترامب، فقد دعمت السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية والقدس وضم المستوطنات.

وجدت السعودية في ذلك فرصة لإحياء حل الدولتين، فتحالفت مع فرنسا وحشدت العالم، ووافق 80% من الدول في مؤتمر نيويورك على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في 22 أيلول – سبتمبر 2025، خلال الجلسة الثمانين للأمم المتحدة. وهي خطوة تتقاطع مع مصالح الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، التي فرضت الإجماع الدولي على ترامب، ودعت دولًا عربية وإسلامية في اليوم التالي لمؤتمر نيويورك لعرض مبادرته لوقف النار في غزة. ووافقت حماس على خطة ترامب، وعلى إثر تلك الموافقة، فرض ترامب على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، وسط مظاهرات في تل أبيب تدعم خطة ترامب.

بذلك، برزت السعودية –وليس محور المقاومة– كلاعب محوري يسعى لإعادة التوازن إلى مسار التسوية في المنطقة، ويفسح المجال لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وهي فرصة تاريخية نادرة، إذ يلتقي الحراك العربي بقيادة سعودية–فرنسية–دولية، مع استعداد المجتمع الدولي للانتقال من الاعتراف الرمزي إلى الضغط العملي على إسرائيل للامتثال للشرعية الدولية، ليصبح مشروع حل الدولتين واقعًا سياسيًا يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه، ويضمن للمنطقة السلام، ويحيّد محور المقاومة المتاجر بالقضية الفلسطينية، تمهيدًا لتفكيكه، من أجل أن ترتبط المشاريع الإقليمية في المنطقة بالمشاريع الدولية، باعتبارها جسرًا يربط بين الشرق والغرب.

7